ما أفق الاحتجاجات التي تشهدها سوريا؟

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

من المظاهرات المناهضة للحكومة السورية في السويداء

يعيش السوريون تحت أوزار حرب مزّقت البلاد. الوضع الإنساني مترهّل والحكومة في موقف العاجز عن إيجاد أي حلول، في وقت لم يعد التململ من انتشار الفقر وتردّي الحالة المعيشية خافياً على أحد.

لم يعد الانتقاد العلني للمسؤولين بسبب الأوضاع المعيشية خافتاً، سواء في تعليقات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال الاحتجاجات الشعبية التي تركزت خصوصاً في محافظتي السويداء ودرعا جنوبي البلاد، مع أنباء عن تحركات مماثلة في بعض مدن الساحل.

وتشهد محافظة السويداء مظاهرات احتجاجية مناهضة للحكومة منذ أيام، في ظلّ إضراب للمحال التجارية والمرافق العامة في المنطقة.

وتداولت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات فيديو لتجمعات احتجاجية، تخللها إحراق إطارات وقطع طرقات، مع ترداد شعارات منها "الحرية" و"يسقط بشّار الأسد"، و"عاشت سوريا".

وقال "تلفزيون سوريا" المعارض إن محتجين في قرية دوما بالسويداء أغلقوا مبنى البلدية ومباني الفرع المحلي لحزب البعث الحاكم.

وأظهر مقطع فيديو نشرته القناة رجالاً يزيلون ملصقاً كبيراً يحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد عن المبنى.

وانتشرت تسجيلات فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لأشخاص يعتقد أنهم من الساحل السوري، المعروف بموالاته للنظام، ينتقدون الأسد بشكل مباشر.

ولم تتمكّن بي بي سي نيوز عربي من التأكد من مصادر التسجيلات المنتشرة من مصادر مستقلّة.

سوريا تضاعف رواتب القطاع العام وترفع الدعم عن الوقود

وتأتي هذه الاحتجاجات رداً على قرار وزارة التجارة الذي اتخذ قبل أيام، برفع الدعم عن الوقود مما أثّر سلباً على معيشة السكّان الذين يعانون جراء تدهور الاقتصاد السوري بعد 12 عاماً من النزاع. وكان الرئيس السوري قرّر في الوقت عينه مضاعفة رواتب القطاع العام.

ظرف اقتصادي خانق

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

ويبدو أن الإعلام السوري الموالي منه والمعارض، يتفق على أن الأزمة المعيشية لم تعد تحتمل، رغم الاختلاف حول أسبابها.

ورأت صحيفة "الوطن" الموالية للحكومة السورية أن قرار رفع الدعم أحدث "فوضى كبيرة" في قطاع النقل الداخلي، وتحدثت عن "القرارات المتسرعة وغياب التنسيق بين السلطات والوزارات المعنية".

أما "تلفزيون سوريا" المعارض فقال إن أسعار المواد الغذائية والطازجة ارتفعت بنسبة تراوحت بين 15 بالمئة و25 بالمئة في الأيام التي تلت رفع الدعم عن الوقود، مشيراً إلى أن أي زيادة في الأجور لن تتناسب مع التضخم.

الأزمة الاقتصادية الخانقة جعلت غالبية السوريين تحت خط الفقر، في ظل ارتفاع حاد للأسعار، وفقدان العملة المحلية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها، بينما يعاني أكثر من 12 مليون مواطن من انعدام الأمن الغذائي، وفق الأمم المتحدة.

وتقول مواطنة سورية، تفضّل عدم التصريح عن اسمها، لبي بي سي نيوز عربي: "الاحتجاجات سلمية تطالب بحقوق أقل من طبيعية. الحياة صعبة فلا كهرباء ولا مياه". وتتابع: "لا يهمني إن سقط النظام أم بقي. أتمنى فقط أن نحصل على الخبز من دون ذل الوقوف في طابور".

ولا يخفى أن العقوبات الاقتصادية على سوريا لعبت دوراً في تردي الوضع الإنساني، وأبرزها ما عرف بـ "قانون قيصر" الذي فرضته الولايات المتحدة عام 2020.

كما أن عوامل كثيرة تعمّق من الأزمة، منها "الاحتلال الأمريكي لأهم منابع الثروة السورية المتمثلة بالنفط والقمح وكذلك القطن بالتعاون مع ميليشيات محلية، إضافة إلى الفساد وسوء إدارة المؤسسات السورية"، بحسب المحلل الاقتصادي شادي أحمد في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي.

وباستعادة هذه الموارد تستغني الدولة عن استيراد المشتقات النفطية، فحقل عمر لوحده يوفّر 90 ألف برميل، بحسب أحمد.

ويضيف "رفع العقوبات الاقتصادية التي تعيق وصول الخبز والدواء عن سوريا، ومحاربة الفساد"، من العوامل الأخرى التي قد تدفع عجلة الاقتصاد.

صدر الصورة، السويداء 24/فايسبوك

حراك "10 آب"

وبموازاة التحركات الاحتجاجية في عدد من المحافظات، برز على مواقع التواصل حراك تحت وسم "10 آب"، يعرّف عن نفسه عبر صفحته على فيسبوك بأنه "حركة شبان سوريين لا يتقيدون سوى بولائهم لسوريا"، والذين يسعون لتحقيق "تغييرٍ سياسي واجتماعي سلمي" في البلاد.

وأبرز مطالب الحركة:

  • تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 - الذي يضع إطاراً لانتقال سياسي شامل في سوريا، والكشف عن مصير المعتقلين السياسيين.
  • الدعوة إلى القضاء على المذهبية والعنصرية في سوريا وعقد حوار سوري داخلي يمثل جميع شرائح المجتمع.
  • حث قوى المعارضة داخل وخارج سوريا على توحيد صفوفهم وإزالة "العملاء والخونة" من صفوفهم.

صدر الصورة، حركة ١٠ آب 10th of August Movement

التعليق على الصورة،

عن صفحة الحركة على فيسبوك

وعبر منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد الحركة أهدافها كحركة سلمية لجميع السوريين وتشارك رسائل تضامن من مختلف مدن سوريا، بما في ذلك دمشق، طرطوس والرستن، التي تخضع للسيطرة الحكومية.

ويرى بعض المعلقين على مواقع التواصل أن التظاهرات الأخيرة، قد تشكّل، إن استمرّت شرارة لانتفاضة شعبية تشبه انطلاق التظاهرات المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد عام 2011.

فيما يرى آخرون أن الأرضية ليست جاهزة لحراك شعبي واسع، كما أن الظرف السياسي الإقليمي مع عودة النظام إلى "الحضن العربي"، مختلف عما كان عليه قبل أعوام.

هل هناك أرضية لتحرّك شعبي أوسع؟

صدر الصورة، السويداء 24/فايسبوك

يقول رئيس تحرير نشرة The Syrian report جهاد يازجي لبي بي سي نيوز عربي إن "حجم المظاهرات صغير نسبياً وهي متركزة في السويداء وجزء من درعا".

وخلال أعوام الحرب السورية، بقيت السويداء معقل الأقلية الدرزية، بمنأى عن المعارك والاشتباكات بشكل عام.

يرى يازجي أنه "من الخطأ" فهم التحركات كمطالبات للنظام بتقديم "تنازلات اقتصادية، بل هي أشمل، مع إحساس سائد أن النظام عاجز عن طرح حلول". رغم ذلك، "الثورة بعيدة جداً"، بحسب تعبيره.

ويقول: "الغضب الشعبي الذي يعبر عنه على وسائل التواصل الاجتماعي، والتململ في الساحل السوري أيضاً، هو نتيجة غضب واسع في المجتمع، ضد شروط الحياة التي يعيشها".

اللاجئون السوريون: رحلة معاناة أبو قاسم مع "الفشل الكلوي" وسط مطالبات بتأمين العلاج

السفارة السعودية في سوريا: استئناف العمل الدبلوماسي المتبادل بين السعودية وسوريا

من جانبه، يقول الصحافي والباحث مازن عزي لبي بي سي نيوز عربي، إن السويداء تشهد تظاهرات متكررة منذ عام 2018، وبعضها استمرّ في السابق لأسابيع.

ولدى السؤال عن سبب تركّز المظاهرات في السويداء، يقول عزي إن "الدولة تتجنب الدخول في مواجهات عنيفة مع أهل السويداء لأن للمنطقة حيثية خاصة كأقلية دينية".

وفي ديسمبر/كانون أول 2022، قُتل متظاهر وشرطي عندما تدخّلت قوات الأمن لقمع تظاهرة في مدينة السويداء.

كما أن المنطقة مركز لـ"فصائل مسلحة يتجنب النظام الدخول في مواجهة معها"، وفق عزي، لذا يقتصر تواجد الدولة هناك على الحد الأدنى.

وأظهرت تسجيلات مصورّة متظاهرين يحملون رجال دين دروزاً على أكتافهم، علماً بأنّ شيخ عقل الطائفة في السويداء حكمت سلمان الهجري سبق أن أدلى بتصريحات أيّد فيها مطالب المتظاهرين، معبّراً "عن قلقه العميق إزاء الأوضاع الحالية وداعياً إلى التحرّك من أجل تحقيق التغيير والعدالة".

ويأتي موقف الهجري، متماشياً مع مواقفه السابقة في تحركات مماثلة خلال السنوات الأخيرة، مؤيداً للتحرك، ومهاجماً سياسات الحكومة السورية.

وظهر الهجري، الذي يعتبر على علاقة جيدة بالنظام والجماهير على السواء، وسط مؤيديه في تسجيل فيديو الإثنين، يمتدح حراكهم ويحثّهم على تجنب التعرض لأي منشأة "وعدم حرف مسارهم".

ويوضح عزي أن موقف الشيخ الهجري هو نفسه منذ عام 2020.

حال درعا مشابهة لحال السويداء، إذ أنها تحوي مجموعات مسلحة ولجنة مصالحة، "ما يسمح للناس بالتحرك"، بحسب عزي.

وأفادت وسائل إعلام معارضة عن وقوع اشتباكات بين مسلحين محليين وقوات الأمن العسكري في درعا، ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد الأمن.

من جانبه، يعتقد الصحافي رواد بلان، المقيم في السويداء، أن المظاهرات تدل على "مشاكل عميقة في المجتمع السوري، بينما تعزو السلطة والمؤسسات الوضع القائم إلى العقوبات، وضعف في الإنتاج، وعدم سيطرتها على جزء من ثرواتها".

يرى بلان أنه إما أن تخلق "الاحتجاجات قيادات حقيقية لها برامجها وآليات عمل خارج الشارع لتحقيق مكاسب، وإما تستمر عدة أيام وينهك المتظاهرون أو يقابلون بشارع موالٍ للنظام، كما حدث سابقاً".

في الوقت عينه يخشى بلان أن "تنزلق الأحداث نحو العنف مع غياب القيادات، وهذا هو الخطر الأكبر أن نعيد أحداث 2011 من جديد".