الدار/ تحليل
يمثل اعتراف إسرائيل التاريخي بمغربية الصحراء ثمرة التطور الهائل الذي عرفته العلاقات مع المغرب منذ توقيع الاتفاق الثلاثي في دجنبر 2020 بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية. فالقرار الذي أعلنته القيادة الإسرائيلية في شهر يوليوز الماضي وأعقبته رسالة ملكية إلى الوزير الأول بنيامين نتنياهو كان جوابا بليغا لتأكيد أن هذا الزخم الذي تعرفه العلاقات بين الرباط وتل أبيب ليس مجرد نزوة سياسية عابرة فرضتها ظروف التحوّلات الهائلة في المنطقة العربية، التي أفضت إلى ما عُرف باتفاقات إبراهيم بمشاركة عدة دول منها الإمارات العربية المتحدة والسودان. الزخم الهائل الذي تشهده هذه العلاقات يؤكد العمق التاريخي للارتباط بين المغرب وبين جزء كبير من جاليته من أصحاب الديانة اليهودية الذين يعيش غالبيتهم في إسرائيل.
هذا التطور عبّرت عنه الحركية الدبلوماسية الهائلة التي شهدتها العلاقات بين البلدين بتبادل عدد كبير من الزيارات بعد أن حلّ ببلادنا مسؤولون إسرائيليون من مستويات رفيعة. في يونيو الماضي كانت زيارة رئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) أمير أوحانا حدثا دبلوماسيا كبيرا خاصة أن الأمر يتعلق بمسؤول إسرائيلي من أصول مغربية يعتز بها. كانت أهمية هذا الزيارة في كونها الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، زيادة على أنها شكلت فرصة أولى لترتيب إجراءات اتخاذ إسرائيل قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة أن الوزير الإسرائيلي دعا بلاده خلالها أمام وسائل الإعلام إلى الإعلان الرسمي عن هذا الاعتراف.
وتعدّ سنة 2023 الفترة الأكثر زخما في تاريخ هذه العلاقات من حيث زيارات المسؤولين الإسرائيليين التي شملت 4 وزراء و3 مسؤولين عسكريين كبار إضافة إلى رئيس الكنيست، وتخللها توقيع اتفاقيات تعاون في القطاعات “العسكرية والاقتصادية والصحية والزراعية والنقل والتعليم العالي والشأن البرلمان والسياسي”. وعلى المستوى الاقتصادي والتجاري لم تتوقف زيارات وفود رجال الأعمال الإسرائيليين إلى المغرب منذ استئناف العلاقات. ونظمت شركات الاستشارات المتخصصة على سبيل المثال ما بين 11 و18 يونيو الماضي زيارة لوفد من رجال الأعمال الإسرائيلين الذين حلّوا بالمغرب لاستكشاف فرص التعاون والاستثمار التي تتيحها المملكة.
ومع هذا الزخم الاقتصادي والتجاري الهائل من المتوقع أن يواصل حجم التبادل التجاري بين المغرب وإسرائيل الارتفاع، ويُرجح بقوة أن يتجاوز سقف 200 مليون دولار خلال العام الجاري، بعد أن بلغ حجم الصادرات والواردات بين المغرب وإسرائيل في العام المنصرم إلى 180 مليون دولار أمريكي، بزيادة وصلت إلى 160 بالمئة مقارنة بالحجم المسجل في عام 2020. ويشمل هذا التبادل على الخصوص المجالات الزراعية والمنتجات البحرية وقطاع الأسلحة.
ويعد المجال السياحي أكثر القطاعات التي تجسد سرعة تقدم العلاقات بين البلدين. فقد شهد تدفق السياح الإسرائيليين إلى المغرب طفرةً هائلة بعد جائحة كورونا، ونجح إطلاق رحلات جوية مباشرة بين الرباط وتل أبيب في استقطاب عشرات الآلاف من السياح الإسرائيليين وخاصة من ذوي الأصول المغربية، المتشوقين لزيارة المملكة. وتجلّت هذه الطفرة في استحواذ الإسرائيليين على أكثر من نصف (55%) التأشيرات الإلكترونية التي منحتها السلطات المغربية في الاثني عشر شهراً الأخيرة، ما يكشف عن إمكانية تحوُّل إسرائيل إلى سوق رئيسية مصدّرة للسياح إلى المغرب. وتكشف البيانات أن أكثر من 51550 مواطنا إسرائيليا قاموا بزيارة المغرب خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية، بزيادة تجاوزت 115 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، منهم 15325 زاروا المملكة خلال أبريل الماضي.
ويمثل التعاون الأمني والعسكري أيضا واحدا من المحاور الرئيسية التي تعبّر عن هذا التطور السريع والهائل في العلاقات المغربية الإسرائيلية. لقد تمكن المغرب بفضل هذا التعاون من الحصول على أنظمة دفاعية ومعدات عسكرية جد متطورة من الشركات الإسرائيلية المصنعة، كما شاركت إسرائيل لأول مرة في تاريخها في مناورات الأسد الإفريقي 2023 التي نُظمت في يونيو الماضي. وتعد هذه المشاركة أكبر دليل على مناخ الثقة الهائل الذي تكرّس بين الرباط وتل أبيب بسرعة كبيرة والاتجاه الإيجابي الذي سارت فيه العلاقات بينهما على نحو يخدم مصلحتهما المشتركة ويصبّ في مصلحة الاستقرار الإقليمي والدولي.
ليس من السهل بتاتا أن تصل العلاقات بين بلدين بعد استئنافها ببضعة أشهر فقط إلى هذا الزخم الهائل سواء على مستوى توحيد المواقف والرؤى أو على مستوى تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي أو دعم التدفقات البشرية المتبادلة. هذا النمو الكبير الذي يتحقق هو الذي يفسر العمق التاريخي للعلاقات بين البلدين ويعتمد بالأساس على ثقة الجالية اليهودية المغربية التي لم تنقطع علاقتها بالمغرب أبدا على الرغم من مرور عشرات السنين على مغادرته أو الهجرة منه.
