كيف تحوّل عبد الصمد ناصر إلى كبش فداء على مذبح المهنية المجروحة؟


ما يزال الصحافي المغربي الخلوق عبد الصمد ناصر يتحفظ عن الكلام فيما جرى له وعن أسباب إعفائه من مهمته كمقدم رئيسي للأخبار، مكتفيا بالتعبير عن رفعة وترفع عن دنايا الجدل وتبادل الاتهامات مع أولئك الذين كانوا مسؤولين عن الإساءة له وإقالته من منصبه. وإذا كان هو قد فعل ذلك عرفانا لسنوات العشرة داخل هذه القناة وتعبيرا عن إباء نفسه وعزة روحه فإن ما تسرّب من أنباء عن خلفيات هذه الإقالة يمثل دون شك طعنة جديدة في مصداقية قناة الجزيرة وإدارتها. وليست هذه الطعنة وحيدة في جسد هذه المؤسسة الإعلامية المثيرة للجدل بل هي فقط دليل إضافي على افتقادها للحياد والمهنية والالتزام بأصول المهنة.

فمن المفارقات الصارخة في قناة الجزيرة التي أصبحت بين عشية وضحاها ملحقة جزائرية، أنها تكاد تكون القناة الوحيدة من بين قنوات الإخبارية الكبرى في العالم التي تسمح لصحافييها ومسؤوليها بالتدوين على صفحاتهم الخاصة دون أي قيود، وتترك لهم المجال مفتوحا للدخول في نقاشات وسجالات قد تتحول من الساحة العامة لشبكات التواصل الاجتماعي إلى المجال الضيق الذي تمثله القناة نفسها. أقصد أننا منذ سنوات ونحن نرى كيف يتبادل صحافيو هذه القناة المواقف والآراء ويوجّهون اللمز والغمز لهذا أو ذاك تحت عيون إدارة القناة دون أن يثير ذلك لديها أي تحفظ أو امتعاض أو غضب أو رغبة في اتخاذ اللازم من الإجراءات العقابية.

قناة الجزيرة على الرغم مما حققته من انتشار واسع على الصعيد العربي إلا أنها لم تنجح كباقي المؤسسات الإخبارية العالمية مثل سي إن إن وفوكس نيوز وبي بي سي في فرض ميثاق خاص باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي على موظفيها، يلزمهم بعدم الدخول في أي صراعات أو سجالات ذات طابع سياسي أو قومي أو ديني أو طائفي، مثلما هو الحال في المؤسسات الإعلامية الدولية التي ذكرنا بعضها. أشهر الصحافيين والمذيعين ومقدمي البرامج في هذه القنوات ملزمون على الرغم من أنهم يعيشون في بلدان ديمقراطية تسودها أجواء الحرية بالتحفظ فيما يتعلق الطابع السياسي لتدويناتهم وتغريداتهم ومنشوراتهم عموما تحت طائلة التعرّض للعقاب الإداري. ولم ير أي من هؤلاء في ذلك قمعا أو مصادرة للحقوق أو استبدادا.

لكن ما يحدث في الجزيرة منذ زمن طويل على صفحات جمال ريان وخديجة بن قنة وجميل عازر وغيرهم من الإعلاميين الحاليين والسابقين، كان خارج نطاق القواعد المهنية المحترمة في دول تراكم تجارب إعلامية عريقة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. لكن المفارقة الصارخة هنا ليست فقط في تجاهل إدارة قناة الجزيرة منذ زمن لهذا البعد الإداري الهام الذي يؤثر على صورتها، وإنما في نهج الكيل بمكيالين الذي أضحت تمارسه عندما تستفيق من سباتها تحت ضغط اللوبيات الداخلية وتوجيه بعض قدماء اللاعبين فيها من أجل التضحية بكبش فداء على مذبح المهنية المجروحة. لماذا لم تتخذ إدارة قناة الجزيرة إجراء مشابها مع جمال ريان الصحافي الذي لطالما ألقى بقنابل نقده يمنة ويسرة دون حسيب أو رقيب؟ لماذا لم تتخذ قناة الجزيرة الإجراء نفسه ضد المعلقين الرياضيين وعلى رأسهم سفير العسكر في قطر حفيظ الدراجي الذي لم ينج أحد من لسانه السليط وسبابه الوقح في مناسبات عديدة؟

عندما تريد إدارة القناة الجزيرة أن تفرض أخيرا قواعد وضوابط لتنظيم استخدام موظفيها لشبكات التواصل الاجتماعي فينبغي لها أن تفعل ذلك بناء على تعاقد معهم واتفاق مسبق، وأن تمهد لذلك بقرارات حاسمة على أساس أن تشمل المحاسبة جميع من يعملون فيها دون استثناء، فما بالك إذا كان ما كتبه الصحافي عبد الصمد ناصر شرفا وليس تهمة، حكمة وليس مجرد ترهات منقولة من هنا وهناك. لقد أثبتت قناة الجزيرة للأسف وبالدليل القاطع أنها مؤسسة أبعد ما يكون عن المهنية واحترام القواعد الصحفية، وأظهرت بالملموس أنها مجرد انعكاس سوسيولوجي صارخ للمجتمعات العربية، حيث يسود منطق الطائفية والعصبية القبلية والتكتلات الإقليمية وغيرها من آفات التخلف العربي المتجذرة.

ولعلّ الإعلاميين الذين سبق لهم الاحتكاك بهذه القناة عن قرب يدركون جيدا ما يحدث داخلها من عمليات الاستقطاب والتآمر والتعصب للانتماء الوطني، على غرار ما كان يحدث في الجزيرة العربية بين قبائل العرب من غطفان وغثيان وبعران وغيرها… هؤلاء الإعلاميون يروون كيف بنى الفلسطينيون كانتونهم الخاص وكيف بنا الجزائريون ثكنتهم الخاصة وكيف دشن المصريون قلعتهم الصامدة، كل ذلك داخل مبنى قناة يفترض أنها تقدم تجربة إعلامية رائدة في العالم العربي على مستوى حرية الرأي وكسر الطابوهات السياسية. وكم كان الكثير من جماهير الشاشة العربية واهمين وهم يعيشون على مدى سنوات هذه الأكذوبة التي دبّرت بليل وصنعت مجدها على حساب الحلم العربي.

تاريخ الخبر: 2023-06-05 21:26:06
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

بعد 3 سنوات من الحكم العسكري.. تشاد تجري انتخابات رئاسية الي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:48
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

5 نصائح للوقاية من التسمم الغذائي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:47
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

"لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:22
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

بطائرات مسيرة.. استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في إيلات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية