جمعية لدوام اتحاد العنصرين
جمعية لدوام اتحاد العنصرين
ذكرنا في مقال سابق أن المناضل الوطني عبد الله النديم (1842-1896م) قد دعا إلي تأسيس جمعية أهلية وطنية تبحث في شئون الوطن والوطنية, كان ذلك في تسعينيات القرن التاسع عشر, وها هي الفكرة تعود مجددا, ولكن هذه المرة مع الأستاذ حبيب جرجس في أربعينيات القرن العشرين, وإن كانت عودة هذه الفكرة قد جاءت بلغة حديثة إلي جانب بعض الأفكار والممارسات العملية.
يعد الأرشيدياكون (رئيس الشمامسة) حبيب جرجس (1876-1951م), اللاهوتي ومعلم الإكليريكية ومؤسس خدمة مدارس الأحد وصاحب مجلة (الكرمة1904م.. 1931م), واحدا من أبرز رواد الإصلاح والتحديث في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في تاريخها الحديث والمعاصر, فقد عاش حياته وكرسها في حب الكنيسة خادما بها ومعلما لأجيال عديدة من خدامها وشبابها علي مدار أكثر من نصف قرن من الزمان, وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتي منتصف القرن العشرين, وقد كان محبا- ليس لكنيسته فحسب- ولكن أيضا للوطن مصر, كما أنه كان يعلم الأطفال والشباب والكبار ليس حب كنيستهم القبطية فحسب ولكن أيضا حب وطنهم مصر والانتماء إليه.
في عام 1942م أصدر الأستاذ حبيب جرجس كتابا مهما حمل اسمه الوسائل العملية للإصلاحات القبطية.. آمال وأحلام يمكن تحقيقها في عشرة أعوام, وقد طبعته آنذاك المطبعة التجارية الحديثة بالقاهرة, وفي سنة 1993م اهتم بيت مدارس الأحد بشبرا بطباعته مرة ثانية, ولقد صدر هذا الكتاب بعد فترة قصيرة من وفاة البابا يوأنس التاسع عشر البطريرك الثالث عشر بعد المائة (1929-1942م), حيث جاء علي غلاف الكتاب أنه مذكرة مقدمة لحضرة صاحب الغبطة البطريرك المنتظر, ولحضرات الآباء الأجلاء أصحاب النيافة المطارنة والأساقفة, ولحضرات أصحاب السعادة والعزة وكلاء وأعضاء المجالس الملية, ورؤساء وأعضاء الجمعيات القبطية, وجميع العاملين والراغبين في الإصلاح.
في ذلك الكتاب تحدث الأستاذ حبيب جرجس- ضمن ما تحدث- عن الإصلاح في مجال الجمعيات الأهلية الخيرية القبطية, حيث اقترح علي الأقباط, كنيسة ومواطنين, إنشاء عدد من الجمعيات من بينها (جمعية لدوام اتحاد العنصرين), حيث يري الأستاذ حبيب جرجس أن الاتحاد بين الأقباط والمسلمين أمر طبيعي لا غرابة فيه, وذلك- وحسب رأيه- لأن القبط هكذا نشأوا وتربوا علي محبة أوطانهم وإخوانهم في الوطنية, وذلك للروابط التي تربطهم بعضهم ببعض ومنها:
(1) الرابطة الجسدية.. رابطة الدم, فجميعهم أبناء أب واحد وأم واحدة, ودماؤهم جميعا واحدة.
(2) الرابطة اللغوية, إذ كلهم يتكلمون لغة واحدة.
(3) رابطة المصلحة, فإن مصلحة المسلمين والأقباط واحدة وغاياتهم لمجد وطنهم واحدة.
وهو يضيف أنه لهذا يجب المحافظة علي هذه الوحدة, والعمل علي تمكينها وعدم السماح لأي كان أن يعمل علي فصمها وتعكير صفائها, ثم يقترح الأستاذ حبيب مراعاة الأمور الآتية بغرض تأكيد الاتحاد بين المصريين:
(1) أن تذكر هذه الحقائق من وقت لآخر في المنشورات البطريركية, كما ذكرت في المنشورات السابقة الماضية.
(2) يجب علي الكهنة والوعاظ أن ينادوا بها فوق منابر الكنائس كما حدث مرارا.
(3) بث هذه الروح في المدارس, ليكون الطلبة مسلمين وأقباطا إخوة متحابين.
(4) بثها أيضا في المعاملات في الخارج, في مصالح الحكومة والمتاجر والمصانع.
(5) تمكينها بواسطة الزيارات الدائمة المتواصلة المتكررة, كما كان منذ القديم بين الأسر والأفراد وخصوصا بين رؤساء الدين, كما يفعلون في الأعياد, والاشتراك في الأفراح والأحزان.
(6) حبذا لو قابلت مشيخة الأزهر هذه الملاحظات بمثلها.
(7) وجوب تأليف لجنة دائمة من شأنها الدفاع الدائم عن هذه الوحدة وعمل الوسائل لتقويتها, وتؤلف هذه اللجنة من أعضاء من القبط والمسلمين علي السواء.
ولكن للأسف لم تخرج هذه الفكرة إلي النور آنذاك, خاصة وأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت تستقبل بطريركها الجديد, وكانت الحرب العالمية مازالت مشتعلة, وكان المصريون يتابعون الحرب ويتأثرون بها, لا سيما وأن مصر كانت تربطها ببريطانيا آنذاك معاهدة 1936م التي جعلت من مصر طرفا في الحرب بشكل أو بآخر, كطرف صديق لبريطانيا. وإن شهد المجتمع المصري تأسيس جمعية الوحدة الوطنية في مرحلة لاحقة, وبالتحديد في مطلع التسعينيات من القرن العشرين, بجهود مجموعة من المفكرين والمثقفين منهم الكاتب الصحفي إبراهيم نافع, رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة (الأهرام), والكاتب والمفكر السياسي الدكتور رفعت السعيد, وأستاذ الهندسة والكاتب الدكتور ميلاد حنا وآخرون, وذلك في مواجهة حوادث الإرهاب التي كثرت وتكررت في ذلك الوقت, ضد الأجانب وضد المواطنين الأقباط في حوادث متفرقة هنا وهناك, وقد استمرت جهود الجمعية لفترة قصيرة من ندوات وإصدار بيانات وتصريحات, وإن كنا لم نعد نسمع شيئا عن تلك الجمعية.
د. رامي عطا صديق
[email protected]