رحل القشطينى ملك التحايل العميق


كما يعتقد البعض أن الكوميديا فى الدراما هى إلقاء الإفيهات التى تدفع الناس للضحك، حتى لو كانت إفيهات خارج السياق أو يطلقها الممثل مستفيدا من وضعية البطولة أو هيمنته على الإنتاج أو كونه «نجم شباك»، يعتقد البعض أيضا أن الصحافة الساخرة هى التى تجعل القارئ يضحك كركر. تراه يحشر نكتة مفتعلة هنا أو يتبع أسلوب «التريقة» على شخصية شهيرة يعرف أنها مثار جدل بين الناس، فيضمن إقبال بعضهم على الأقل على الضحك على نكاته وتريقته نكاية فى هذه الشخصية.

لكن الكتابة الصحفية الساخرة هى فى الحقيقة من أرقى وأصعب الفنون الصحفية، لكنها فى وضعية انقراض شبه تام، إن لم تكن قد انقرضت تماما. ونعم، عزيزى القارئ، الكتابة الصحفية الساخرة ليست تلك التى يبذل فيها الكاتب الغالى والنفيس ليجعلك تضحك، إنها الكتابة اللاذعة التى تعكس قراءات كثيرة وعميقة، وقدرة على الفهم والتحليل، وخفة دم لا تخلو من حس دعابة «أسود»، وحنكة لغوية تمكن صاحبها من غزل كل ما سبق فى كلمات معدودة، ربما لا تتعدى 70 أو 80 كلمة ويقدمها لك فى كبسولة. لذلك هى لا تسبب لقارئها بالضرورة حالة من البهجة والسعادة لأنه يضحك، لكنها ربما تدفعه لنوع من الكآبة حين يعى أن ما يعيشه موقف مفعم بمسببات الضحك، لكنه ضحك كالبكاء.

مادة اعلانية

ولأن روح الدعابة وحس السخرية المصريين قديمان قدم التاريخ، وربما لم يفسدهما سوى موجة التدين السبعينية التى كفرت الناس فى عيشتها حرفيا، فصار كل شىء حراما، وأجواء الحرام المفرط تقتل كل إبداع وتجهض كل محاولة للخروج من الهم بخفة الدم. لكن نتذكر العظماء فكرى أباظة وأحمد رجب ومحمود السعدنى وجلال عامر، وجميعهم كان أستاذا فى فن التحايل العميق.

وكان الكاتب والباحث العراقى خالد القشطينى أحد الملوك المتبقين فى صنعة التحايل العربى العميق، والذى ظل يكتب كلماته وسطوره النافذة والثاقبة والمفعمة بالألم والدعابة والسخرية حتى أسابيع قليلة مضت. رحل القشطينى قبل ساعات فى لندن عن عمر 94 عاما، وهو الملقب بـ«برنارد شو العرب». لم يترك القشطينى مجالا إلا وطرقه بكلماته الرشيقة الحادة التى لا تخلو من حس سخرية ودعابة دون خروج على الآداب أو استخفاف دم أو ادعاء نكتة.

هو ابن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، ومنها عرف الانطلاق إلى شتى أرجاء العالم العربى. خلطة كونه عراقيا مع إقامته أغلب سنوات حياته فى لندن وثقافته العميقة وبحوثه الكثيرة فى السياسة والاجتماع وخبرته فى الكتابة الدرامية الكوميدية صنعت منه نموذجا متفردا. هو نفسه قال فى إحدى المرات إن «العراقيين تنقصهم روح النكتة، لا يضحكون كثيرا، يأخذون كل شىء مأخذ الجد». ورغم أن القشطينى يبدو كأنه حاد عن الجد، لكن كتاباته الساخرة فى حقيقة الأمر كانت وستظل «جد الجد»، لكن برداء السخرية اللاذعة والتحايل العميق.

* نقلا عن "المصري اليوم"

تاريخ الخبر: 2023-06-07 21:18:42
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 77%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

المغربي آدم أزنو يوقع أول عقد احترافي مع بايرن ميونيخ الألماني

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:26:00
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

المغربي آدم أزنو يوقع أول عقد احترافي مع بايرن ميونيخ الألماني

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:25:54
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

محمد التويمي رئيسا لمقاطعة مرس السلطان الفداء خلفا لبودريقة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:26:30
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

التقدم والاشتراكية يشجب القرارات التأديبية في حق طلبة الطب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:26:03
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

محمد التويمي رئيسا لمقاطعة مرس السلطان الفداء خلفا لبودريقة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:26:29
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

التقدم والاشتراكية يشجب القرارات التأديبية في حق طلبة الطب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 15:26:09
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية