بقــــــــلم: م. منـــــــــــــــير وصـــــــــــفي بطـــــــــــــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

نستكمل معا الدراسة في أرباع الناقوس.

جَلَسَ عن يَمينِ أبيهِ:

جُلوس المُخَلِّص عن يَمينِ العَظَمة في الأعالي، أي في أعظم مَكانَة في السماء، وحَسَب قولِ نيافة الأنبا بيمن :”أن الابن بعدَ أن أَكمَلَ التدبير وأتمَّ الفِداء، أخذ ما لهُ من قُدرة وسُلطان ومَجد وعَظَمَة لائقة بأُقنومِهِ القدوس، المُساوي لأقنومِ الآب السماوي.

أرسَلَ لنا الروحَ المُعَزِّي:

في إنجيل يوحنا يقول ” وأما المُعَزِّي الروح القدس الذي سَيُرسِلهُ الآبُ باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قُلته لكم” (يو14: 16، 26)، أي بعد إتمام الفِداء وصُعود الابن يُسَلِّم أقنومُ الابن لأقنومِ الروح القُدُس رعاية الكنيسة في عَهدِها الجديد الذي بدأه الابن بدمِهِ.

وكلمة المُعَزِّي في اليونانية “الباراقليط” تعني (مُعَزِّي، ومُعين، ومُقَوِّي، وشَفيع، ومُحامي)، وهذه المعاني تُوَضِّح عمل الروح القدس في حياتنا، كذلك يَتَّضِح لنا لماذا استخدمت الكنيسة المُصطلحات اليونانية داخل السِياق اللغوي القبطي؟ وذلك حتى تُعطي المَعنى الأوضَح والأدَق والأَكمَل للكلمة.

أنبَسَطَ (إمتَدَّ) عَلَى كُلِّ واحدٍ فَواحدٍ فَنَطَقوا بأَلسِنَةٍ كَثيرَةٍ:

عندما حَلَّ الروح القُدُس على التلاميذ، كان يُوجَد جماهير من كل جِنسياتِ العالم بسبب حلول العيد اليهودي، فكلٌّ منهم يَعرِف لغتَهُ تمامَ المعرفة لأنه وُلِدَ فيها، ولكن الغَريب أن يَعرفها أشخاصٌ أغلبهم من منطقة واحدة وهي الجليل بصورةٍ لَحظِيَّةٍ وبِطَلاقَةٍ، ولكي يُؤَكِّد القديس لوقا الرسول عِظَم المُعجزة كَتَبَ في إنجيلِهِ الجِنسيات واللُغات التي سَرَدَها فكانت 16 لُغة وجِنسية (أع2: 9-11)، وكانت مُعجزة التَّكَلُّم بالأَلسِنَة مُعجزة هامة في بداية المسيحية، حتى تُساعِد على انتشارِها بين شُعوبِ العالم.

وعبارة “فورش إيجين” القِبطية أي (انبَسَطَ أو امتَدَّ عليهم)، هي تُماثِل (فَرَشَ) باللغة العربية أي (بَسَطَ الشيء)، وفي الترجمة الإثيوبية والسريانية القديمة بمعنى (جَلَسَت عليهم)، وكأن الروحَ القُدُس جَلَسَ واستَقَرَّ مُتَرَبِّعاً على رُؤوس الرُّسل وارتاحَ في كَيانِهِم الرَّسولي، ليُقِيم منهم هيكلاً مُقَدَّساً يَسكُن فيهِ، يَعمل فِيهم وبِهم إذ صاروا مُكَرَّسين لله وحده، كذلكأصبحَ في قلوبِ المؤمنين جالساً، يَملِك ويُجَدِّد ويَقُود كنيستَهُ عاملاً فيها عَبرَ الأجيال، لِتُصبح عَروساً مُزَيَّنةً لعَرِيسِها السَّماوي.

الخَصائِص الموسيقية للحن أرباعِ الناقوس بالطريقة السنوي:

1- القالِب الأَدَبي والقالِب الموسيقي:
هو عبارة عن فكرة واحدة في صورة رُبع (أي أربعة جمل)، تُكَرَّرعِدَّة مراتٍ حسب الموضوع أو المُناسبة الكنسية، وهذه الفكرة تَنقَسِم إلى جُزئَين أساسيين،الجُزء الأول أطول من الجزء الثاني بمقدار الضِعف تقريباً، مما يجعل الجُزء الأول أساسي والجزء الثاني ثانوي أو فَرعي أو مُكَمِّل لهُ، وقد اتَّفَقَ كاتِب الأرباع مع مُلَحِّنِها في تَوضيح هذين الجُزئَين، وهذا ما سأشرحه بِعِدَّة نماذج كالآتي:

أرباع فيها يكون الجُزء الأول الطويل عبارة عن فِكرة مُعَيَّنة، والجُزء الثاني الصغير تَفصِيل لها، فمثلاً في المُقَدِّمة يقول: “تعالوا فلنسجد للثالوث القدوس..” والجزء الثاني يقول “الآب والابن والروح القدس”، أو العَكسفي رُبع آخر فيقول “نسجد للآب والابن والروح القدس….” والجزء الثاني “الثالوث المُقَدَّس المساوي”.

وأحياناً يكون الجُزء الأول الطويل فكرة أساسية، والجُزء الثاني القَصير يكون وَصف كما في هذه الأرباع:”السلام لكِ يا مريم …”، “وَلَدَت لنا الله الكلمة”، وفي رُبع آخر “السلام لغبريال….”، “الذي بشَّرَ مريم العذراء”،وكذلك في ربع آخر” السلام لأبينا مرقس….”، “…مُبَدِّد الأوثان”، وأحياناً تَنعَكِس فيُصبِح الوَصف أولاً ثم اسم القديس مثل: الرُبع الخاص بالقديس مارجرجس “السلام لك أيها الشهيد…..”، “سيدي الملك جيئورجيوس”.

وأحياناً يُذكَر في الرُّبع الواحد أكثر من قديس،فيُعطي للقديس الجزء الأول الأساسي، ثم يَتبعهُ في الجُزء الثانوي بأسماء القديسين الذين تتلمذوا على يديه “السلام للعظيم أنبا مقاره…”، “وأولاده لُبَّاس الصليب…” وهكذا مع باقي أرباع الناقوس، بحيث لا يُؤثر صِغَر الجزء أو كِبَرِهِ على قيمة القديسين الذيننُعطِي لهم التَحِيَّة.

2- المَقام الموسيقي:
المَقام الموسيقي الذي يُبنَى عليهِ اللحن السنوي هو (الصَبا)، وهو أكثر المقامات شجناً، ولكنه هنا حَوَّلَتهُ الكنيسة إلى لَحن نَشيط جادّ مليء بالحماس مع لَمحة من الوَقار يُؤَكدها إحساس المقام (الصبا)، وفيها نُعَبِّر عن عدم استحقاقنا للتواجد أمام عظمة وجلال الله تبارك اسمه، مع تواجُد والدة الإله مع جميع ملائكتِهِ وقديسيهِداخل الكنيسة؛ ولذلك فإن اللحن لا يُعَبِّر عن الفرح بِقَدر ما يُعَبِّر عن الاستيقاظ والتنبُه إلى الحالة الروحية التي وضعتنا فيها كنيستنا المجيدة، ففيها نسجد لله المثلث الأقانيم في وَقارٍ وخُشوعٍ وخضوعٍ، ثم تُذَكِّرنا الكنيسة بوجود الملائكة حيث أن الكنيسة هي بيت الملائكة – كما تقول أرباع الناقوس نفسها – ونتجه إلى تحية العذراء والدة الإله نُحَيِّها، ثم نُحَيِّي كل من طغماتِالملائكة حسب رُتَبِهِم وهكذا مع باقي القديسين.

3- الوزن الإيقاعي:
الإيقاع الثنائي (أي في كل مازورة وِحدَتَين إيقاعِيَتَين)، وهذا الوَزن الإيقاعي المُستَخدَم في الألحان القبطية يُعَبِّر عن الحيوية والنشاط.

4- السرعة المستخدمة:
(حوالي 110 – 120 نَبضَة في الدقيقة)، وهي سُرعة مُتوسطة مُناسبة للمَفهوم العام لأرباع الناقوس.

5- طبيعة الجُمَل اللحنية:
فهي تتميز بالثَّبات والاستقرار، فلا تُوجَد حِليات أو زَخارف لَحنِيَّة، فهو لَحن مُحَدَّد يَّدفَّع الإنسان إلى الاستيقاظ والتأهب لبداية الليتورجية.

6- المساحة الصوتية:
لا تَتَعَدَّى في الأساس الأربع نغمات، وهذا يُؤكد مَفهوم الجَدِّية والانتباه وعدم التَّشَتُّت.

7- الرُّكوزات الموسيقية:
يَرتَكِز الجُزء الأول من الرُّبع على ثالثةِ المَقام، ثم يَرتَكِز الجُزء الثاني على رابِعَة المَقام، وفي هذه الرُّكوزات نجدها ثانوية أو نصف تامَّة، وهذا يُعطِي مَعنَى التَّعَجُّب من الحالة الروحية التي تُحِيط بنا في وجود الله مع قديسيه.

8- آلات الإيقاع:
(الناقوس والمثلث) أساسي في هذا اللحن، بل قد تَسَمَّى اللحن بها (أرباع الناقوس)، ولكن وظيفتها في الطقس السنوي تَجميع أصوات المُسَبِّحين في وِحدةٍوقُوَّة تُساعِد على عدم التَشَتُّت أيضاً، ويُفَضَّل في عَزفِها أن يكون الهَدَف هو تَوحِيد الأداء بضَرَباتٍواضحةٍ بدون تفعيلات إيقاعية كثيرة قد تُش