كشف الكاتب المسرحي والأكاديمي الدكتور عبد الكريم الحجراوي، لـ "الدستور" تفاصيل كتابه تحت الطبع "إسنا دولة الإنشاد والطرب "  

 إسنا في عيون الرحالة والمؤرخين 

قال الكاتب المسرحي والأكاديمي الدكتورعبد الكريم الحجراوي لـ "الدستور"، تضرب مدينة إسنا بجذور عميقة في التاريخ فقد كانت عاصمة للإقليم الثالث لمصر القديمة، وتحتوي على مئات المقابر للحكام والنبلاء، بخلاف المعابد ومقابر تحنيط الأسماك والمحميات الطبيعية، وورد ذكرها في كتب الرحالة العرب والغربيين مثل ابن بطوطة، والسويسري جون لويس بوركهارت، ولقب مسجدها العمري بأزهر الصعيد لكثرة العلماء فيه.

 ففي كتاتيب إسنا حفظ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد القرآن الكريم بالتحديد في كتاب محمد سليم المنشاوي الذي تربطه صلة بالشيخ صديق المنشاوي بقرية أصفون، حيث تبرع أهالي هذه القرية بقطعة أرض لتأسيس الجمعية الأزهرية عام 1926م لتحفيظ القرآن الكريم بالقراءات السبع.

 وخرج من هذه المدرسة عبدالباسط عبدالصمد والشيخ عبدالعظيم العطواني والشيخ الأمير محمد صالح وغيرهم من مشاهير دولة القراءة الذين ذاع صيتهم داخل مصر وخارجها وعرفوا بحلاوة والصوت وجودة التلاوة. وفي مدينة إسنا تعلم شيخ الأزهر الحالي أحمد الطيب بمعهد إسنا الديني.

 - إسنا دولة مشاهير قراء القرآن الكريم 

 ويأتي كتاب الدكتور عبدالكريم الحجراوي "إسنا دولة الإنشاد والطرب" في خمسة فصول، يدرس فيها الفنون الأدائية التي ازدهرت في مدينة إسنا وخرجت منها لتطوف دول العالم كله.

ويشير "الحجراوي" إلى أن  الفصل الأول من الكتاب "دولة القراء" أشهر قراءة القرآن الذين خرجوا من مدينة إسنا وتأثير مدرسة الشيخ محمد سليم المنشاوي في القراء المصريين، ويرصد سير كبار هؤلاء القراء وما تتميز به تلاوتهم للقرآن الكريم عن غيرها.

ويناقش الفصل الثاني "دولة الإنشاد" حيث صدرت إسنا إلى مصر الوطن العربي أساطين دولة الإنشاد على رأسهم عبدالنبي الرنان وأحمد أب برين ومحمد الضوي، وجمال الإسناوي وأخيه سيد الإسناوي وصولًا في الفترة الأخيرة إلى محمد منتصر الدح وإبراهيم الأمير محمد صالح وغيرهم من المنشدين الذي يتفرد كل واحد منهم بمدرسة في الإنشاد ذات طبائع وخصائص فريدة ومتميزة تعكس مدى تفرد هذا الفن في إسنا وتعدد مدارسه.

 - الصوفية والطرب

ويعالج الفصل الثالث "دولة الصوفية" الطرق الصوفية في إسنا وتعددها والحِضَر التي تقيمها والأوراد التي يتلوها أتباع هذه الطرق مثل الطريقة النقشبندية والجعفرية والتجانية والطريقة القادرية وغيرها من الطرق الصوفية التي تزخر بها مدينة إسنا التي يقارب عدد سكانها المليون نسمة.

ويرصد الباب الرابع "دولة الطرب" في إسنا التي يأتي على رأسها فن الكف بأشكاله المختلفة مثل الكف البلدي والكف المتلت أو أبو عاجة، وفن الكف العالي. ويكشف أبرز فناني هذه الكف في إسنا مثل العزب وابنه جابر العزب. كما يبين هذا الباب الخصائص التي تميز فن الكف في إسنا عن فن الكف الموجود في مراكز أخرى في محافظة أسوان، وكيف أصبحت إسنا قبلة لفناني الكف من مراكز أسوان للعيش والسكن فيها بسبب كونه تجارة رائجة ومحببة لأهالي هناك ويعد هو الفن الأدائي الأول في إسنا وفنانيه هم نجوم الأغنية والطرب بالنسبة إليهم.

إسنا وليالي التطبيل 

وبلفت الحجراوي إلى ان “يركز الفصل الخامس "دولة النساء" على أغاني الطرب النسائية مثل غناء السيدات في الأفراح فيما يعرف بـ"ليالي التطبيل" وكذلك غناء السيدات للحجاج التي تتواصل لأيام، كما يسلط الضوء على أغاني النساء الحزينة في المآتم ما يعرف بـ"العديد".

ويسلط الكتاب أيضًا الضوء على مجموعة من الفنون القولية الموجودة في إسنا مثل فن الواو والمربعات الخماسية والنعمانية، ويلفت إلى فنون اندثرت بسبب تطور الحياة مثل أغاني العمل التي كانت تغنى أثناء دوران السواقي والسقي بالقادوديس والحرث بالمحراث وتذرية القمح وجني المحاصيل، التي كانت تشتهر بها إسنا مثل العدس ولوبيا والترمس.

 ويلفت المؤلف  في خاتمة الكتاب أن كثير من الفنون الأدائية الغنائية والقولية في مدينة إسنا في طريقها إلى الإندثار ما لم يتم العناية والحفاظ عليها باعتبارها إرث تمتد جذور بعضه إلى عصور المصريين القدماء.

جدير بالذكر أن د. عبدالكريم الحجراوي: ناقد وكاتب مصري، حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه Ph.D  في النقد المسرحي من جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى والتوصية بطبع الرسالة وتبادلها بين الجامعات العربية.

 من مؤلفاته في النقد المسرحي: «المسرحية الشعرية العامية في مصر 1921: 1986» «معجم المسرح السيري: ببليوجرافيا شارحة». «صدمة التوحش: تمظهرات الهويات القاتلة في المسرح العربي» «الهوية: رؤية مأساوية للعالم». ومن مؤلفاته الإبداعية: مجموعتان قصصيتان «كان لك معايا»، و«نسوة ينتعلن الكوتشي»، و مسرحيتان «الحسين يقتل مرتين» و« ليلة عرس فاطمة»، وثلاث روايات «ما قبل الرحيل»، «هند»، «حبكة هشة ليوم عادي». ديوان شعر «لم يكن عدلًا». وله العديد من المقالات النقدية والأبحاث العلمية المحكمة في الصحف والمجلات المصرية والعربية الكبرى.