القديسة ريتا شفيعةً الامور المستحيلة (٢)


دخول ريتا إلى الدير بأعجوبة :

بعد موت زوجها واولادها ، ودّعت ريتا هذا العالم التاعس متكلة على معونة الله ، و ذهبت تقرع باب راهبات القديسة مريم المجدلية الاوغسطينيات وبينت رغبتها الحارة في الدخول في رهبنيّتهنّ فرُفِض طلبها لأنها كانت متزوجة فعادت دون أن تيأس من رحمة الله بل داومت على صلواتها وإماتاتها وأعمالها الخيرية ، وذهبت بعد ذلك مرتين من جديد تقرع باب الدير المذكور وفي المرتين ، مع الأسف لم تنل قبولها في الدير .

فاستسلمت إلى إرادة الله القدوسة ووكلت أمرها الى القديسين شفعائها وكانت قد ناهزت الأربعين ورغم وجودها في العالم كانت تحيا حياة رهبانية محضة ممارسة بأمانة المشورات الأنجيلية . ولمّا رأى الله خضوعها التام لإرادته القدوسة وثقتها الكبيرة برحمته الأزلية تحنن عليها . وبينما كانت في احدى الليالي غارقة في التأمل سمعت صوتاً يردد : ريتا، ريتا.

فاقتربت من النافذة لترى مَن يناديها ، وماذا يريد منها ، لكنها لم تشاهد أحداً ففكرت أنها خُدِعَت وعادت حالاً إلى التأمل لكن لم يمضِ وقت طويل حتى عاد الصوت ينادي : ريتا ريتا فنهضت وفتحت الباب وسارت في الشارع فرأت شيخاً مع شخصين أخرين فعرفت بالهام إلهي أنهم شفعاؤها القديسين وهم : يوحنا المعمدان و اغوسطينوس و نيقولا دا تولنتينو . فطلبوا منها أنّ تتبعهم ، فتبعتهم كأنها في حلم . وبفترةٍ وجيزة من الوقت وصلوا الى كنيسة دير القديسة مريم المجدلية ، ورغم أن الأبواب كانت مغلقة و مقفلة و الراهبات غارقات في نومهنّ أدخلها القديسون الذين أرسلهم الله ليرافقوها إلى الدير وتواروا عنها .

لمّا نزلت الراهبات صباحاً إلى تلاوة الفرض دهشن لوجود هذه المرأة القديسة التي كانت طردت مرات عديدة من بينهن وكيف تمكنت من الدخول إلى الدير ليلاً فأخبرتهن ريتا ببساطة أعجوبة السماء ، فخضعن الراهبات لصحة قولها وقبولها للحال في الرهبانية بين المبتدئات .

حياة ريتا في الدير :

ولم يطل الأمر حتى زهت فضائلها وتألق بدر كمالها الرهباني وقد كانت المواهب الخاصة التي أنعم الله عليها بها هدفاً لسوء الفهم والإهانات والآلام التي تكمل النفوس ، ولأنّ قديستنا كانت قد تهذبت في مدرسة المصلوب فقد تحملّت أشد الصعوبات ، و تمرنت على الفضائل ونركت حبّ الذات فيها وتعاطت أحقر الأشغال في الدير وأتعبها.

لكنّ هذه المرأة القوية كانت تقول : أنا تكرّست لله مدى الأبدية ” وهكذا بقيت أمينة في عهودها مهما كلفها الأمر . كانت تجلد نفسها ثلاث مرات في النهار . وكانت دائماً تلبس مسحاً من شعر الخنزير فيها أشواك تمزق جسدها .

الكرمة العجيبة :

يوماً ما ارادت الرئيسة أن تمتحن طاعتها فأمرتها أن تسقي عوداً يابساً كل يوم صباحاً و مساءً ، وكان غصن الكرمة معداً للنار فامتثلت لأمر الرئيسة و جعلت تسقيه صباحاً و مساءً ببساطة مدهشة ، وظلت على هذه الحالة سنة كاملة والراهبات ينظرن إليها مبتسمات وقد يكون ذلك تخشعاً أو تهكماً .

وفي أحد الأيام نظرت الراهبات باندهاش و حيرة عندما رأين الحياة تدب في العود اليابس الذي نما وأُصبّح كرمة عجيبة أعطت في حينها عناقيد يانعة لذيذة ولاتزال إلى الأن في بستان دير كاشيا شاهداً على طاعة الأخت ريتا ، فيبارك الكهنة أوراقها وعيدانها المطحونة ويستعملها المؤمنون مع الصلاة إكراماً للقديسة فينالون نعماً كبيرة و خصوصاً شفاءات عجيبة .

إنّ ريتا كانت منذ نعومة أظفارها تشعر بميل قوي إلى الآم المخلص ، بل كانت الآلام دائماً موضوع تأملاتها وكاشيا ليست بعيدة عن مدينة أسيز ، وكانت ريتا تعلم أنّ القديس فرنسيس الاسيزي قد قبل في جسمه سمات يسوع المصلوب ورُسِمَت جراحات يسوع في يديه ورجليه و جبينه ، وهكذا شارك يسوع آلامه الفدائية . فأصبحت هي أيضاً تحب أن تختم حياتها بصليب المخلص لكنها لم تعتبر ذاتها أهلاً لهذه النعمة الفريدة فاكتفت أن تتأمّلها تأملاً كان يفقدها الشعور وكانت الراهبات يحسبن أنها ماتت .

شوكة من يسوع على جبين ريتا :

ذلت مرةً كانت جاثية أمام صورة المصلوب فتوسلت بحرارة الى المعلم الإلهي لكي يشركها في أوجاعه و للحال طارت شوكة من أكليل المصلوب وانغرست في جبينها، فاذاقتها ألمًا شديداً حتى أغمي عليها وكادت من ألمها تموت .

تحوّل جرح ريتا إلى قائح ، فلكي لا تزعج الراهبات برائحتها الكريهة التزمت أن تنزوي في غرفة بعيدة عن الراهبات ، وكانت راهبة تأتيها بالقوت اليومي الضروري .

حملت الاخت الراهبة ريتا الجرح الشديد مدة خمس عشرة سنة ولم تشعر بخفة الوجع حتى في نومها فقاست كل ذلك ليس بصبر فقط بل بالشكر الجزيل للذي أهّلها لأن تشاركه في آلامه الخلاصية .

بعد أن نذرت ريتا نذورها الإحتفالية شاهدت وهي غارقة في التأمل سُلَّماً يصعد من الأرض إلى السماء وفي أعلاه سيدنا يسوع المسيح وهو يدعوها لتصعد السلم بكرامة .

إنتشرت أخبار وساطتها لدى الله و مقدرتها على قلبه تعالى فأسرع إليها القاصي و الداني وكانت بصلواتها تنال عجائب الأهتداءات و الشفاءات المستحيلة والعجيبة .

ذهاب الاخت ريتا إلى روما :

كانت تعزيتها الكبرى لمّا سمحت لها الرئيسة بالذهاب إلى روما لحضور يوبيل السنة المقدسة ١٤٥٠ وربح غفراناتها ولتزيد نفسها طهارةً ونقاوة ، وتنال البركة البابوية وخصوصاً لتُكرّم ذخائر الآم المسيح الموجودة في جبينها، وقد طلبت منه أن يشفي الجرح إلى أن تعود من روما دون أن يزيل ألمه ، فاختفى الجرح وبقي الوجع . و لمّا عادت إلى كاشيا سمح يسوع بأنّ ينفتح جرح جبينها من جديد على أن ثقل السنين وكثرة الأوجاع و التقشفات أنهكت قوة الراهبة القديسة وأرغمتها على أن تسمّر على سريرها الفقير القاسي ولم تعد معدتها قادرة على إحتمال الطعام حتى القليل منه فأصبح قوتها الوحيد القربان المقدّس .

وفاة الراهبة ريتا :

واستمرّت على هذه الحال أربع سنوات قاست أثناءها آلاماً واوجاعاً لا توصف وقبل وفاتها بثلاثة أيام ظهر لها السيد المسيح تصحبه أمه القديسة مريم العذراء وقال لها أنها بعد ثلاثة أيام تكون معه في السماء و قبلت الزاد الأخير والمسحة المقدسة وفي ٢٢ مايو ١٤٥٧ فاضت روحها الزكية الجميلة و تركت هذا العالم الفاسد و حلّقت نحو السماء .

وما كادت القديسة تلفظ نفسها الأخير حتى مجّدها الله بكثير من العجائب ، وبصورةٍ عجيبة قرعت الملائكة جرس الدير فأسرعت الراهبات إلى غرفتها وهن يفكرن برائحة الجرح الكريهة لكن ماكان أشد اندهاشهن لما أقتربن من الجثة فوجدن الجرح قد إلتأم وتفوح منه رائحة زكية ووجه ريتا جميلاً يطفح بُشراً وابتساماً وقد تقدمت إحدى الراهبات المشلولة اليد لتعانق القديسة وما أن عانقتها حتى شعرت للحال بشفاء يدها .

نُقِلَ جثمانها إلى كنيسة الدير حيث عرض أياماً عديدة نزولاً عند طلب المؤمنين . وشعّ نور برّاق في غرفتها وأنتشرت في أرجاء الدير رائحة عطر سماوي وتحوّل جرح جبينها الى ياقوتة وهّاجة كالماس . ونظراً للحشد الكبير الذي تجمع في يوم دفنها التزمت الراهبات بنقل جسدها إلى الكنيسة الخارجية للدير بإحتفال مهيب كأنها حفلة إنتصار إشتركت فيها السلطات الدينية و المدنيّة.

إعلانها طوباوية وقديسة في الكنيسة الجامعة :

ونظراً لكثرة العجائب التي أفاضها الله على طالبي شفاعتها نادى بها الشعب قديسة قبل أن تثبّت الكنيسة قداستها ، ولمّا تكاثرت المعجزات الخارقة التي جرت بعد موتها قررت السلطة الكنسية و المدنية معاً وضع جثمانها في مكانٍ لائق معروضاً في تابوت من السرو مكشوفاً ليتسنى للجميع رؤيتها . وقد حفظ الله جسدها من كل فساد ، وكان ينضح رائحة لذيذة وهكذا وُضِع في الكنيسة داخل الدير تحت مذبح العذراء و بقي مكرّماً على هذه الحالة حتى سنة ١٥٩٥ حيث نقلوه إلى الكنيسة الكبرى . وبعد سنوات احترق هذا التابوت بسبب شمعة مضاءة وقعت عليه ولكنّ جسم القديسة ريتا لم تمسّه النار بأي أذى .

في سنة ١٦٢٨ أعلن قداسة البابا أوربانوس الثامن ريتا طوباوية . وفي العام ١٩٠٠ أعلنها قداسة البابا لاون الثالث عشر قديسة ورفعها على هياكل الكنيسة الجامعة ، وعيّن الثاني والعشرون من شهر مايو في كل سنة عيداً لها .

تاريخ الخبر: 2023-05-28 09:22:01
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

أول تعليق من نيشان بعد إعلان ياسمين عز حصولها على حكم ضده

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:57
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

غادة عبد الرازق: ندمانة ولو رجع بيا الزمن مكنتش هخش التمثيل

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:59
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 67%

مهمة غير مسبوقة.. الصين تغزو الجانب البعيد من القمر

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 09:21:54
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية