نحو المستقبل: تاج ملكي تصممه طفلة!!
نحو المستقبل: تاج ملكي تصممه طفلة!!
(1): التقدير الساحر
منذ حوالي مائة سنة, كان صبي صغير يشتغل في لندن كاتبا بسيطا في متجر متواضع. كان يستيقظ في الخامسة صباحا, فيكنس المتجر, وينظفه وينظمه, ثم يواصل عمله أربع عشرة ساعة في اليوم. وكان الفتي لا يحب هذا العمل الذي لا يترك له قوة أو وقتا ليقرأ أو يتخيل, أو يكتب ما كان يملأ رأسه من قصص وأفكار.
فلما انقضت سنتان لم يعد يحتمل أكثر مما احتمل, فنهض ذات صباح وسار خمسة عشر ميلا حتي وصل إلي أمه التي كانت تعمل في بيت أحد الأثرياء. وتوسل الصبي إلي أمه كي تعفيه من الاستمرار في هذا العمل البغيض ثم كتب خطابا طويلا يفيض مرارة إلي ناظر مدرسته التي تعلم فيها, شكا فيه من المتاعب التي صادفها في الحياة.
وأعجب الناظر بأسلوبه وبطريقته في التعبير عن نفسه, فلم يكتف بالإعجاب, بل أسرع يكتب للصبي خطابا يؤكد له فيه أنه شاب كفء ذكي موهوب, وعينه مدرسا في مدرسته.
وقد غير هذا التقدير الذي حرص الناظر علي إظهاره, والتعبير عنه عمليا مستقبل الصبي, فقد كتب هذا الفتي فيما بعد, أكثر من سبعين كتابا, أصبح بعضها من أشهر الكتب في العالم, وقد سمعنا كثيرا باسمه: إنه الكاتب والمفكر هـ. ج. ويلز, الذي كتب القصص المشهورة آلة الزمن 1895 والرجل الخفي 1897 وحرب العوالم 1898.
(2): يري ما لا نراه
إذا صادفت في طريقك مقدمة سيارة (إكسدام) لامعة, وفوقها بعض حطام سيارة قديمة, وبابين لسيارة تم نزع كل ما يكسوها فأصبحا كأنهما قطعتان من العظام بغير لحم, فلابد أنك ستسرع فتقدم شكوي إلي رئيس الحي ليصدر أوامره بإزاحة هذه البقايا الخطيرة من طريقك.
لكنني لم أقابل هذه النفايات في الطريق العام أو فوق أحد الأرصفة بل شهادتها في نافذة عرض (فاترينة) محل من أكبر محلات الأزياء الراقية بالإسكندرية: قطعة الصلب اللامع في المقدمة, والبابان علي الجانبين, وفوق كل هذا وحوله نماذج بالحجم الطبيعي لأطفال يلعبون وقد ارتدوا مختلف أزياء الأطفال الحديثة الأنيقة.
وقفت مذهولا, فقد جذبتني نافذة العرض بجمال تكوينها وتنسيقها, وتشكيلات الأطفال فيها, قبل أن أدرك أن ما أراه هو مجرد قطع خردة من سيارة قديمة!!
قلت لنفسي: لقد فقدت تلك القطع وظيفتها الأصلية, وأصبحت جزءا من تكوين شديد الجاذبية والجمال, يمتع البصر ويجذب الانتباه ويثير الإعجاب.. وليس مهما أن نتذكر ماذا كانت هذه القطع قبل أن تراها عين الفنان التي تري ما لا نراه, وذلك لما يتمتع به من قدرات علي الإبداع والابتكار, فجعل منها هذ التكوين الفني المثير.
(3): التاج الملكي للقرن 21 تصممه طفله
تاج جديد لقرن جديد تضعه ملكة بريطانيا علي رأسها في المناسبات الهامة, فمن الذي يمكن أن يتخيل مثل هذا التاج؟
لم تجد قناة تليفزيون بي. بي. سي الإنجليزية إلا أن تلجأ إلي عبقرية الأطفال وقدرتهم علي الابتكار, فأعلنت عن مسابقة اشترك فيها (20620) طفلا, وفاز تصميم فتاة عمرها 11 سنة, ابتعدت فيه تماما عن كل أشكال التيجان التقليدية, التي ظل المصممون والصياغ يدورون حولها علي مدي ألف سنة مضت..
لقد استوحت طفلة القرن 21 تصميمها من الحلم نظيفة تنقذ العالم من التلوث, فكانت قاعدة التاج التي توضع مباشرة علي الرأس من الجوخ الأخضر في لون النجيل. ومن خلال أوراق الحشائش الخضراء تنبت سنابل وسيقان صفراء من الذهب والبلاتين الخالص, بها حبوب قمح من اللؤلؤ والماس, وتحيط بجوانب التاج فروع أشجار التوت والفراولة, كما تتدلي منها الثمار الحمراء من الياقوت, مع الأزهار المرصعة بالأحجار الكريمة.
وفي متحف كنوز مجوهرات التاج في برج لندن رأيت هذا التاج العجيب المدهش بعد أن استغرق تنفيذه (500) ساعة من جهود خبراء الصياغة ومهرة الخبراء الذين تخصصوا في صنع التيجان الملكية, ليؤكدوا مع الأطفال ضرورة المحافظة علي سلامة بيئة كوكب الأرض, لنستمتع بجمال هذه البيئة, ومن أهمها بيئة الأرض التي تقدم الحبوب للغذاء والفاكهة لذيذة المذاق, والورود جميلة الشكل.
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]