أمام المرآة
أمام المرآة
(1) : لماذا فاز بإعجابه؟
حكي لي أحد أصدقائي قال: عندما كنت في العاشرة من عمري, اعتدت أن أقضي أسبوعين من كل عطلة صيف في بيت عمتي, بإحدي مدن الدلتا الصغيرة.
وذات مساء, حضر لزيارة زوج عمتي رجل لم أكن قد رأيته من قبل, وكنت في ذلك الوقت مهتما بصيد السمك. فما إن علم الزائر بذلك, حتي تحول حديثــه كله معي إلي صيد السمك, وكل ما يتصل به.
وقال صديقي: لقد ترك حديث ذلك الزائر أحسن الأثر في نفسي, فلما انصرف سألت زوج عمتي: من هو؟ وأين يمارس هوايته في صيد السمك؟!. فأجابني زوج عمتي: إنه محام من القاهرة, وهو لا يجد وقتا ليمارس هواية صيد السمك ولا غيرها من الهوايات. فسألت: لماذا إذن خصص حديثه كله معي عن الصيد؟ قال زوج عمتي: لأنه رجل يحسن التحدث إلي الآخرين, ويجيد اكتسابهم إلي صفه. وقد رأي أنك مهتم بالصيد, فتكلم عن الشيء الذي عرف أنه يهمك أكثر من غيره!.
(2) : دعوة لحفل التتويج
قبل أن يصبح نابليون أهم شخصية في فرنسا, قابل جوزفين, وطلب الزواج منها. وكانت جوزفين أرملة أحد الإقطاعيين الفرنسيين الأغنياء, الذين قضت عليهم الثورة الفرنسية.
وذهبت جوزفين بصحبة نابليون إلي محاميها, لتستشيره في أمر هذا الزواج, فطلب المحامي مقابلتها علي انفراد, ثم بدأ يعنفها بشدة لتفكيرها في هذا المشروع, وقال لها: أنت متسرعة مجنونة!! وكان صوت المحامي مرتفعا, فسمع نابليون ذلك وهو واقف خارج غرفة المكتب. لكن جوزفين قالت للمحامي: سأتزوجه, وأنا واثقة من عبقريته, ومن أنه سيصبح أعظم شخصية في فرنسا. فأجابها المحامي: لابد أن شيئا قد حدث لعقلك!!.
ولما خرجت, قالت لنابليون عندما عرفت أنه سمع ما قيل: إنهم لا يستطيعون تمييز الماس عندما يشاهدونه وسط الصخور!!.
ومرت الأيام, وأصبح نابليون إمبراطورا, وتذكر ما قاله المحامي, فاستدعاه وقال له: هل تذكر ما قلته ذات يوم في مكتبك بشأن مستقبلي؟!. وارتعد المحامي, وتوقع سوء المصير, غير أن نابليون قطع عليه سلسلة أفكاره المضطربة بقوله: إن كل ما سأفعله, هو أن آمرك بحضور حفل التتويج, وأن تظل تحت بصري طوال الوقت!!.
ونفذ الرجل أمر الإمبراطور, وهو لا يزال يرتعش, بسبب سوء تقديره للرجال!!
(3) : أمام المرآة
كان لي صديق يعتبره أسرته وأصدقاؤه وزملاؤه نموذجا للشجاعة والقوة في مواجهة كل الظروف. وذات يوم سألته عن سر شجاعته وقوته, فقال وهو يبتسم: عندما كنت طفلا صغيرا, علمتني أمي أن أبتسم لنفسي في المرآة, وكــلما أصابتني الحياة بصدمة أو خيبة أمل, أو حدث شيء يصيبني بأذي في الجسم أو النفس, كانت أمي تمسك بي أمام المرآة, وتقف خلفي وهي تسخر من ملامح الألم والدموع التي تظهر في وجهي, حتي أضطر إلي الضحك, ثم تقول لي: حسنا.. لقد انتهي هذا الأذي, وتتركني, فأنطلق لأواصل لعبي.
وهكذا فإن الابتسامة التي تظهر علي الوجه سرعان ما تصل إلي القلب والروح, فيزول ما يشعر به الإنسان من أذي أو خيبة أمل, ويواجه الدنيا وهو أكثر ثقة وتفاؤلا.
يعقوب الشاروني
Email: [email protected]