تحديات مؤشرات الصين الاقتصادية


خفض البنك المركزي الصيني الفائدة الأساسية، الثلاثاء الماضي، وهو الخفض الثاني خلال ثلاثة أشهر. ويبدو أن فترة الازدهار السريع التي كانت سائدة لأعوام بدأت تتلاشى، وأن الاقتصاد الصيني يواجه تحديات متزايدة. وعلى النقيض من البنوك المركزية الغربية يتبنى البنك المركزي الصيني حاليا سياسات تيسير نقدي لتحفيز الأنشطة الاقتصادية. وتشير بيانات الائتمان الجديد ليوليو الماضي، إلى تناقص حاد عن الشهر الذي قبله، وإلى مستويات هي الأقل منذ 2009. وهذا مؤشر قوي على تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين وميلهم للتريث حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية. ولم تقتصر بيانات يوليو الاقتصادية السلبية على تدني الائتمان، وإنما أتت بصدمة قوية عندما أشارت إلى انكماش الأسعار، وانخفاض أحجام التجارة الخارجية.

انخفض مؤشر تكاليف المستهلكين الصيني في يوليو الماضي 0.3 في المائة على أساس سنوي، كما تراجع للفترة نفسها مؤشر أسعار المنتجين "الأسعار من أبواب المصانع أو أسعار الجملة" 4.4 في المائة. وأثارت هذه البيانات قلق المختصين وصناع القرار والأسواق العالمية حول تطورات الاقتصاد الصيني وسرعة تجاوزه التحديات القائمة. ويبدي المختصون قلقا متزايدا حول انكماش الأسعار، لأنه يدفع المستهلكين إلى إرجاء قرارات الشراء والاستثمار، ما يعمق الأوضاع الاقتصادية الهشة ويدفع إلى مزيد من التراجع. ومرت اليابان بفترة طويلة من انكماش الأسعار الذي عرقل نموها الاقتصادي أعواما طويلة. في المقابل، يبدي كثيرون تفاؤلهم حول تراجع الأسعار في الصين، نظرا إلى كونها عند مستويات دخل متوسطة، ولديها فرص لتحفيز النمو أكبر من اليابان في أعوام جمودها الاقتصادي.

مادة اعلانية

كان متوقعا أن يشهد الاقتصاد الصيني هذا العام فترة انتعاش قوي بعد أزمة كورونا وانتهاء سياسات الصين الصارمة تجاه انتشار الوباء. وحقق الاقتصاد الصيني -بعد التخلي عن الإجراءات المتشددة- نموا معقولا في النصف الأول من العام، لكن المعدلات تراجعت خلال الشهور الأخيرة. ويظهر بشكل واضح أن هناك ضعفا في ثقة المستهلكين خفض معدلات نمو الاستهلاك وقوى الميول تجاه الاكتناز وإرجاء قرارات الاستهلاك والاستثمار. وتأتي الإشكالات المحيطة بالسوق العقارية التي كانت تشهد فقاعة لعدة أعوام، كأبرز عوامل ضعف ثقة المستهلكين. وسعت السلطات إلى كبح آثار الفقاعة بسرعة أكثر من اللازم، ما خفض الطلب وأسعار العقارات. وتسبب تراجع الأسعار في خفض ثروات المستهلكين مولدا ما يسمى أثر الثروة، حيث يقود تراجع الثروة إلى إحجام المستهلكين عن الإنفاق وزيادة الادخار.

سارعت السلطات الصينية إلى تحفيز الاقتصاد بقوة على مستويات الحكومات المركزية والولايات والمحليات بعد الأزمة المالية العالمية ولعدة أعوام. وراكم هذا ديون الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة إلى مستويات مرتفعة. وقاد تراكم الديون إلى خفض قدرات تلك الحكومات والمؤسسات على الاستدانة، ما قلص قدراتها على إنشاء مشاريع البنية الأساسية جديدة، وخفض نمو الطلب عموما.

شهدت التجارة الخارجية تراجعا أكثر من المتوقع سواء على مستوى الصادرات أو مستوى الواردات. وانخفضت صادرات الصين ووارداتها على أساس سنوي بأكثر من 10 في المائة في يوليو الماضي، وجاء التراجع نتيجة ضعف الطلبين المحلي والخارجي. وتشير بيانات تجارة النمور الآسيوية، ككوريا الجنوبية، إلى تراجع معتبر في صادراتها للصين. من جانب آخر، أضاف توتر العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والعقوبات التي تفرضها، خصوصا في مجالات التقنية، مزيدا من الضغوط على تجارة الصين الخارجية. وتراجعت الصادرات الصينية بقوة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل أكبر من باقي شركائها التجاريين. من ناحية أخرى، يبدي مزيد من المستثمرين الغربيين توجها لنقل سلاسل إنتاجهم لدول أخرى، ما سيؤثر سلبا في الاستثمارات الأجنبية في الصين وتجارتها الخارجية.

يهتم العالم كثيرا بما يحدث في الصين، حيث تعمل كقاطرة مهمة للنشاط الاقتصادي العالمي، فهي ثاني اقتصاد من حيث الحجم بناتج محلي إجمالي قدر بنحو 18 تريليون دولار في 2022. كما أنها أكبر مصدر في العالم وثاني مستورد. وتمثل الصين أهمية خاصة للدول النامية، حيث تحتل صدارة مستوردي المواد الخام بما في ذلك النفط. وتتربع الصين على قائمة مستوردي النفط في العالم بأكثر من عشرة ملايين برميل يوميا. وأسهم تسارع نمو استهلاكها في تحفيز أسعار النفط خلال الأعوام الماضية. لهذا تلعب تطوراتها الاقتصادية دورا مهما في تحديد أسعار النفط والمواد الخام الأخرى، وربما تكون الأبرز على المستوى العالمي.

وعلى الرغم من التحديات الجمة التي يواجهها الاقتصاد الصيني إلا أن من المتوقع أن يحقق نموا هذا العام 5 في المائة، وهو مرتفع بمعايير باقي الدول، لكنه منخفض مقارنة بمعدلات نمو الصين التاريخية. وتنمو الدول ذات النماذج الاقتصادية الناجحة عادة بمعدلات مرتفعة عند بداية نهضتها. وتتناقص هذه المعدلات مع مرور الوقت بسبب تراجع العوائد التنموية من مشاريع البنية الأساسية والتنمية البشرية. ويصعب بعد تحقيق الدول مستويات دخل معينة الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة، لهذا تدخل دول كثيرة فيما يسمى مصيدة الدخل المتوسط، وتحتاج إلى إصلاحات وسياسات اقتصادية محفزة للإنتاجية والكفاءة والتطور التقني.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية".

تاريخ الخبر: 2023-08-20 03:09:44
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 82%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية