في الخرطوم.. أكيد ح نتقابل «2»


في الخرطوم.. أكيد ح نتقابل «2»

أماني أبو سليم

في الليلة السابقة لسفري وأنا اعد اغراضي للسفر كنت اردد كما اتفق: حليلو قال ناوي السفر يا حليلو، يا حليلو كيف الوداع لامن يحين وقت السفر، كل العمر كان لحظة واحدة نشوفو والشوق يتقد، اهديك عيوني عشان استريح الدنيا بعدك ما بتسر يا حليلو. لحقني اخي الاكبر متسائلاً عن اسم الاغنية قلت دون تفكير: افتكر رسالة الى مسافرة، فقال باشارة مبطنة: لا، اسمها يمكن نتلاقى ويمكن لأ.

كم ودعنا مسافرين وكم ودعونا، حتى السفر للاستشفاء كان الامل بالعودة سالمين يطغى على مُر الوداع.

في الصباح، في بيت اهلي، كنا ما يزيد عن الخمسة اسر، تكون البيت الكبير، سنسافر اليوم اسرتان، تاركين الخرطوم، حبيبتي، وسط صراخها من طلق الرصاص والمدافع. وثلاث اسر ستبعد عنها في الايام التالية، وسيبقى اخوتي كما قرروا في البيت. بلا اسباب منطقية تفرقنا، وتفرق بعضنا عن اسرته الصغيرة. على كثرة ما توادعنا لاسباب مختلفة عند السفر، كان ذاك الوداع مختلف الطعم، تحس حجراً وفراغ في الصدر في ذات الآن، هل يكفي البكاء في احضان بعضنا مدة طويلة زاداً لمدة غير معلومة. اظن عنوانها رسالة الى مسافرة، فقط هكذا دون ورود اي احتمالات اخرى.

في القاهرة، لعن السائق بالنيابة عنّا برهان و(حميدتو) ودعا عليهما بالنيابة عن اهل السودان، ظناً ان ذلك يطيب خاطرنا وربما يوقف دموعنا. شوارع القاهرة التي احب واسعد بحركتها وحيوية ناسها كان بيني وبينها كما الضباب، لا اراها ولا احسها، طوال اسابيع ظلت شوارعها غريبة عني، مهما اغرتني وحاولت لفتي ما التفت، آثرت البيت عدداً من الايام لا اطيق فيها الكلام ولا الحركة، وبعدها ظلت عيناي على خطوي ومساري من خروجي لامر هام حتى عودتي. ما اصعب الكلام وانت بلا وطن، وما اسهل الدموع وانت بلا وطن. لا يطاوعني لساني ان هممت بالسلام على سودانيين اعرفهم او اقابلهم مصادفة بالطريق. لساني لا ينافس دموعي، هي اسرع واغزر، وامرّ.

حاول مرةً احد السائقين ان يشجعني ويهون علىّ، قال: طب مش انتي جيتي عندنا، والله ح تحبينا ومش ح ترجعي تاني، ح تقعدي معانا خلاص، بين دموعي قلت: فال الله ولا فالك راجعين ان شا الله. فشلت محاولاته ان يطيب خاطري بأي كلمات توقف دموعي طوال الطريق حتى وصولي مقصدي. اشفقت عليه في محاولته الاخيرة وهو يطمئن انه يمكنني العودة ومعرفة الطريق. من يومها وأنا اهرب سريعاً من اي حديث عن الخرطوم، قبل ان افقد السيطرة على منافسِة لساني.

فجأة دون سابق انذار نحن هنا بلا بيت ولا مدينة، ومصير مجهول لوطن، مروراً بطريقٍ لم يرهقنا طوله وضيق كراسيه، ما ارهقنا كان توقع كل احتمالات المخاطر ونحن تتقاذفنا امواج ارتكازات الدعم السريع حتى مدن الشمال، التفتيش والترويع، والتهريج ومحاولات التظارف، كانت اكثر اثارةً للقرف وعدم الامان.

هنا البقال وبائع الفرن، المارة بالطريق، وكل من يقابلونا يسألون عن الخرطوم ويرددون الدعوات بالسلام، اين المهرب من الدموع وانفطار القلب.

#يومياتالعودةللخرطوم

في الخرطوم.. أكيد ح نتقابل

تاريخ الخبر: 2023-06-15 03:23:25
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

الشعباني يتحدث بخصوص غيابات نهضة بركان في مواجهة الزمالك المصري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 18:25:58
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية