ما قصة العائلة المهددة من قبل إسرائيل بإخلاء منزلها في القدس؟

  • سوزانا قسوس
  • بي بي سي نيوز عربي

صدر الصورة، Save Nora's Home on Facebook

تقطن نورا صب لبن وعائلتها في هذا البيت منذ 60 عاما، تقول نورا إنه المنزل الذي كبرت فيه، والذي يحمل في طياته ذكرياتها مع عائلتها وقصص ترعرعها وزواجها وإنجابها لخمسة أبناء.

منزل نورا الآن من ضمن المنازل المهددة بالإخلاء من قبل الجيش الإسرائيلي الذي حدد لها مهلة لإخلاء بيتها في الفترة ما بين الثامن والعشرين من يونيو /حزيران، والأول من يوليو/تموز عام 2023، بحجة أن القانون يحمي المستأجر القديم، وفي القانون الإسرائيلي، المستأجر القديم يعتبر من اليهود الإسرائيليين أو الجمعيات الاستيطانية.

وحدد الجيش الإسرائيلي مهلة لها سابقا في صباح الحادي عشر من يونيو/ حزيران من عام 2023، حتى تخرج وعائلتها من البيت.

يقع بيت نورا في عقبة الخالدية على بعد عشرات الأمتار من الحرم القدسي وبضعة دقائق من "حارة اليهود" في البلدة القديمة من القدس الشرقية المحتلة.

صدر الصورة، Save Nora's Home on Facebook

التعليق على الصورة،

قرار الإخلاء القسري وينص على ضرورة الإخلاء قبل نهاية الشهر ما بين الثامن والعشرين والأول من يوليو تموز 2023

يقول أحمد صب لبن وهو ابن نورا، إن عائلته تكافح خطر التهجير منذ عام 1977، وتحاول البقاء في منزل العائلة: "ما يزيد عن 14 محكمة قضائية توجهت إليها عائلتي منذ عام 1977 وحتى اليوم. واجهنا كل هذه المحاكم والمحاولات من قبل أذرع الاستيطان الإسرائيلي ممثلةً بالحكومة نفسها من خلال ما يسمى بدائرة حارس الأملاك العامة الإسرائيلي وبعد ذلك من خلال المجموعات الاستيطانية التي تمثل ذراعا للسلطات الإسرائيلية لتحقيق مخططات رامية إلى توطين أكبر عدد ممكن من المستوطنين في محيط البلدة القديمة وداخلها".

عام 1978 رفع "حارس الأملاك العامة" الإسرائيلي قضية ضد العائلة في محاولة لطردها من منزلها، وشهدت القضية عام 2010 نقطة تحوّل، مع تحويل ملكية المنزل لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية المتشددة، بحسب صب لبن.

يقول صب لبن: "حاولنا أن نستخدم مختلف الطرق القانونية مع المحاكم الإسرائيلية دون جدوى، رفضنا المهلة ورفضنا الإخلاء الذاتي، وأشرنا إلى أننا سنبقى هنا حتى اللحظة الأخيرة، وضعنا تماما كأي فلسطيني تم تهجيره عام 1948 وعام 1967 بالقوة. هذا المنزل يمثل الهوية التي نفخر ونتحدث بها. نحن نذكر المنزل عندما نُسأل من أين نحن، فهو الذكريات والتاريخ والحضارة بالنسبة لنا".

"تخوّف من الامتداد الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة"

صدر الصورة، Al Qastal News Agency

التعليق على الصورة،

تظاهر نشطاء الجمعة أمام المنزل الذي تعيش به نورا صب لبن للتضامن مع العائلة ورفضاً لقرار الإخلاء

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

أفاد مراسل بي بي سي في القدس مهند توتنجي بأن هذه القضية تبيّن تخوّف أهالي القدس من "الامتداد الاستيطاني" في مدينة القدس، وخصوصا القدس الشرقية المحتلة، بدءا من حارة اليهود ووصولا إلى البيوت في الطريق للحرم القدسي، وعائلة "صب لبن" حالها حال عدد من العائلات الفلسطينية، حيث نجحت مجموعات استيطانية عديدة بإخلاء منازل في هذا الاتجاه، بناءً على قرارات المحاكم الإسرائيلية، بحجة أنهم "مستأجرون" وأن القانون الإسرائيلي يحمي "المستأجر القديم".

بحسب مراسلنا، فإن فموقع المنزل حساس لقربه من الحرم القدسي وحارة اليهود، ويقول إن عائلة صب لبن مستأجرة المنزل منذ عام 1953، أي منذ فترة الحكم الأردني لمدينة القدس، وكانت العائلة تدفع الإيجار لدائرة تسمى بـ"حارس أملاك العدو"، وهي دائرة أردنية كانت تؤجّر البيوت للفلسطينيين، ولكن بعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية، أصبحت العائلات الفلسطينية تدفع لهذه الدائرة، التي أصبحت تديرها جهة إسرائيلية وتبيع الأملاك لجمعيات استيطانية، وهذه الجمعيات المتشددة ترفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية لتنجح في الحصول على "ملكية دائمة".

ويضيف توتنجي أن العائلة حاولت الضغط على السلطات الإسرائيلية لمنع عملية الإخلاء، وفي اليوم المحدد للإخلاء في المرة السابقة، شهدت العائلة تضامنا يساريا ودبلوماسيا أوروبيا لمنع عملية التهجير.

صدر الصورة، Save Nora's Home on Facebook

التعليق على الصورة،

نشطاء إسرائيليون من جمعية نيتيري كارتا اليهودية يعبرون عن تضامنهم لنورا خلال زيارة لعائلة نورا

تقول جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية إن المنزل يملكه يهود من قبل عام 1948، بحسب قانون دائرة "حارس أملاك العدو" الأردنية حينها.

حارس أملاك العدو هي دائرة أردنية كانت تسجل أملاك الفلسطينيين اللاجئين إلى الدول المضيّفة للاجئين، وسُميت بـ"العدو" نسبة لموقف إسرائيل من الحكومات المجاورة التي استضافت اللاجئين.

وحارس الأملاك الإسرائيلية الذي أتى بعد ذلك، أي بعد احتلال القدس الشرقية من قبل إسرائيل، يستخدم حجة أن ملك العقارات هذه تعود ليهود ما قبل عام 1948 عاشوا في القدس، وتستخدم قانون أملاك الغائبين في مثل هذه الحالات.

ينص القانون على أن تتم نقل ملكية أملاك كانت لمواطنين فلسطينيين قبل 1948 إلى يد دولة إسرائيل، والقانون يحدد بأن ملكية العقار تنتقل إلى الدولة في حال المالك أصبح، بسبب حرب عام 1948، في بلاد كانت تعتبرها إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي "بلاد العدو" مثل الأردن أو مصر أو لبنان أو سوريا، وهي الدول التي استضافت لاجئين فلسطينيين.

وامتدت فترة العهد الأردني لمدينة القدس، بين عامي 1948 و1967، إلى هزيمة الجيوش العربية عام 1967 في حرب ما يعرف بـ"النكسة" عربيا و"الأيام الستة" إسرائيليا، والتي تسببت باحتلال القدس الشرقية والضفة الغربية من الحكم الأردني حينها وقطاع غزة من الأراضي الفلسطينية والجولان من سوريا وشبه جزيرة سيناء من مصر، بحسب القانون الدولي.

يُذكر أن جمعية عطيرت كوهنيم، وترجمتها "تاج الكهنة" هي جمعية استيطانية إسرائيلية تهدف إلى تكوين "أغلبية يهودية" في البلدة القديمة والأحياء الفلسطينيّة في القدس الشرقية المحتلة، بحسب موقع الجمعية.

وتملك الجمعية المتشددة مدرسة دينيّة يهودية في الحي الإسلامي في البلدة القديمة.

صدر الصورة، Save Nora's Home on Facebook

التعليق على الصورة،

صورة لمستوطن من مجموعة عطيرت كوهانيم وهو الذي رفع قضية أمر الإخلاء ضد عائلة صب لبن

"قانون أملاك الغائبين" أو "قانون الغائب"

حسب هيئات مقدسية، فإن بين 5 إلى 10 في المئة من أراضي القدس سُجلت في السجل العقاري أو ما يسمى بنظام "الطابو" قبل عام 1967 الذي توقفت عمليات التسجيل بعده وبعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية.

الطابو هو قانون تسجيل الأراضي منذ الحكم العثماني للمنطقة وطُوّر من قبل بريطانيا وبعد ذلك الأردن وإسرائيل لتطبيقه وتنظيمه.

في حديث لـبي بي سي، قال محافظ القدس عدنان غيث إن القوانين الإسرائيلية "تُجيز التهجير القسري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".

ويضيف أنه في عام 1972، تم السماح ليهود بالمطالبة بالبيوت، بحكم القانون الإسرائيلي وبحكم "وقف غاليستا" منذ فترة الحكم العثماني للأراضي الفلسطينية.

يقول محافظ القدس: "مثل هذه العائلات هجرت مرتين والآن يُطلب منهم أن يخلوا المنازل ويُهجّروا للمرة الثالثة، إنه استهداف بقاء الفلسطيني على أرضه".

حوالي 25 ألف منزل، و150 عائلة مقدسية، أي ما يعادل نحو ألف فرد ينتظرون ذات المصير، في البلدة القديمة وحي الشيخ جراح وسلوان في القدس، بعد أن تسلمت قرارات بالإخلاء لصالح مستوطنين يهود في القدس.

تواصل مكتب بي بي سي في القدس مع بلدية القدس الإسرائيلية ولم يتلقّ رداً بهذا الخصوص.

فيما تقول المحاكم الإسرائيلية إنها تبني قرارات الإخلاء على أساس بيانات من دائرة حارس الأملاك الإسرائيلية والتي تفيد بأن البيوت هذه كانت ملكا ليهود قبل الحكم الأردني للقدس والضفة الغربية المحتلة.

وعندما حددت الحكومة الإسرائيلية الحادي عشر من يونيو حزيران الجاري "مهلة" للعائلة ليكون يوم الإخلاء "الذاتي"، نظّم نشطاء أجانب وعرب ويهود يساريين، وقفةً داعمة لعائلة "غيث-صب لبن"، المهددة بالترحيل من قبل جمعيات استيطانية تدعي ملكيتها البيت الذي تقطنه عائلة نورا مع عائلتها في القدس الشرقية المحتلة.

وأعلنت منسقة الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز أن مئات الفلسطينيين في القدس معرضون لخطر الإخلاء القسري، مشددة على "ضرورة إنهاء هذه الممارسات التي تتعارض مع القانون الدولي".

وعندما يزورها ضيوف من المتضامنين والنشطاء، تقول نورا عن الجلسات التي خاضتها وأسرتها في المحاكم الإسرائيلية دون جدوى: "إذا كان القاضي غريمك، لمين بتشكيه؟"

صدر الصورة، Al Qastal News Agency

التعليق على الصورة،

تظاهرة أمام منزل نورا ضد القرار الإسرائيلي

ماذا يحدث في المحاكم الإسرائيلية؟

قال لنا محامي عائلة "صبن لبن" محمد دحلة إن قرار الإخلاء يمثل "عنصرية" قوانين إسرائيل تجاه الفلسطينيين. "لنأخذ بعين الاعتبار هذا: أي مؤسسة كانت تملك عقارا قبل 1948، سواء كانت ليهود أو عرب، لا يسمح للفلسطينيين بأن يستعيدوا عقاراتهم، على عكس اليهود الإسرائيليين، داخل القدس أو الضفة".

يضيف المحامي: "القانون الإسرائيلي والكنيست سن قانونا يميّز بين الإسرائيلي والفلسطيني. هنا، الفلسطيني يخسر مرتين، عندما هجر في 1948، واليوم عندما يقولون إنه كان وقفا يهوديا أثناء فترة الحكم العثماني للأراضي الفلسطينية. اليهود في القدس كانوا قلة قليلة يملكون بعض العقارات والآن، هم يستغلون هذا القانون العنصري لخدمة مصالحهم".

أشار دحلة إلى أن الحكومة الأردنية، خلال حكمها للقدس، أسكنت لاجئين فلسطينيين في منازل في القدس الشرقية المحتلة كانوا قد هُجروا بسبب الحرب وسيطرة إسرائيل على القدس الغربية. أما المستوطنون الإسرائيليون، فـ"استغلوا الثغرات الموجودة وبحثوا جاهدين عن عقارات ممكن أن تنسب إليهم".

الآن، تواجه العائلة قرار الإخلاء دون إتاحة أي خيار آخر لها، بعد أن أقرت كل المحاكم الإسرائيلية الحكم، لا يوجد أمام العائلة سوى انتظار تنفيذه، الذي أُعلن عنه من قبل دائرة تنفيذ الأحكام التابعة للمحكمة الإسرائيلية، المقرر نهاية الشهر الحالي، بحسب دحلة.

يقول المحامي إنه بالرغم من تعويض الحكومة الإسرائيلية عددا كبيرا من اليهود الذين هُجروا بعد حرب عام 1948 من القدس الشرقية، إلا أنهم لا يزالون يطالبون ببيوت يقطنها عرب، ويضيف أنه هناك حوالي 500 مدينة وقرية أُخذت كـ"غنائم" لليهود في القدس الشرقية المحتلة بعد عام 1967، وبما أن موقع المنزل حساس ومن الممكن أن يخلق توترا إضافيا في الحي، تحدد المحكمة أكثر من يوم لتنفيذ الإخلاء وتجنب الاشتباكات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.

"ثغرات في القانون"

من جانبه، قال الصحفي الإسرائيلي يوآف شتيرن إن القوانين المتّبعة في القدس الشرقية خصوصا بها تناقضات وثغرات كبيرة، لكونها تطبّق أجزاء من القانون الأردني وأجزاء أخرى من القانون الإسرائيلي.

يعتبر شتيرن أن صياغة القوانين في إسرائيل مبنية ومعتمدة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ويُعقّب قائلا إن المحكمة الإسرائيلية لا تستطيع أن تكون منصفة بشكل كامل مع العائلات الفلسطينية لأن القانون ينص بشكل واضح على أنه يجب إعادة هذه الممتلكات إلى أصحابها اليهود إن كانوا يهود وإلى دولة أخرى إن كانوا من العرب. ويضيف: "الجدير بالذكر أن المحكمة العليا الإسرائيلية تمتنع البت في مثل هذه القضايا".

"بكل الحالات حتى المواطنين أو الساكنين في هذه البيوت لديهم حماية معينة حسب القانون الإسرائيلي والأردني أيضا. القانون الأردني لديه تأثير هنا ولكن في الكثير من الحالات، نرى أن المستوطنين يستعملون القوانين الموجودة للحيازة على هذه الممتلكات وينجحون في القضايا المرفوعة في المحاكم".

يقول الصحفي شتيرن إن أحد "الحلول" لمثل هذه القضايا الشائكة تتمثل بالتوصل لحل سياسي بين الأطراف: "طالما ليس هناك أفق لحل سياسي، أي ليس هناك استعداد سياسي، ليس هناك نضوج سياسي لحل مثل هذه القضايا، ستستمر نفس القصص مرة تلو الأخرى".

ويضيف: "كل عائلة مهددة بالإخلاء يجب أن تفكر جيدا بالخيار الأفضل لها. ثمة عائلات قررت الوصول إلى نوع من التفاهمات مع المستوطنين وتوصلوا إلى نوع من التعويضات، وحدث كل هذا خارج المحاكم، ويعتبر هذا الحل من أسهل الحلول ولكنه صعب جدا بالتطبيق من ناحية قومية للفلسطينيين من كل النواحي، السياسية وحتى من الناحية الاقتصادية، ليس بالضرورة بتعويض اقتصادي يكفي العائلات لبعد عشرات السنين. ولهذا السبب، تعتبر هذه القضية قضية شائكة وكبيرة جدا".

صدر الصورة، وكالات أنباء فلسطينية

التعليق على الصورة،

صورة لدبلوماسيين غربيين في زيارة لمنزل صب لبن

"جريمة حرب وتهجير قسري"

استهجنت الباحثة في منظمة العفو الدولية بدور حسن في حديث لـبي بي سي استخدام السلطات الإسرائيلية القانون لصالح مستوطنين.

وتطالب المنظمة بإلغاء هذا القانون الإسرائيلي الذي "يخوّل تهجير سكان من منازلهم" وخصوصا على أرض تعتبر أرضا محتلة في القانون الدولي، معتبرة إياها "جريمة حرب وتهجير قسري".

تضيف: "إذا أردنا مقارنة الصلاحيات التي يمنحها قانون أملاك الغائبين من عام 1950، والذي يخوّل حارس أملاك الغائبين بالسيطرة على الأراضي التي هُجر منها فلسطينيون عام 1948 مع الحرب، ولا يسمح لهم العودة إلى بيوتهم، وبين اليهود الذين يعملون على الاستحواذ على أراض يقال إنهم تركوها عام 1948".

"عندما ننظر لذات القانون للفلسطينيين، نرى بوضوح تام نظام (الأبارتايد) أو الفصل العنصري الممارس ضد الفلسطينيين من أجل تسريع عملية تهجير الفلسطينيين من القدس ومناطق أخرى"، بحسب الباحثة في منظمة العفو الدولية.