الدار/ كلثوم إدبوفراض
نسمع الكثير من قصص النساء اللواتي كنّ متفوقات أثناء سنوات دراساتهن الابتدائية أو الثانوية، لكن الاقدار شاءت أن تمنحنّ حياة أخرى لم يكنّ يسعين إليها، كالزواج المبكر، وتحمّل مسؤولية الأطفال والاعتناء بأسرتهنّ، لكن حلم الدراسة لا يزال يلازمهن في قلبهن وعقلهّن، ولا تنفك أن تعاود المحاولة من جديد لتستكمل ما بدأته في السنوات الماضية.
سلوى العماني، مواطنة سعودية، تبلغ من العمر70 سنة، بطلة لقصة نجاح وإلهام لا مثيل لهما، قررت العودة إلى مقاعد الدراسة من جديد لإحياء شغف المعرفة والعلم، اللذان كانا وسيلتها للحياة وغايتها نيل التخرج بشهادة جامعية.
للرجوع إلى الوراء، قبل 46 سنة، كانت سلوى العماني تخرجت من الثانوية العامة بميزة ممتازة، حيث كانت آنذاك في 17 من عمرها، وكانت حينذاك تنوي استكمال الدراسة في شعبة الكيمياء بالحرم الجامعي كباقي المتخرجين من أقرانها.
لكن ليس دائما حياتنا تهبّ بما تشتهيه أنفسنا، حيث تبخّر حلمها واقعيا في دراسة الكيمياء بمجرد الزواج، وانشغلت بتربية أطفالها ورعاية أسرتها، لكن رغم كل هذه السنوات، لم يغادر الحلم بالها وعقلها، فكان هاجسا حيّا دائما معها طوال هذه المدة الطويلة، خاصة و أنها شهدت تخرّج بناتها من الجامعة، اللحظات التي يتجدد فيها ذلك الشغف كلما طمسته الأيام و السنون.
في عام 2016، قررت سلوى العماني أن تبدأ عملية إجراءات عودتها إلى مقاعد الدراسة، لاستكمال ما توقفت عنده، لكن الأنظمة التعليمية لم تكن تسمح برجوعها للدراسة نظرا لسنّها وانقطاعها لمدة ليست بالهيّنة، علما أنها فقدت كل أوراقها الرسمية، و وثائق تخرجها من المرحلة الثانوية العامة.
لكن إلحاحها و إصرارها الشديدين، مكّناها من إقناع الإدارة، شريطة إعادة دراسة المرحلة المتوسطة و المرحلة الثانوية مرة أخرى، وقبلت بالتحدي، و كسبته بجدارة واستحقاق، لتحصل على شهادة الثانوية العامة، لتؤهلها للالتحاق بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في تخصص علم الاجتماع بعد تقديمها بوثائقها الرسمية الجديدة، وحصولها على معدل تراكمي في القدرات والتحصيلي يؤهلها لدراسة الإجازة الأساسية ( البكالوريوس)، حيث نجحت هذا العام بميزة مشرفة، تمكنت خلالها أن تعيش لحظات التخرج الجامعي بحضور أبناءها و أحفادها.
في هذا الصدد تقول سلوى: ” لحظة تخرجي وتكريمي على مسرح الجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل مؤثرة وخالدة، لأنني انتظرتها 46 سنة، لا سيما مع وجود بناتي اللواتي شاركنني فرحتي بالتخرج، بعدما كنت أشاركهن لحظات تخرجهن في الجامعة، لذلك هي ذكرى ستظل باقية في عقلي مهما حييت.”
و تضع سلوى العماني بين يدينا سر نجاح قصتها في عدم تخلّيها عن حلمها في استكمال دراستها و التمسك بأحلامها و أمانيها، مشدّدة: ” أن “الأمل ضاع واسترجعته، فأمل الدراسة لم يضع من عقلي وقلبي رغم صعوبة التحديات التي واجهتها في حياتي ودراستي، نظراً لفارق السن الكبير الذي كان بيني وبين الطالبات في جميع المراحل التعليمية، غير أن التعاون من الجميع هو من خفف هذه المعاناة.”
