ما مدى مشروعية استخدام القوة العسكرية في النيجر من وجهة نظر القانون الدولي؟


 

 

ذ.محمد أشلواح

 

توجد في وثائق “الايكواس” والاتفاقيات الأمنية لهذا التنظيم، وبروتوكولاته الخاصة بكيفية تعاطيه مع الصراعات، ما يتيح له إمكانيات التدخل في “النيجر”، فميثاق1981 المعروف باسم “ميثاق المجموعة” يَعتَبِر من الحالات التي تستوجب التدخل؛ “صراع داخلي يتم إدارته ودعمه من الخارج، بما يهدد السلم وأمن المجموعة”(الايكواس)، كما أن بروتوكول “آلية منع وإدارة وتسوية الصراعات وحفظ السلام والأمن لسنة1999″عمل على توسع قاعدة تدخل قوات “الايكواس” في الصراع الداخلي لتشمل حالات مثل: “التهديد بحدوث كارثة إنسانية”،..،”الإطاحة بحكومة منتخبة”، وهذه الفرضية الأخيرة هي ما تحقق،تماما، في حالة النيجر، مما يخول ل”الإيكواس”-حسب قوانينه- من الناحية المبدئية، التدخل بالقوة العسكرية في النيجر.

 

رغم ذلك، فالمسألة ليس بهذه البساطة، بل لها تعقيدات وتطرح إشكالات قانونية لابد على منظمة “الإيكواس”، الاقليمية، أن تأخذها بعين الاعتبار أثناء أي تعامل لها مع الأزمة القائمة في النيجر.

فلا بد من التذكير بأن القانون الدولي أسمى من “القانون الاقليمي/ “الجهوي”، ف”عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول” يُعُّد قاعدة آمرة في القانون الدولي العام، فبالرغم من أن “العقد شريعة المتعاقدين” و أن الاتفاقيات تلزم فقط المتعاقدين فيها، فإن الاتفاقيات العامة/الشارعة، تلزم من الناحية المبدئية جميع الدول، لذلك يستوجب الأمر مراعاة القواعد العامة التي تتضمنها، وفي هذا الاطار فميثاق الأمم المتحدة يؤكد عبر مقتضياته على “مبدأ السيادة” و”مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية”..، وهي تعتبرمن أهم قواعد القانون الدولي التي تتمتع بنوع من السمو، ويصعب في أي حال من الأحوال القفز عليها، كما أن المادة 103 تجعل من هذا “العقد” أسمى من أي التزام آخر، إذا ما وقع تعارض بينهما، حيث تنص المادة مائة وثلاثة(من ميثاق الأمم المتحدة) على أنه “إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء ‘الأمم المتحدة’ وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق”، لذلك فأي تدخل محتمل ل”الإيكواس” في النيجر يَظهَر من الناحية القانونية وكأنه عمل غير مشروع حسب وجهة نظر(هاته)القانون الدولي.

 

أكثر من ذلك، فالفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، يؤكد على ضرورة الحصول على تفويض من مجلس الأمن، على شكل ترخيص للمنظمات الاقليمية، إذا ما أرادت القيام بعمل عسكري معين، ويتم ذلك تحت إشراف مجلس الأمن.

فرغم أنه ليس هناك ما يحول دون قيام المنظمات الأقليمية بمعالجة الأمور ذات الارتباط بحفظ السلم والأمن الدوليين، شريطة أن يكون نشاطها متلائما مع مقاصد “الأمم المتحدة” ومبادئها (الفقرة الأولى المادة52)، فإن هذا “النشاط” يقتَصِر من الناحية المبدئية على الأعمال السياسية والدبلوماسية، لكن حينما يتعلق الأمر بالاجراءات العسكرية، فمبدئيا، لا يجوز للمنظمات الاقليمية نفسها بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن(الفقرة الأولى المادة 53)، كما أن لذات المجلس استخدام تلك المنظمات الاقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائما ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. ومن الواجب أن يكون على علم تام بما يجري من الأعمال، لحفظ السلم والأمن، بواسطة الوكالات الاقليمية(المادة 54).

 

وعليه فإن كل تدخل ل”الإيكواس”و استخدامها للقوة العسكرية، في “النيجر”، سوف يكون عملا يخالف ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام، فرغم أن “المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا” سبق لقواتها أن تدخلت في “سيراليون”،.. و”ليبيريا”، و”غامبيا” سنة 2017، فإن تدخلها، أنذاك، صاحبه جدل قانوني كبير، لكنه، على كل حال، وَجَد، بشكل من الأشكال، مظلة وتفويض أممي(لاحق)، خاصة مع تَشَكُّل قوات حفظ السلام “لإعادة الأمن والاستقرار في هاته البلدان”.

من جانب آخر فإن الحصول على إذن من مجلس الأمن(لفائدة الإيكواس) سيكتسي صعوبة بالغة نظرا للتوازنات، الموجودة بين القوى الكبرى، ذات الارتباط بالنزاع في “النيجر”، بشكل خاص وفي إفريقيا عامة، فروسيا التي كانت في السابق تُدِير علاقاتها بالغرب بنوع من التوافقات، لتقسيم “مناطق النفوذ”، وتجيز تمرير قرارات(خاصة بالأوضاع في الدول الأفريقية) في مجلس الأمن، سيصطدم الغرب اليوم بطموح روسيا في إفريقيا، على الأقل، داخل مجلس الأمن، وذلك لسببين رئيسيين: أولهما يتمثل في الاهتمام الاستراتيجي الروسي بإفريقيا، وهو الذي أضحى يكتسي استجابة وتفاعلا من “القوى الانقلابية”، في بعض الدول الافريقية ك:بوركينافسو، ومالي..، وثانهما يتجلى في محاولة “بوتين” خلق بؤر وأزمات تهدد مصالح الغرب، بغرض التشويش على تدبيره(الغرب) للنزاع الروسي الأوكراني/ الغربي، خاصة وأن روسيا باتت تؤدي ضرائب مضاعفة بخصوصه.

 

إن تدخل مجلس الأمن بالقوة (وإن كان الأمر مستبعدا على الأقل في الوقت الراهن) لإعادة “الشرعية” بالنيجر، عبر إعادة الرئيس المنتخب ديمقراطيا إلى الحكم، يفترض في الواقع حصول وضعِيَّةَ” تهديد السلم والأمن الدولي أو الاخلال بهما”، وهي حالة يبدو أن أركانها غير متوفرة لحدود الساعة في أزمة النيجر.

 

فمن الناحية القانونية يجب أن يُكيّف مجلس الأمن الأوضاع في النيجر كونها تهدد السلم والأمن الدوليين، حتى يَجد الأساس القانوني لأية “خطوة عسكرية” للأمم المتحدة في البلاد. أما السماح لأي قوة أخرى(كالقوات الفرنسية المتواجدة الآن في النيجر منذ مدة) باستعمال القوة وبعدَه يتِمُّ استدعاء، أو حتى استدراج الأمم المتحدة متمثِّلة في قوات ل”حفظ السلام” (لحفظ الوضع الذي يمكن أن تصنعه أي قوات تتدخل في النيجر) سَيُعَدُّ من قَبِيل العمل غير القانوني وغير المشروع. وسيناريو من هذا القبيل سبَقَ وأن وقع في العديد من المناسبات؛ كما هو الأمر في “ساحل العاج”(2002/2004و 2010).

 

إن الأوضاع في “النيجر” لم ترتقي لحالة تهدد السلم والأمن الدوليين، حتى يسمح بالتدخل فيها من طرف مجلس الأمن بالقوة العسكرية، لإعادة السلم والاستقرار، فعلى الأقل من اللازم أن تحدث بعض الأمور وتتحقق بعض المعطيات حتى يذهب مجلس الامن في هذا الاتجاه لِيعتَبِر الوضع في “النيجر” بأنه يهدد السلم والأمن الدوليين(للإشارة فتعبير “تهديد السلم والأمن الدولي” لايوجد له أي تعريف قانوني وليست هناك معايير معينة لتحديده، لذلك نجد مجلس الأمن يستغل غموض هذا التعبير فيستعمله لتبرير استعماله للقوة العسكرية في حالات ربما لم ترتقي إلى مستوى ذلك!) ومن هذه الأمور-كما اعتادت الممارسة الأممية أن تنطلق منها- مثلا؛ وجود أوضاع إنسانية مزرية بسبب حرب أهلية، قتل المدنيين، وجود انتهاكات وخروقات لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني، وقوع جرائم ضد الانسانية..قيام هجرات جماعية للاجئين ومهجرين، بما يمس أمن واستقرار الدول المجاور، اعتراض طريق المنظمات الانسانية..، إلى غيره من المبررات التي يمكن أن يرتكز عليها مجلس الأمن لاعتبار الوضع في “النيجر” يدخل في خانة الأوضاع التي يجب أن تعالج في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

 

فالأوضاع في النيجر، إلى حدود الوقت الحالي، تتمثل في وقوع انقلاب على السلطة المنتخبة واستيلاء العسكر عليها بالقوة، ومع ذلك ليست هناك مواجهات عسكرية أو قتل للمدنيين، أو شيئ آخر يمكن أن يبرر أي تدخل أممي أو أي تدخل لأية جهة أخرى، فما يجري في النيجر لايزال يحدث في نطاق النيجر وحدها، فرغم أن الأعمال/الانقلاب التي وقعت في هذا البلد هي ضد الديمقراطية وتنذر باضطراب الاوضاع وانفلاتها في أي لحظة، فإن المسألة في هذه الدرجة من الأزمة لا تصل إلى المستويات التي تستدعي تدخل الأمم المتحدة أو “الايكواس” بالقوة.

 

إن أي تدخل بالقوة ل”الايكواس” في النيجر سيزيد الأزمة تعقيدا، فمن جهة هناك معارضة من داخل “الايكواس”، على اتخاذ مثل هذا القرار(بوركينافاصو، مالي)، كما أن دولا أخرى غير متحمسة له، وهناك أيضا توجه دولي يرفض قرار التدخل العسكري، كما أنه في النيجر لم يبرز لحد الساعة أي طرف مؤثر يشجع على اللجوء إلى “قوة” الإيكواس.

 

إن بعض الدول الغربية، خاصة فرنسا كانت تمنِّي النفس من أجل أن يحدث التدخل في النيجر، لذلك أيَّدت ومنذ البداية كل التوجهات التي كانت ترمي في اتجاه القيام بعمل عسكري في النيجر، لكن “الايكواس” رغم تهديدها في البداية وإمهالها مدد محددة”للمجلس العسكري” في النيجر لإعادة السلطة المنتخبة للحكم، فإن ذلك لم يكن لِيُزعزِع عزيمة الانقلابيين في الاستمرار في “الحكم”- لايكمن ذلك في قوتهم بقدر ما يرتبط بالسياق الدولي والاقليمي وبوجود قوى دولية مساندة- وأكثر من ذلك عينوا(موازاة مع الاجتماع الثاني للإيكواس) حكومة انتقالية في البلاد!

 

هذه المعطيات كلها جعلت “الايكواس” تتريَّث ويبدو أنها تسير في اعتماد طريق المفاوضات، باعتباره يبدو الطريق الأنسب والأسلم لدعم النيجر لتخرج لِبرِّ الأمان.

 

فرغم أن “الايكواس” أبدت عزمها الابقاء على جميع الخيارات(كما جاء في بيان اجتماعها الثاني الخاص بالنيجر والمنعقد في”أبوجا” يوم الخميس 10غشت 2023)، بما فيه التدخل العسكري لحل أزمة النيجر، فإن “تشديد قادة الايكواس على دعمهم الحازم لحل أزمة النيجر دبلوماسيا” يظهر نوع من القناعة لديهم بِكَون الخيار السياسي هو الخيار الوحيد الذي يمكن عن طريقه العبور بالنيجر و بأقل الخسائر نحو خلق نوع من”الاستقرار” النسبي وليس نحو الدبمقراطية!.

 

صحيح أن الانقلاب على السلطة المنتخبة عمل ضد الديمقراطية والارادة الحرة لشعب النيجر، لكن سياق وقوع هذا الانقلاب، وطريقة تدخل الاطراف الاقليمية والدولية لاستعادة ‘الوضع الدستوري’، ومعالجة الأزمة في النيجر يثير العديد من الاشكالات القانونية والسياسية..، وما يزيد الأمور تعقيدا وجود مصالح استراتجية حاسمة للقوى الدولية في منطقة غرب إفريقيا.

 

إن الأزمة في النيجر كشَفَت بشكل ملموس عن وجود تفاعلات استثنائية في منطقة “الايكواس”، والتي سوف تفضي إلى العديد من النتائج من بينها:

أولا: تراجع وأفول فرنسا، باعتبارها القوة الاستعمارية التقليدية في المنطقة، فهذا الأمر أصبح واقعا في “بوركينافاصو” و”مالي” و”إفريقيا الوسطى”..ففرنسا ستعرِف مزيدا من الانهيار وسوف تسقط، لا محالة، في افريقيا وستطرد بشكل مهين.

 

ثانيا: “الايكواس” تتشكَّل من دول أنظمتها السياسية تتلقى، في الأصل، دعما ومساندة من فرنسا(مثل ساحل العاج..) وساهمت في هندسة وصولها إلى الحكم، لذلك فقرار عدم الرضوخ للموقف الفرنسي، الذي يهدف إلى التدخل في النيجر، لا يعطي الإشارة فقط بأنه بداية نهاية التخلص من الإملاءات الفرنسية، بل يعتبر في حد ذاته انقلابا على “السلطة الفرنسية” في غرب إفريقيا و”ثورة” عليها.

 

ثالثا: تشكُّل نخب جديدة(عسكرية وسياسية)في دول المنطقة قد تشق طريقها نحو الاستقلالية في اتخاذ القرار- هذا أمر غير مستحيل لكن صعب التحقق في الوقت الراهن- وقد تصبح رهينة في أيدي قوى دولية؛ كروسيا التي بدأت تتوغل عسكريا في المنطقة-عبر شركة “فاغنر”- والصين التي انطلقت تتمدد اقتصاديا بهدوء، أما الولايات المتحدة الأمريكية فتجربتها الافريقية لم ترتقي بعد رغم أنها مؤهلة لأن تحتل مواقع ومساحة في السياسة الافريقية وخلق حلفاء بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

 

رابعا: بعدما ساد اعتقاد بأن البلدان الافريقية بدأت تشق طريقها نحو ترسيخ الدولة؛ القائمة على مؤسسات ديمقراطية، نابعة من انتخابات حرة ونزيهة، حيث كانت هناك، فعلا، إشارات وانعكاسات إيجابية، ظهرت بوادرها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، والتي نتجت عن اتباع نوع من الممارسة الديمقراطية ببعض الدول(مثل رواندا..)، لكن بحدوث انقلابات متتالية، في السنوات الأخيرة، على السلطات المنتخبة أصبحت معه مسألة قيام “دولة قوية” وذات مؤسسات، في البلدان الافريقية، على المحك وموض شك، خاصة وأن القوى الدولية لن تسمح بتشكيل أنظمة ديمقراطية في المنطقة لأن ذلك، طبعا، سَيُعِيق امتدادها و لن يخدم مصالحها.

 

خامسا: إن التطورات الذي تعرفها دول غرب إفريقيا، الساحل والصحراء ستَضَع المنطقة أمام مخاطر أمنية غير مسبوقة، فبالاضافة إلى انخراط أطراف “رسمية” في صراع المصالح وتوظيفها لأدوات مختلفة؛ ميلشيات عسكرية موالية للحكومة أو ضدها(على شاكلة “قوات الدعم السريع” في السودان)، أو شركات عسكرية (مثل مرتزقة “فاغنر” الروسية) للسيطرة على السلطة، أو على الأقل جزء منها، في هذه البلدان، فبالاضافة إلى ذلك، فإن المنطقة مرشحة، في ظل هذه الظروف، بأن تصبح مرتعا لجميع أشكال الجريمة وللتنظيمات المتطرفة، كالجماعات الارهابية..، لذلك فأي خطوة متسرعة وغير محسوبة في النيجر(من جميع الأطراف التي تتفاعل في هذه الأزمة) ستجر،دون شك، إفريقيا نحو المجهول.

تاريخ الخبر: 2023-08-14 00:11:20
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 62%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

إبادة جماعية على الطريقة اليهودية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:06:57
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

تعليق الدارسة وتأجيل الاختبارات في جامعة جدة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:23:55
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

ما خسائر قطاع النقل والمواصلات نتيجة الحرب في غزة؟

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:22:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 62%

يعيش في قلق وضغط.. هل تُصدر المحكمة الجنائية مذكرة باعتقال ن

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-04-29 06:22:01
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية