في 27 مارس/آذار 1994 فاز رجب طيب أردوغان برئاسة بلدية اسطنبول الكبرى، وتصاعد نجمه السياسي بعد أن تعامل ببراعة مع مشاكل المدينة المستعصية، بدءاً من مشكلة القمامة، وتحديداً في منطقة خليج الساحلية، وصولاً إلى أزمة المياه عبر ضمان إمدادات ثابتة لسكانها.

اتخذت مسيرة أردوغان السياسية منعطفاً دراماتيكياً بعد أن حكم عليه بالسجن في 12 ديسمبر/كانون الأول 1997، وتجريده من رئاسة البلدية، لإلقائه قصيدة شعرية. بعد قضاء أربعة شهور في السجن، خرج أردوغان ليؤسس للحظة محورية في الحياة السياسية التركية عبر تأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس/آب 2001.

ومنذ توليه منصب رئيس الوزراء في 15 مارس/آذار 2003، حقق أردوغان سلسلة متواصلة من الانتصارات الانتخابية، وضعت حداً للحكومات الائتلافية، كما شرع أردوغان في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية، عززت من استقرار تركيا في الداخل، كما عززت من مكانتها في الساحة الدولية.

استمرت انتصارات أردوغان في الانتخابات بلا توقف، ففاز في الانتخابات العامة في 22 يوليو/تموز 2007، والانتخابات العامة في 12 يونيو/حزيران 2011، والانتخابات الرئاسية في 10 أغسطس/آب 2014 ، وصولاً إلى الاستفتاء العام 2017 والذي جرى بموجبه الانتقال إلى النظام الرئاسي، ليزيد من حضوره وموقعه مع إعادة انتخابه رئيساً في 24 يونيو 2018.

التنمية الاقتصادية وتطوير البنية التحتية

قاد أردوغان في المراحل الأولى من حكمة الاقتصاد التركي للتطور والنمو، فتضاعف دخل الفرد ما يقرب من ثلاثة أضعاف، وانتقل الاقتصاد التركي ليكون من الاقتصادات الأسرع نمواَ في العالم، كما انخفضت معدلات الفقر، ووصل الاقتصاد التركي إلى المرتبة التاسعة عشرة عالمياً، بناتج محلي اقترب من 1 تريليون دولار.

يرجع جزءٌ من هذا التحسن الملحوظ إلى سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي هدفت لدمج تركيا بإحكام في الاقتصاد العالمي، من خلال تعزيز السياسات الاقتصادية الليبرالية المرتكزة على تعزيز روح المبادرة إضافة إلى إصلاح القطاع المصرفي.

أظهرت ادارة أردوغان التزاماً عميقاً بتطوير البنية التحتية في تركيا بعد أن أهملت لسنوات طويلة، عبر مجموعة من الإجراءات الحاسمة التي شملت استثمارات كبيرة في قطاعات النقل والتعليم والرعاية الصحية، شملت إنشاء شبكات من الطرق والقطارات السريعة، والجسور والسدود، بالاضافة إلى إنشاء المطارات في كل ولاية تركية، ووصل 42 مقاولاً تركياً لقائمة أفضل 250 شركة في العالم، وبرزت تركيا كمحور حيوي لمشروع طريق الحرير ولعبت دوراً مهماً في تسهيل نقل الغاز الطبيعي.

وفي مجال التعليم، ارتفعت معدلات التحاق الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6-14 عاماً في المدارس، ووصل ليكون الأعلى ما بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والدول الشريكة.

وتحت إدارة الرئيس أردوغان، شهد نظام الرعاية الصحية تطوراً ملحوظاً، إذ جرى التعامل بشكل فعال مع التحديات الرئيسية التي تواجهه، ما مكّن السكان من الحصول على خدمات رعاية صحية شاملة وعالية الجودة، كما أدخلت المدن الطبية " Şehir Hastaneleri" لتلبية الاحتياجات الشاملة لكل منطقة عبر توفير مجموعة واسعة من المرافق الطبية.

الصناعات الدفاعية الوطنية

شهدت الصناعات الدفاعية التركية تطوراً كبيراً مع تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب والتركيز على تعزيز قدرات تركيا العسكرية.

نتج عن هذا التوجه الاستراتيجي إنجازات ملحوظة في إنتاج المعدات العسكرية، بما في ذلك المركبات المدرعات والطائرات والسفن البحرية، والطائرات من دون طيار التي شهدت تقدماً مثيراً للإعجاب، وخاصة طائرات شركة بيكار التي أثبتت فعاليتها في أكثر من صراع كما هو الحال في كاراباخ وأوكرانيا، ما منحها اهتماماً وإشادة إعلامية كبيرة.

الإصلاحات الديمقراطية

وعلى عكس مزاعم الغرب، شهد المشهد الإعلامي في تركيا تحولاً ملحوظاً وإيجابياً، فازداد تنوع وسائل الإعلام، وتعززت الأصوات الناقدة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. كما توسعت الحريات المدنية في تركيا، ما وضع حداً للجرائم التي لم تُحلّ في عقد التسعينيات، وأوجد بيئة أكثر حرية على مستوى تأسيس وتكوين الجمعيات والمؤسسات المدنية.

ولعبت إدارة أردوغان دوراً محورياً في تحسين حقوق الأقليات، وتحديداً السكان الأكراد، عبر تعزيز هويتهم وحقوقهم الثقافية واللغوية، بما في ذلك فتح قنوات تلفزيونية رسمية ناطقة بالكردية، وافتتاح قسم أكاديمي لتدريس اللغة والآداب الكردية، كما اتُّخذت مجموعة من التدابير لحماية وتعزيز حرية التعبير، وإنشاء الجمعيات والمؤسسات للأقليات الدينية كالمسيحيين والسريان، والأرمن.

وفي محطات عدة من تاريخ تركيا تعطلت الحياة السياسية التركية بعد انقلابات عسكرية شهدتها البلاد، لكن التزام الشعب التركي بالديمقراطية وقيمها، حال دون تكرار هذا الأمر كما في مقاومة المواطنين الأتراك للمحاولة الانقلابية 2016، كما أكد هذا الجهد الجماعي تفاني الشعب الراسخ في دعم القيم الديمقراطية والحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية.

والجدير بالذكر أنه في الجولة الأولى من انتخابات 14 مايو/أيار 2023 ، وصلت المشاركة الانتخابية التركية إلى مستويات غير عادية ، إذ بلغت نسبة إقبال الناخبين 90٪. تعكس هذه المشاركة الواسعة الأهمية العميقة التي يوليها المواطنون الأتراك لتشكيل مستقبلهم الديمقراطي وممارسة حقهم في التصويت.

توسيع نفوذ تركيا الدولي

عملت إدارة الرئيس أردوغان بنشاط على توسيع نفوذ تركيا الدولي، من خلال تبني سلوك حازم في سياستها الإقليمية ولا سيما في صراعات كسوريا وليبيا وكاراباخ، كما سعى أردوغان إلى تعزيز مكانة تركيا في زعامة العالم الإسلامي، وبرزت تركيا كواحدة من أكبر الجهات الإنسانية المانحة على مستوى العالم.

وكان لكاريزما أردوغان ومهارته الدبلوماسية، دور في تزايد نفوذ تركيا الدولي، فقد عززت تركيا علاقاتها مع مختلف البلدان، ولا سيما دول إفريقيا والبلقان مع الحفاظ على توازن دقيق مع القوى العالمية الكبرى.

فعلى صعيد إفريقيا، كرس أردوغان جهوده لتعزيز العلاقات مع دول القارة، فمنذ عام 2002 ارتفعت أعداد سفارات تركيا من 12 إلى 45 سفارة، ما مهد الطريق أمام تعزيز الشراكات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات الأجنبية.

وفي السياق الليبي، لعب أردوغان دوراً مهماً من خلال تقديم المساعدة العسكرية والدعم السياسي لحكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة، ما انعكس على جهود حل النزاع القائمة.

أما البلقان، فقد سعى أردوغان إلى توثيق العلاقات مع دول المنطقة، مع التركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادلات الثقافية، ما أدى إلى توسيع نفوذ تركيا في المنطقة.

وأظهر الرئيس أردوغان توازناً ماهراً في العلاقات مع روسيا والغرب خلال الأزمة الأوكرانية، إذ حافظ على شراكة إستراتيجية مع روسيا، كما دعم وحدة الاراضي الأوكرانية ودافع عن الحل السلمي للصراع، وظهرت نتائج ذلك في دور تركيا كوسيط في صفقة الحبوب في البحر الأسود.

وفي حال انتخاب الرئيس أردوغان مجدداً في الجولة الانتخابية الثانية 28 مايو، فإنه سوف يعمل على تحقيق شعار "القرن التركي"، ما يستلزم تنمية اقتصادية قوية، واستقلالية في الصناعات الدفاعية الوطنية.

بينما يحافظ أردوغان على علاقة متوازنة مع الغرب وروسيا، من المتوقع أن يسعى إلى إقامة علاقات أكثر تقدماً مع روسيا ودول الخليج والمملكة العربية السعودية.

في تركيا إذ يقيم ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ، يتعهد زعيم المعارضة بطرد جميع اللاجئين من تركيا حال وصوله إلى السلطة، في المقابل يتبنى رجب طيب أردوغان نهجاً أكثر تعاطفاً مع اللاجئين، ملتزماً بتزويدهم بالدعم والحماية. فمقياس القائد الحقيقي في نزعته الإنسانية، وليس في خطابه السياسي.

TRT عربي - وكالات