تقارب الكبار.. مصر وإيران على طريق المصالحة

بعد قرابة 4 عقود من القطيعة، يبدو أن مصر وإيران في طريقهما لاستئناف العلاقات الثنائية بينهما على إثر التطورات الإقليمية الكبيرة التي أعقبت أحداث ما يعرف بـ"الربيع العربي".

ترحيب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بجهود الوساطة التي يقودها العراق وسلطنة عمان للصلح بين القاهرة وطهران، يشير لاستعداد بلاده، وربما اشتياقها إلى استعادة الدفء في العلاقات، خصوصا بعد تأكيده بلا مواربة على وزن مصر وأهمية دورها في كثير من القضايا والملفات الإقليمية.

في ملمح جديد لا يحتاج إلى دلائل، واستنادا إلى كثير من التطورات التي تمر بها المنطقة والعالم، تتجه خريطة التحالفات الدولية والإقليمية إلى إعادة التشكل تأسيسا على الحقائق التي تفرضها مجريات الأمور على الأرض.

إحدى أهم الإشارات التي تبرز هذا الملمح وتؤكده، تكمن في مساعي التقريب بين السعودية وإيران بعد سنوات طويلة من الصراع المستمر، والخلاف المذهبي العنيف الذي اتخذ صورا وأشكالا متعددة وصلت إلى تبادل القصف بالصواريخ حتى ولو عبر وكلاء!

انطلاقا من هذه النقطة، ونظرا للتهديدات التي تحدق بالإقليم، أدرك "كبار المنطقة" أنه لا سبيل للنجاة وتخطي المخاطر ووقف التدخلات الدولية إلا بالتعاون، ودعم ظهور أحلاف جديدة تخلص العالم من الأحادية القطبية وتنهي الهيمنة الأمريكية التي فرضتها واشنطن عنوة على السياسة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

ولمنطقة الشرق الأوسط قيادات طبيعية ثلاث، بحكم الدور التاريخي والموقع الجغرافي والوزن الديموجرافي، وهى مصر وإيران وتركيا، دون إغفال دور قوى أخرى صاعدة كالسعودية والإمارات، وواحدة مصنوعة كإسرائيل، غير أن الرهان على قيادة المنطقة ينحصر أساسا بين القوى الثلاثة التاريخية.

بهذه المقاربة يمكن تفسير اتجاه مصر حاليا لإصلاح علاقاتها بكل من تركيا وإيران، فرغم كل التوترات التي خيمت على علاقة القاهرة وأنقرة منذ طرد الإخوان من السطة عام 2013، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا بنظيره التركي رجب طيب أردوغان لتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية مع الاتفاق على ترفيع العلاقات وتبادل الزيارات قريبا.

التقارب المصري التركي بدأ الإعداد له منذ فترة تزيد عن العام تقريبا، منذ بداية التفاهم في ملفي ليبيا وغاز شرق المتوسط، حينما أدركت الدولتان الكبيرتان أن مصالحهما المباشرة معا أكبر وأنفع مما سواها.

وبتنقية الأجواء بين الثالوث المصري التركي الإيراني، يرى كثير من المراقبين أن قيادة جديدة للشرق الأوسط تتبلور، وأن حلفا إقليميا جديدا يتشكل مستغلا تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة، ومتسلحا بالدعم الدولي الذي توفره قوى دولية مناوئة للأمريكان كالصين وروسيا، لا سيما في ظل توتر العلاقة بين "واشنطن/بايدن" وكل من أنقرة وطهران والقاهرة.

ملامح هذا الحلف الذي يعبر عن صيغة جديدة في العلاقات الإقليمية تبدت من خلال اللقاء الأول الذي جمع السيسي وأردوغان بوساطة قطرية في افتتاح بطولة كأس العالم بالدوحة نوفمبر الماضي، والذي لم يكن ينقصه سوى الترتيب لدخول طهران على الخط كضلع ثالث.

القاهرة كانت قد أعلنت أكثر من مرة، استعدادها المشروط لإعادة تطبيع العلاقات مع طهران وتصفية الخلافات بينهما إذا حدث تغيير جذري في السياسات الإيرانية إزاء المنطقة بالشكل الذي يضمن احترام استقلال وسيادة الدول العربية وفي القلب منها الخليجية التي تعتبرها مصر امتدادا لأمنها القومي، وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، والكفّ عن السعي إلى فرض النفوذ، بالطريقة التي أعلنها وزير الخارجية سامح شكري عام 2016.

محاولات التقريب بين مصر وإيران ليست مستجدة، بل تعود لما قبل ثورة يناير، فالعلاقات بينهما تمتد إلى عمق التاريخ ولا يمكن تجاهلها، وهي قائمة على أسس تاريخية وثقافية واقتصادية متبادلة. هذه العلاقات تنامت وتشعبت في العصر الحديث، واعتراها قليل من التباعد وكثير من التقارب، حتى اندلعت شرارة الثورة الإيرانية في 1978 ليقرر زعيم الثورة الإسلامية آية الله الخوميني قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر ردا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكذلك استقبال السادات للشاه الإيراني المخلوع محمد رضا بهلوي، ليبدأ فصل جديد من العلاقة بين القاهرة وطهران ملمحه الرئيسي "التوتر" القادم من وراء اختلاف الرؤى في كثير من القضايا الإقليمية.

استمرت القطيعة الرسميَّة بين البلدين منذ ذلك التاريخ لأسباب عديدة، منها ما هو داخلي، مثل: اختلاف طبيعة النظام الحاكم في كلا البلدين، وعدم وجود توافق فيما بين النخب الحاكمة حول تحسين العلاقات الثنائيَّة، والموقف من الأصوليَّة الإسلاميَّة. ومنها ما هو إقليمي، مثل الحرب بين العراق وإيران، والخلاف مع الإمارات حول الجزر الثلاث التي تحتلها إيران، ومسألة الاعتراف بإسرائيل، والموقف من الفصائل المقاومة، ونشر التشيع في الأوساط السنيَّة. ومنها ما هو دولي، مثل العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكيَّة.

إيران تدرك أهمية مصر المستندة إلى موقعها الاستراتيجي في العالمين العربي والإسلامي، وإرثها الحضاري والثقافي الكبير، ومكانتها الجيوسياسية والاقتصادية الخاصة. وتوقن أنها قوة بارزة بين الدول العربية وصاحبة دور فعال في إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، فضلاً عن كونها بوابة للقارة الأفريقية، الأمر الذي يمكن أن يعود بالنفع على إيران لتعزيز مكانتها في المنطقة وكسر الحصار الذي يفرضه الغرب والولايات المتحدة عليها.

من جانبها، تدرك مصر أيضا أهمية إيران بسبب موقعها الجغرافي البارز في منطقة الخليج، وقربها من آسيا الوسطى وجمهوريات القوقاز، فضلاً عن امتلاكها موارد هائلة من النفط والغاز. إلى جانب السوق الكبيرة التي يمكن أن تستقبل فيها المنتجات المصرية، بالإضافة إلى مكانتها لدى التجمعات والكيانات الشيعية في العالم.

ولن يكون مفاجئا إذا رأينا في قادم الأيام الرئيسين المصري والإيراني يتصافحان على شاشات التليفزيون سواء في القاهرة أو في طهران، ووقتها سيتأكد للعالم أجمع أن الدولتين الكبيرتين قررتا طي صفحة الماضي، وبدء مرحلة جديدة من العلاقات قائمة على التعاون لا الصراع.

تاريخ الخبر: 2023-05-30 15:21:31
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:25:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية