حرب جنرالات السودان لماذا ؟.. (2)


 

حرب جنرالات السودان…(2)

لماذا ؟…

مهدي رابح

⸨ يقوم تكتل احتكاري قمعي من الجهات الفاعلة التابعة للدولة باستخدام سيطرته على الاقتصاد لعرقلة طموحات السودان الديمقراطية. وهو يشكل “دولة عميقة” داخل السودان، ويعمل من خلال مؤسسات الدولة لإثراء أعضائه والنأي بهم عن المساءلة.⸩

مقتطف من مقدمة تقرير بعنوان “حاميها حراميها” المُعَد في مركز دراسات الدفاع المتقدمة من قبل كل من الصحفيين كاثرين كارتييه, ايفا كاهان واسحق زوكن, والمنشور علي موقعه الاسفيري C4ADS . org يوم 29 يونيو 2022م.

…………………………..

لم تمضِ ثلاثة أيام علي نشرنا المقال الافتتاحي لهذه السلسلة ولم نكد نلتقط انفاسنا من هول ما رأينا من تسجيلات مصورة يظهر فيها إغتيال حاكم ولاية غرب دارفور الراحل خميس ابكر وهو تحت أسر قوات الدعم السريع والتمثيل بجثّته ثم ذبح احد منتسبي الجيش لجنود الدعم السريع حتي تفجرت الأوضاع في مدينة الجنينة, عاصمة ولاية غرب دارفور او دار اندوكة كما يطلق عليها, وتوالت الانباء عن ما يشبه الإبادة الجماعية, فحسب بيان سلطان قبيلة المساليت بتاريخ اليوم, زعيم القبيلة المستهدفة بالهجوم, قتل ما يزيد عن 5000 شخص وجرح اكثر من 8000 خلال أيام معدودة بينما اشارت تقارير اخري الي نزوح قسري جماعي لغالب سكان المدينة من المساليت نحو مدينة ادري التشادية المجاورة علي بعد 35 كيلومتر.

لماذا كل هذا العنف؟ وماذا تسبب في انفجاره بهذه الشراسة؟ هو سؤال مشروع يطرح نفسه علي الجميع…

فرغم الإجابات السهلة المبذولة للجمهور السوداني في الفضاء الإعلامي التقليدي او الاسفيري الأقل انضباطا والمصممة للاستهلاك السريع مع ما يعني ذلك من مخاطبة للعواطف والغرائز البدائية بدلا عن العقول وتجنب ما يتطلبه ذلك من تحليل لواقع بالغ التعقيد و ضرورة تفكيكه الي عناصره الأولية المتشابكة، فان الإجابة علي السؤال أعلاه لا علاقة له بالسجال غير الذكي الدائر حالياً حول من اطلق القذيفة الاولي او ما تروج له الآلة الاعلامية للجيش وداعميه من ان الحرب تهدف الي الحفاظ علي الكرامة الوطنية والقضاء علي تمرد قوات الدعم السريع التي اكتشف جنرالاته مؤخرا جدا، وعلي ما يبدو فجأةً ايضا، انها مليشيا قبلية رغم انها “خرجت من رحمه” و”قامت بأدوار جليلة في حماية الوطن” كما زعم الجنرال البرهان شخصيا ومساعديه مرارا وتكرارا في لقاءات صحفية وجماهيرية مسجّلة. او في المقابل وكما يدعي حميدتي قائد الدعم السريع بانها حرب فرضت عليه من قبل فلول النظام السابق لانه وعلي حين غرة اصبح حاملاً للواء التحوّل المدني الديموقراطي او علي حسب نسخة اخري من الحقائق الموازية والمنتجة عبر بروباغندا جيدة التصميم والاعداد والتمويل، تصوير هذه الحرب العبثية وكأنها ضرورة تاريخية تهدف للقضاء علي الدولة القديمة الفاشلة منذ استقلال السودان ( يطلقون عليها اسم دولة 56 ) واستبدالها بدولة جديدة عادلة وناجحة يديرها ديكتاتور ملهم وفذ علي غرار الجنرال بول كاقامي (راجع مقال عزت الماهري, مستشار حميدتي السياسي بعنوان بين الثورة والسكين جنجويد ) في محاولة منه لتسويق قائده القبلي (ينحدرون من نفس الاسرة الممتدة) وربما كذلك إعداد الجمهور لجرائم مروعة قادمة علي غرار فظائع رواندا تضاف للرصيد الحالي للحرب، والذي يبلغ حتي يومها السابع والستين، عشرات الاف الضحايا ما بين مقتول ومُغتصَب وجريح ومنهوب وما يقدر بأكثر من مليونين ونصف من النازحين داخل السودان او خارجه الي دول الجوار حسب التصريحات الاخيرة للسيد أنتونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.

دعاوي الدفاع عن الكرامة الوطنية او الحِرص علي تماسك الوطن ووقايته من الانهيار او السعي لتحقيق التحول المدني الديموقراطي او هدم سودان 56 بهدف اعادة بناء السودان الجديد كلها دعاوي زائفة يتم تسويقها للبسطاء ولا يصدقها حتي اغلب من يطلقها من الإعلاميين والكتاب المرتبطين وظيفيا بطرفي النزاع, والاجابة الحقيقية التي يجب التذكير بها مرارا وتكرارا والتأكيد عليها تكمن في ان مركز الزلزال الذي تسبب في هذه الكارثة الحالية يقف في منتصفه تماما مزيج انفجاري من انتفاء الوازع الأخلاقي مقترنا بالطموحات الشخصية والتعطش للسلطة والثروة لكل من البرهان وعدد من الجنرالات المحيطين به كما لحميدتي وعائلته وزمرة من المقربين منه ثم علي المستوي الثاني من الدائرة الجهنمية تكمن اجندات لدول داعمة لكل منهما من اجل اهداف لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية للسودانيات السودانيين الذين يدفعون الفاتورة الحقيقية لهذه الحرب وعلي المستوي الثالث والمكمّل لسابقيه نجد شبكات نفوذ و مصالح في غالبها مرتبطة بعناصر النظام السابق وداعمة للبرهان وزمرته وشبكات مصالح اغلبها ذات طبيعة قبلية وجهوية داعمة لحميدتي ومجموعته.

فإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م الذي استهدف أبعاد المدنيين من السلطة الانتقالية والذي قاده حليفي الامس غريمي اليوم البرهان وحميدتي نُفِّذ بالاساس للتخلص من العقبة التي كانت تمثلها الحكومة المدنية أمام طموحاتهما والتهديد الذي كانت تمثله بفضل ما تحصلت عليه من اعتراف دولي و نجاح داخلي في عديد الملفات الهامة كالتعافي الاقتصادي ومطالبتها بحق المدنيين في رئاسة المجلس السيادى بدلا عن الجنرالين حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية وبالتالي احتمال تعرضهما لسحب الغطاء السياسي الذي مكنهما حتي تاريخه من التدخل في صلاحيات الحكومة المدنية وعرقلة عمليات تفكيك النظام السابق ووضع العقبات تلو الأخرى امام تقدم ملفات أهمها تكوين المجلس التشريعي وما يمكن ان يجره ذلك من تعريضهم للمحاكمات في مواجهة تهم بارتكاب جرائم وانتهاكات أبرزها مسؤوليتيهما عن مجزرة فض اعتصام القيادة العامة التي راح ضحيتها مئات المدنيين العزل بطريقة شنيعة وتجاوزات اخري تتعلق بالحصول علي مكاسب وامتيازات هائلة نتيجة نشاطات تجارية غير مشروعة وفساد مالي واداري داخل النطاق الاقتصادي للقطاع الأمني والعسكري والذي بلغ حسب عديد التقديرات 30% من الناتج الإجمالي المحلي للشركات والمؤسسة المرتبطة بالجيش وجنرالاته وحوالي 12% للشركات والمؤسسات المرتبطة بالدعم السريع وآل دقلو.

فبجانب ما يُقتطع سنوياً بما يقدر ب 70% من الموازنة العامة لتغطية كلفة القطاع الأمني والعسكري علي حساب الصحة والتعليم والمرافق والخدمات العامة والبني التحتية, فإن النشاط الاقتصادي للشركات المرتبطة بالجيش والدعم السريع والخارجة عن سيطرة الدولة ورقابتها وسيادة حكم القانون بصفة عامة حسب تقرير مركز دراسات الدفاع المتقدمة الذي اقتطفنا منه مقدمة هذا المقال يمثل نسبة مقدرة من الاقتصاد السوداني, وهو عبارة عن بُنى مؤسساتية معقدة صممت للحفاظ على الدولة السودانية العميقة منذ عهد البشير بعيدا من المساءلة والعدالة المحلية والدولية وارتبطت بصورة اساسية بالجيش والامن والشرطة وبشبكات عناصر النظام السابق التي تستحوذ علي اضخم الشركات والمؤسسات المالية في السودان، واضعة البرهان والجنرالات اعضاء مجلس السيادة العسكريين واقربائهم ومعارفهم في مواقع تسمح لهم بالتحكم فيها والاثراء الفاحش منها كبنك امدرمان الوطني وشركة زادنا و الاتجاهات المتعددة والشركة الاقتصادية الوطنية المحدودة و بدائل للتجارة والأنشطة و كرري الهندسية وغيرها, بينما يتربع حميدتي وعائلة دقلو علي عرش امبراطورية خاصة يلعب فيها بنك الخليج دورا مركزيا بجانب شركات مثل الجنيد وجي اس كي ادفانس وهلا للتجارة وبرايفسي بروتكت وفيرست شيلد وغيرها , وهو ما يوضح مدي سيطرة نخبة صغيرة من الجنرالات علي السلطة وجانب مقدر من الثروة في البلاد عبر سيطرتهم علي أجهزة ومؤسسات القطاع الأمني والعسكري وما تملكه من أجهزة دمار استخدمت بهدف الابتزاز البحت حتي موعد الانفجار في ال 15 من ابريل الماضي.

وهنا وباختصار يمكن تلمُّس ملامح الأسباب الحقيقية لاندلاع الحرب الحالية بوضوح في وجود ثلاث مشروعات متنافسة يسعي كل واحد منها لتأسيس نظام حكم كليبتوقراطي علي انقاض نظام حكم البشير الفاسد, في مقدمتها مشروع البرهان ومجموعة الجنرالات المسيطرين علي الجيش ومؤسساته والثاني هو مشروع عائلة دقلو المسيطرين علي الدعم السريع ومؤسساته والثالث، والمتداخل جزئيا، مع الأول هو مشروع عناصر النظام السابق الساعين لاستعادة السلطة والمؤثرين علي غالب القطاع الأمني والعسكري عبر مجموعة منتسبيها من نخبة ضباط الجيش والمخابرات والشرطة المؤدلجين بالاضافة لشبكة واسعة من عناصره المسيطرة علي القطاع العام بتغلغلهم في الخدمة المدنية وعلي القطاع الخاص بما تراكم لديهم من راس مال خلال عقود من عمليات التمكين المؤسسي والفساد.

من نافلة القول ان المشروعات الثلاث هي مشروعات شمولية بالضرورة وتتناقض كليا مع مشروع التحول المدني الديموقراطي كون الاخير يسعي الي إنفاذ عمليات اصلاح أساسية مهددة لهذه المشاريع الثلاث أهمها يقع في قلب القطاع الأمني والعسكري ونشاطاته الاقتصادية.
لكن مع فشل الحكومة الانقلابية والحصار الذي ضرب عليها من قبل الشارع السوداني ثم المجتمع الدولي بعد ان وضح جليَّا سعي البرهان لإعادة تمكين عناصر النظام السابق في مؤسسات الدولة وجد الجنرالين المتحاربين نفسيهما امام خيار اوحد لا فكاك منه يدفعهم للقبول بعملية سياسية تؤسس لحكم مدني انتقالي من جديد، ولو إلي حين, فبينما وقّع البرهان علي الاتفاق السياسي الاطاري كتكرار لعديد المناورات السابقة التي اتقنها خلال اربعة اعوام من التناقض والتردّد ونقض العهود أملا في شراء الوقت للانقضاض مجددا علي الحكم، تبنّاها حميدتي كمناورة تخرج البرهان وحلفائه الاسلامويين من العملية السياسية و تعطيه في نفس الوقت فرصة للانقضاض علي الحكم في المستقبل بطريقة او بأخري ربما اخفها وطئة هي عبر استخدام المال السياسي لشراء الولاءات واصوات صناديق الاقتراع في اي انتخابات قادمة.

العنصر الثالث في معادلة توازن الضعف هذه هم الموالون للنظام السابق، والذين افتقدوا هذه المرة، علي عكس البرهان وحميدتي، لأي مساحة للمناورة عبر العملية السياسية وهو ما يفسّر نشاطهم المتصاعد المحموم لرفضها بصورة متشنّجة ومحاولة شيطنتها غير المنطقيّة او الناجحة كلما تقدمت خطوة الي الامام. ويفسّر أيضا ما قاموا به من عمليات تعبئة واسعة وإعادة ترتيب لتنظيماتهم شبه العسكرية (كتائب الظل) إعدادا لعمل ما سيؤدي الي اجهاضها كما صرح بذلك عديد قياداتهم في تسجيلات مصورة او مقالات وتغريدات منشورة، لأنها وبغض النظر عن نجاح او فشل استراتيجيات المناورة المحتملة للبرهان وحميدتي, تمثّل تهديدا وجوديا لهم كونها علي الارجح ستخرجهم من المعادلة كليّا بتطهير المؤسسات العسكرية والأمنية من عناصر هم، ما يعني أيضا إعادة تعرض قياداتهم لذل المحاكمات العلنيّة والسجن وربما لتسليم ابرزهم لمحكمة الجنايات الدولية ولاعادة مصادرة الأموال الهائلة التي نهبوها خلال ثلاثين عاما للصالح العام, وهو، وبجانب أدلة اخري عديدة أهمها تصريحات احد قيادات الجيش المحسوبين عليهم، والتي اكد خلالها، وامام قيادات سياسية مدنية معروفة، ان القضاء علي الدعم السريع عملية سهلة وسريعة لن تستغرق سوي خمسة او أيام , ما يرسخ من مصداقية السردية التي ترجّح قيامهم بإشعال فتيل الحرب الأولي صبيحة السبت المشؤوم، فهم ودون مواربة اكثر الأطراف الثلاث تضرُرا من العملية السياسيّة والراغبة في قطع الطريق أمامها مهما بلغت الكلفة او كما يرددون كثيراً في ادبياتهم ذات الطابع الحربي “أو ترق كل الدماء” , لكن هذا لا ينفي في منتهي الأمر أيضا تربّص الجيش والدعم السريع ببعضهما منذ سنوات وتخطيط الجنرالات من الطرفين واستعدادهما للحرب منذ اشهر طوال كوسيلة للانفراد بالسلطة والاهم من ذلك وفوق كل اعتبار آخر بالثروة.

……………………………

“سلمية سليمة ضد الحرامية” كان احد الشعارات الأهم التي هتف بها المتظاهرون السلميون ابان ثورة ديسمبر 2018م.

يتبع…

#مدنية
#لاللحرب
#ستنجوبلادناوسنعيد_بنائها

تاريخ الخبر: 2023-06-20 18:23:36
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

الصين: مصرع 36 شخصا اثر انهيار طريق سريع جنوب البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

أمريكا: أب يجبر طفله على الركض حتى وفاته - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:05
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

وفاة حسنة البشارية أيقونة «الجزائر جوهرة» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:24:06
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 60%

الصين تعتزم إطلاق المسبار القمري “تشانغ آه-6” في 3 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 09:25:15
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية