كأس العالم تحت 20 سنة في الأرجنتين 2023، يحوي قصصاً ومواقف طريفة وغريبة يضفو عليها الطابع الكوميدي والإنساني وغيرها ، نستعرض اليوم قصة مدافع منتخب البرازيل مع العنصرية ، فكيف تغلب روبرت رينان على العنف والعنصرية ليتألق في كأس العالم تحت ٢٠ سنة؟

قصة ملهمة حقًا! .. إنه الصباح في لا بلاتا ، تستيقظ ريناتا، وتلتقط هاتفها المحمول، وبعد أداء الصلاة، ترسل رسالتها الأولى في اليوم.

“صباح الخير! مباراة رائعة، واصلوا الإيمان وحلّقوا عالياً. الله يرعى بكل شيء. أحبك!”.

في الثامنة والثلاثين من عمرها، رأت والدة روبرت رينان أن ابنها يعاني الأمرّين للوصول إلى هذه المرحلة، فقد واجه مدافع المنتخب البرازيلي العنف الحضري والعنصرية، وحتى فقدان صديق له خلال فترة مراهقته قبل أن يحقق حلمه.

بعد ساعات من تلك الرسالة، أبان عن كل قدراته لمساعدة البرازيل على هزم نيجيريا والتأهل إلى الدور ثمن النهائي من كأس العالم تحت ٢٠ سنة، إنها خطوة أخرى على مسار أصله حب والديه اللذين يتبعانه أينما حل وارتحل.

قالت ريناتا “متمنيات الخير والحب في الصباح لا غنى عنها. إنه أول شيء أفعله”، مضيفة “سأظل أرى فيه ذلك الفتى الحالم والحنون والمسؤول دائماً”.

روبرت، الذي اشتد عوده اليوم، كان مجرد صبي عندما كان عليه أن يتعامل مع أسوأ ما يمكن أن يعيشه المرء في هذا العالم، في موطنه، سيلانديا، يتم إقحام الشباب منذ سن مبكرة في دوامة العنف.

ففي عام ٢٠١٤، سجلت المدينة أكثر من ٣٠ حالة وفاة جراء أحداث العنف لكل ١٠٠ ألف نسمة. وهناك تحديداً، في سن الحادية عشرة، كان ضحية للعنصرية خلال عملية مداهمة نفذتها الشرطة.

ونعته الضابط بالقرد بينما كان يأكل الموز قبل التدريب، وبعد ثلاث سنوات، قتل صديق طفولته بالخطأ على حافة ملعب في الحي، كانت صدمة حقيقية، ولولا الدعم الذي قدمه له والداه، لما تمكن من تجاوز الأمر.

يتذكر روبرتو، والد المدافع، قائلاً: “هذه الحروب التي لا يعرف أحد سبب وجودها، ولا نعرف كيف تبدأ، لكننا نعرف دائمًا كيف تنتهي، والنهاية تكون حزينة”.

وأردف قائلاً: “اتصل بي: “أبي، هل يمكنك أن تأتي لتأخذني؟ لا أستطيع حتى المشي”.

وصل روبرت بعد حوالي ١٠ دقائق مما حدث. كانت الجثة هناك في انتظار الطبيب الشرعي، إلى جانب الأشياء الأخرى. لقد رآها (الجثة) في الأرض”.

لطالما كانت التربية لمكافحة العنصرية أحد أركان تعليم روبرت رينان، الذي يُشتق اسمه من اسمي والديه (روبرتو وريناتا).

فقد كانا يشاركان بشكل مكثف في العمل الاجتماعي في مجتمع إكسبانساو في سيلانديا، وعلّماه دائمًا كيفية العيش والكفاح من أجل البقاء.

“روبرت كان طفلاً أسود البشرة ودائمًا ما قمنا بحمايته مما يمكن أن يحدث، كنت أقول له دائماً: ‘إذا كانت هناك مداهمة للشرطة، عليك أن تكون ذكيًا، لأنك شاب أسود”.

لم يساعده هذا النوع من النصائح على تجاوز أكبر الصعوبات في حياته فحسب، بل منحه أيضًا الضمير للعودة إلى مجتمعه ومساعدته على التطور.

اليوم هو بطل في المنطقة. وفي المدارس، يحظى بالتكريم من قبل الأطفال، الذين يريدون أن يصبحوا مثله على أرض الملعب.

علّق المدافع قائلاً: “أشعر بالفخر لكل شيء مررت به. أشعر بالفخر لكوني هنا أمثل بلدي ومدينتي وعائلتي. فأنا أمثل أحلام الكثير من الصبيان”.

تلقى رينان تكوينه في كورينثيانس، قبل أن ينتقل إلى نادي زينيت الروسي في مطلع العام، خلال العطلة، عاد إلى سيلانديا ونظم أول بطولة لكرة القدم “كأس روبرت رينان”، والتي جمعت أكثر من ٣٠٠ شاب من المنطقة.

قال روبرتو: “إنه حي قوي. العديد من المراهقين يضيعون هناك، ليس لأنهم مجرمون بالفعل، بل هم ضحايا الجريمة”، مضيفاً “لكن هناك إمكانات هائلة لدى الشباب”.

مدافع مختلف..
من المستحيل عدم رؤية مسار الحياة في كل خطوة لروبرت رينان في الميدان، إذ يبرز المدافع البرازيلي ليس بفضل ثقته بنفسه أو جودة الكرة بين قدميه فحسب، وإنما أيضًا بفضل النضج الذي يتحلى به.

في فريق نوفوريزونتينو تحت ١٥ سنة، في ساو باولو، تم إرجاعه إلى الخط الخلفي بعد طرد أحد المدافعين، كان تغييراً حاسماً ولا رجعة فيه.

فمنذ ذلك الحين، أبهر المدربين والفرق في جميع أنحاء العالم بقدراته الدفاعية ومؤهلاته العالية كلاعب خط وسط في الخط الخلفي.

“ابني سيفوز بالكرة الذهبية”..
روبرت رينان موهبة خاصة، ووالدته تعرف ذلك. الأمهات يمتلكن حاسة سادسة، وهذا صحيح، لكن ريناتا تعد بمواصلة المشوار حتى يحقق ابنها أكبر أحلامه.

قالت ضاحكة: “سأقول لك شيئًا: سيفوز بالكرة الذهبية، سترى ذلك. لم لا؟ يقولون إنه سيكون مثل تياجو [سيلفا]. لا، يا عزيزي. سيكون أفضل من تياجو”.

بالنسبة لشخص تغلب على إحدى أكثر المناطق عنفًا في البرازيل، مع كل المحن التي ينطوي عليها ذلك، فإن الحلم والتنافس على جائزة الأفضل في العالم لن يكون مشكلة كبيرة، بل سيكون تحدياً رائعاً.

لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان سيحقق ذلك. ولكن في جميع الأحول، هناك شيء واحد مؤكد: لن ينقصه الحب والدعم في رحلته عبر نخبة كرة القدم. ريناتا وروبرتو سيتكفلان بتلك المهمة.