الحرب في الخرطوم وميلاد دولة العز وكنز الفرح!


السفير د. حيدر بدوي صادق

الحروب تنضج الشعوب. أنظروا إلى أروبا التي قتل فيها حوالي ٦٢ اوربي في الحرب العالمية الثانية! فهل كانت ستكون لدينا أوربا التي نعرفها اليوم بغير تلك الحرب التي استمرت حوالي ستة سنوات؟ في تلك السنوات القليلة قتل ٦٢مليون وتدمرت البنى التحتية والمنازل والمرافق العامة في أكبر المدن الأوربية، بما فيها لندن، “عاصمة” بريطانيا لاحظوا “عاصمة” بريطانيا! وما تمر به عاصمتنا، على فداحته، يتضاءل أمام ما حصل في عاصمة بريطانيا (من قتل ودمار) فئ الأيام الأولى للحرب. العالمية الثانية.

ولديكم أيضاً حرب المئة عام التي دارت بين فرنسا وبريطانيا. تلك الحرب -بعد مائة عام- أنجبت بريطانيا التي ترسخت فيها ديمقراطية وستمنستر، أم الديمقراطيات الحديثة. وما كانت بريطانيا ستترسخ فيها الديمقراطية لولا العقل الجمعي الذي تطور فيها عبر الزمن بعد مخاض حرب المائة عام! أما فرنسا فقد تولَّد منها النظام الجمهوري نتيجة للعقل الجمعي المستنير الذي تطور عبر الزمن لينجب الثورة الفرنسية العظيمة. وما كانت الثورة الفرنسية لتقوم لولا ذلك العقل الجمعي الذي نتج بعد حرب المائة عام. لاحظوا “مائة عام!” إذن، ما كان للديمقراطية أن تترسخ في بريطانيا، وللثورة الفرنسية أن تنجب النظام الجمهوري، الذي يستهدي به العالم اليوم، لولا حرب المائة عام الطاحنة، قولاً واحداً!

الشعب السوداني شعب طيب وعظيم. بل هو “شعب عملاق يتقدمه أقزام،” كما قال الأستاذ محمود محمد طه. عذاباتنا في الحرب الراهنة سببها قياداتنا. ولكن قياداتنا تشبه واقعنا. ذلك أننا لم نكن في مستوى الوعي الذي به نختار قيادة رشيدة ة، عملاقة، تشبه أفضل ما فينا.

قادتنا، منذ الاستقلال، ظلوا يمثلون أسوأ ما فينا. وأسوأ ما فينا عكسته الطائفية والهوس الديني والتسلط العسكري القاهر! كوننا لم نستطع أن نغير أسوأ حكامنا -الذين يمثلون أسوأ ما فينا- إلى حكام يشبهون أعظم ما فينا -يعني يشبهون أصائل طبائع شعبنا العملاق، فهذا يعني أننا أحتجنا إلى عقوبة. هذه العقوبة تتمثل في عديد الحروب التي اجتاحت بلدنا، ومنها الحرب الراهنة في “عاصمتنا!”

كوننا فشلنا في اختيار قادتنا الذين يشبهوننا يعني أننا احتجنا لنستنير أكثر، لكي نرشد أكثر، ونختار قادة عمالقة يشبهوننا. وهذه الحرب هي وسيلة الله لكي نفعل ذلك. وهي منحة في شكل محنة، أو قل نعمة في ثوب نقمة! والله جل وعلا يقول “عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.” إذن، الحرب هي وسيلتنا للخير، مع أنها تبدو كالشر. وذلك لنتعلم ونرشد.

والرشاد واضح في كوننا على وشك التخلص من الهوس الديني والطائفية والدكتاتورية. ولولا هذه الحرب لما تمكنا من فعل ذلك. صحيح أننا الآن محجوبون عن رؤية الخير في الحرب الراهنة في “عاصمتنا” الجميلة. وذلك بسبب الغشاوة التي تحدثها الحروب في أذهان الشعوب. وهذه الغشاوة تجعل من الصعب رؤية الخير المطوي في شرور الحروب. ولكن نحن، كمسلمين، يجب أن لا نغفل عن هذا الخير. وقد وعدنا ربنا العظيم بالخير فيما نراه شراً حين قال، عز من قائل، “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.”

ولا شك عندي مطلقاً أن هذه الحرب ستعيد صياغة العقل الجمعي السوداني بحيث يهتدي إلى سبل الرشاد. وبعدها سيختار القادة العمالقة الذين يشبهونه، “كان على ربك حتماً مقضيا!” وبعد ذلك سنبني دولة العز وكنز الفرح!

فطوبى للسودان وللسودانيين!

٢٩ مايو ٢٠٢٣
كيري، نورث كارولينا، الولايات المتحدة الأمريكية

تاريخ الخبر: 2023-05-30 18:23:21
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:25:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية