«الشيء الوحيد الذي سيطر على تفكيري أن هذه النهاية، نطقت الشهادتين وصليت».
التغيير/ قندر/ اثيوبيا _ أمل محمد الحسن
لم يظن الشاب العشريني أنه سيخرج حياً من ذلك المعتقل؛ وأنه ستتاح له فرصة لسرد قصته، التي لا تعلم حتى الآن أسرته عنها شيئا!
عودة للخرطوم
«أ»
بدأت القصة عندما فكر «أ» بالعودة للخرطوم لاستعادة سيارته التي تعني له الكثير، فبعد أن خرج مع أسرته من الخرطوم هربا من ويلات الحرب إلى إحدى قرى ولاية الجزيرة؛ بعد شهرين لم يستطع أحد اقناعه بخطورة العودة.
تملكه الحنين لأول سيارة يقتنيها واستغل المواصلات بعزيمة وإصرار وهو يحمل كافة الأوراق التي تثبت ملكيته لها.
نزل في شارع الستين ولم يجد وسيلة للذهاب إلى حي الرياض سوى السير من شارع الستين حتى عبيد ختم.
على الرغم من وجود إرتكازات للدعم السريع من منطقة المسعودية؛ إلا أنهم لم يتعرضوا المواطنين مما شجعه على المضي قدما.
ايقاف عنيف
بعد أن ابتعد «أ» قليلاً من تقاطع «ستوب الخيمة» بشارع عبيد ختم بالخرطوم؛ وجد مجموعة من منسوبي الدعم السريع أوقفوه.
وعلى الرغم من تقديمه لكافة الأوراق الثبوتية التي تثبت هويته الا أنهم اتهموه بانتمائه للجيش السوداني، عصبوا عينيه واقتادوه إلى مكان اكتشف لاحقا أنه بدروم عمارة غير مكتملة.
تعذيب بالنار
كانت أطول 6 ساعات تلك التي مرت على الشاب «أ» في ذلك المعتقل المهجور الذي ذاق فيه صنوف التعذيب والألم وظن أنه اليوم الأخير في حياته.
بدأ العساكر بضربه وهو معصوب العينين لا يدري من أين تأتيه اللطمة، كانوا يصرخون في وجهه وهم يتهمونه بأنه يتبع للجيش. بعبارات لا يستطيع أن ينساها.
«أنت جيشاوي» _ يقصدون أنه ينتمي للجيش _ تغيرت ملامحه وهو يقلد طريقتهم في الحديث!
لم يقتصر التعذيب على الضرب، قاموا بجلب أكياس من النايلون يشعلونها حرقوها ويسكبوا عليه البلاستيك الحارق على مناطق متفرقة من جسده!
ثم أحضر أحدهم آلة «زردية» و من ثم قرض أصابع يده بها.
«أشار إلى العديد من النقاط في يديه وأقدامه ما زالت تحمل ندب التعذيب تلك».
صلاة أخيرة
قال _ أ _ «تأكدت أنه اليوم الأخير في حياتي وأنا معصوب العينين»، تلمس الأرض تحته وتيمم ثم قام وصلى ركعتين ونطق الشهادتين وانتظر نهاية حياته!
فعل ذلك عندما سمع أصوات أقدامهم تصعد السلم وتبتعد عنه.
ميز ذات الأصوات للأشخاص الذين التقوه، كانوا يتراوحون بين 7 إلى 8 أفراد الدعم السريع، تتراوح أعمارهم بين صغار في السن وكبار لكنه لم يستطع تمييز رتبهم العسكرية كانوا يريدون جميعا زي الدعم السريع بلا رتب.
اتصال تهديدي
استخدم جنود الدعم السريع هاتفه في الاتصال بوالدته، كانوا قد فتشوه وحملوا كل شيء معهم، اغلقوا هاتفه ابتداءً ومت ثم فتحوه مرة أخرى، و أجروا منه اتصالا هاتفيا مع والدته، سألوها هل إبنك يتبع للجيش؟
شعر بقلق كبير من خوف والدته عليه، كان أول أمر فعله بعد خروجه من سجن التعذيب ذلك أنه هاتفها وطمأنها عليه.
«كان اهله يستعدون للحضور للخرطوم عندما تحدثت إليهم، قال لهم إنه بخير وساعود غداً بسيارتي»، و أوضح لهم أنه حتى تلك اللحظة لم يحكِ لهم ما حدث معه في السجن _ ذلك البدروم _!
إنقاذ مفاجئ
عندما أطلق أحدهم رصاصتين من سلاح الدوشكا الذي يحمله بالقرب من الشاب «أ» تيقن الأخير أنها النهاية!
تدخل بعض الجنود طالبوا زملائهم بتركه، وقال أحدهم إن كل هذا التعذيب يؤكد أنه مواطن عادي لو كان ينتمي للجيش لأعترف!
«كان صوت الرصاص عالياً لأن المكان ضيق والرصاص قريبة منه».
يبدو أن الصوت جذب للمكان عناصر أخرى من الدعم السريع، سمع اصواتا جديدة وقام أحد القادمين الجدد بفك عصابة عينيه.
قال «اعتذروا لي و إن ما حدث لي خطأ، و وبرروا أن هؤلاء الجنود كانوا في حالة سُكر» تابع « أعادوا إلي أشيائي واعطوني مياه، كانت الأولى التي اشربها منذ اعتقالي، واخذوني إلى منزل وعالجوني»!
كان الشاب «أ» يعرف أحد المنتمين للدعم السريع، كان زميل دراسة، قام بمهاتفته، وجاء الأخير لمساعدته.
احضروا له سيارته، وأخذوه في اليوم الثاني حتى آخر ارتكاز للدعم السريع، في بداية الطريق الذي يقود إلى عاصمة ولاية الجزيرة مدني.
فور وصوله للقرية التي كان يسكن فيها رفقة أهله قام ببيع سيارته التي كادت أن تتسبب في موته! اخذ الأموال وغادر البلاد برا عبر الحدود الشرقية للبلاد!
«كانت تجربة صادمة، لا أعرف هل سأعود أم لا؟ لكني أفهم ظروف الحرب».
