ابن عطاء الله السكندري
أحمد بن محمد ابن عطاء الله السكندري فقيه مالكي وصوفي شاذلي الطريقة، بل أحد أركان الطريقة الطريقة الشاذلية الصوفية، (658 هـ / 1260م - 709 هـ / 1309م). الملقب بـ "قطب العارفين" و"ترجمان الواصلين" و"مرشد السالكين". كان رجلاً صالحاً عالماً يتحدث على كرسي ويحضر ميعاده خلق كثير، وكان لوعظه تأثير في القلوب، وكان له فهم تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق، وله ذوق وفهم بكلام الصوفية وآثار السلف. وكان ينتفع الناس بإشاراته.
اسمه ونشأته
هوتاج الدين أبوالفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي نسباً. وفد أجداده المنسوبون إلى قبيلة جذام، إلى مصر بعد الفتح الإسلامي واستوطنوا الإسكندرية حيث ولد ابن عطاء الله حوالي سنة 658 هـ الموافق 1260م ونشأ كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله، فَقيهاً يَشتغل بالعلوم الشَرعية حيث تلقي منذ صباه العلوم الدينية والشرعية واللغوية.
سلوكه طريق التصوف
كان الشيخ ابن عطاء الله في أول حاله فقيهاً على الممضى المالكى، وكان يتعجَّب من منهج الصوفية وينعى عليهم اعتقادهم بأن هناك فهماً آخر يختصون به، غير الفقه، منكراً على أهل التصوف حتى أنه كان يقول: "من نطق حتى هنالك فهماً غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل". فما حتى صحب شيخه أبوالعباس المرسي (تلميذ أبى الحسن الشاذلى) واستمع إليه بالإسكندرية حتى أحب به إعجاباً شديداً وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوائل مريديه وصار يقول عن كلامه القديم: "كنت أضحك على نفسي في هذا الكلام". فعهد منه حتى الفقه فهمٌ ظاهر يتعلق بالظواهر، وللتصوف من بعد ذلك معارف تتعلق بالقلوب والبواطن، وأنه لا خلاف على الحقيقة بين الجانبين: الظاهر والباطن، الشريعة والحقيقة، العقل والقلب، الفقه والتصوف.. يقول ابن عطاء الله في كتابه (لطائف المنن في مناقب أبى العباس المرسى وشيخه أبى الحسن) ما مفاده: كنتُ منكراً على الشيخ أبى العباس المرسى معترضاً عليه، ثم أتيتُ مجلسه فوجدته يتحدث في الأنفاس (الأذواق) التى أمر بها الشرع، ومراتبها، فيقول إذا أولها الإسلام وثانيها الإيمان وثالثها الإحسان، وإن شئت قلت أولها شريعة وثانيها حقيقة وثالثها تحقُّق، وإن شئت قلت.. إلخ .ثم تدرج ابن عطاء في منازل الفهم والفهم حتى تنبأ له الشيخ أبوالعبَاس يوماً فنطق له: "الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في الممضىين" يقصد ممضى أهل الشريعة وممضى أهل الحقيقة. ثم نطق: "والله لا يموت هذا الشاب حتىقد يكون داعياً إلى الله وموصلاً إلى الله والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك كذا وكذا" فكان كما أبلغ.
حكيم الصوفية
سُمِّى ابن عطاء الله السكندرى، حكيم الصوفية؟.. لأن الكتاب الأشهر بين المؤلفات التى هجرها، كان عنوانه: الحِكم (جمع حكمة) ويبدوحتى العنوان الأصلى للكتاب كان «الحكم الإلهية» لكنه اشتهر بين الناس بعنوان: الحكم العطائية.
والكتابُ تعبير عن فقرات قصيرة، بليغة، تعبِّر عن المعانى الروحية الرحبة، وتلخِّص الحقائق الصوفية التى يعهدها أهل الإلهام. ولم يكن ابن عطاء الله السكندرى هوأول من رسم هذا الطريق التأليفى بين الصوفية، ولم يكن الصوفية بعامة هم الذين ابتكروا هذا النوع من الكتابة.. فمن قبل ظهور التصوف (والإسلام ذاته) بمئات السنين، خط الطبيب اليونانى القديم «أبقراط» مجموعة من الحكم الطبية في كتابه الشهير: الفصول، وخطَ الفلاسفة والحكماء أقاويل بليغة وعميقة، جُمعت لاحقاً في خط سُميت: نوادر الفلاسفة. وفى مجال التصوف تحديداً، ومن قبل ابن عطاء الله السكندرى بزمنٍ طويل، خط النِّفَّرى (المواقف) و(المخاطبات) وهما نصَّان يقتربان أسلوبياً من طبيعة الحكم العطائية، التى يقترب منها أيضاً ما خطه الإمام عبدالقادر الجيلانى في منطقاته الرمزية التى جمعتُها في ديوانه الشعرى والنثرى الذى أصدرته منذ سنوات (وكان أصلاً هوالجزء الثانى من رسالتى للدكتوراه).
«الحكم العطائية» إذن، ليست كتاباً فريداً في بابه. لكنها نالت شهرةً واسعة عند الصوفية ومحبى التصوف، نظراً لكثافة لفظها واتساع معانيها، وهوالأمر الذى نادى كثيرين لوضع (شروح) على هذه الحكم، منهم صوفية كبار من أمثال ابن عجيبة الحسنى والشيخ أحمد زرُّوق، وكثير من الشُّراح الذين لا يكاد عددهم يقع تحت الحصر، ولعل آخرهم زمناً هوالدكتور على جمعة (مفتى الجمهورية) الذى عهدتُ فيه ذوقاً صوفياً، قبل سنوات طوال من توليه رئاسة الإفتاء بمصر.. اللافت للنظر هنا، حتى أكبر شخصيتين دينيتين اليوم في مصر (المفتى، شيخ الأزهر) انطلقا أصلاً من ميدان التصوف، فكانت للمفتى أذواقه الروحية، وللإمام الأعظم دراساته في شيخ الصوفية الأكبر «ابن عربى». ومع ذلك، نجح السلفيون الذين يكرهون التصوف، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة!
تلاميذه
أخذ عن ابن عطاء الله الكثير من التلامذة، منهم:
- ابن المبلق السكندري.
- تقي الدين السبكي، شيخ الشافعية.
خطه
هجر ابن عطاء الكثير من المصنفات والخط منها المفقود ومنها الموجود، لكن أبرز ما بقي له:
- لطائف المنن في مناقبِ الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن.
- القصد المجرّد في فهم الاسم المفرد.
- أصول مقدمات الوصول.
- الطريق الجادة في نيل السعادة.
- عنوان التوفيق في آداب الطريق، شرح بها قصيدة الشيخ أبومدين (ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا).
- تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس.
- مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح.
- الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة، وهي أبرز ما خطه وقد حظيت بقبول وانتشاراً كبيراً ولا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المستشرق الانجليزى آرثر اربري الكثير منها إلى الانجليزيه، وترجم الأسباني ميجيل بلاسيوس فقرات كثيرة منها مع شرح الرندى عليها.
وفاته
توفي الشيخ ابن عطاء الله كهلا بالمدرسة المنصورية في القاهرة سنة 709 هـ ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها. ولا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبانة سيدي على أبوالوفاء تحت جبل المُقطمِ. من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث. وقد أقيم على قبره مسجد في عام 1973
نطق الفهماء عنه
- أحمد زروق: كان جامعاً لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ونحووأصول وغير ذلك كان متحدثاً على طريق أهل التصوف واعظا انتفع به خلق كثير وسلكوا طريقه.
- ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة: صحب الشيخ أبا العباس المرسي، صاحب الشاذلي، وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتحدث على لسان الصوفية في زمانه.
- المضىي: كانت له جلالة عظيمة، وسقط في النفوس، ومشاركة في الفضائل، وكان يتحدث - بالجامع الأزهر فوق كرسي - بكلام يروّح النفوس.
- ابن الأهدل: الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين وإمام الفريقين، كان فقيهاً عالماً ينكر على الصوفية، ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي، وفُتح عليه على يديه وله عدة تصانيف، منها الحكم. وكله مشتملة على أسرار ومعارف، وحكم ولطائف، نثراً ونظماً. ومن طالع خطه عهد فضله.
الهامش
- ^ منارات الحكمة العربية (5-7) حكيمُ الصوفية ابنُ عطاء الله السكندرىالمصري اليوم، 22/2/2012 م
وصلات خارجية
- The Key to Salvation: A Sufi Manual of Invocation (مفتاح الفلاح) chosen excerpt here Translated by Mary Ann Koury Danner
- The Key to Salvation chapter available here by Ayesha Bewley.
- Hikam (maxims or aphorisms), partially translated here by Ayesha Bewley. English by Ibn Abbad.
|
|
|
|
|
|
| بوابة |
