كان يطلق عليه اسم "طباخ" بوتين. قُتل زعيم المجموعة شبه العسكرية الروسية فاغنر، يفغيني بريغوجين (61 عاما) الأربعاء خلال تحطم طائرة صغيرة كانت تقله من العاصمة الروسية موسكو باتجاه مدينة سان بطرسبورغ، مسقط رأسه، رفقة سبعة عسكريين آخرين، من بينهم مساعده المباشر ديميتري أوتكين وثلاثة من أطقم الطائرة. وكان بريغوجين سافر إلى مدينة سان بطرسبورغ بعد عودته من أفريقيا.

تضارب في أسباب الحادث

وتضاربت المصادر فيما بينها حول يفغيني بريغوجين. فصحيفة "كومرسانت" الروسية قالت، نقلا عن خبراء في المجال الجوي الروسي، إن الطائرة التي كانت تقل بريغوجين تكون ربما قد تعرضت إلى ضربة صاروخية أحدثت ثقوبا في جسمها، دون أن يتم التأكد من صحة هذه الرواية.

ونقلت "فرانس 24" ما كتبته جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن بريغوجين الذي كان على متن طائرة برازيلية من طراز "600 بارير" قديمة الصنع، تعرضت إلى خلل ولم يتم تأهيلها منذ زمن بعيد بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، ما أدى ربما إلى سقوطها.

من سيخلف بريغوجين؟

ومع وفاة يفغيني بريغوجين، تكون مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية قد فقدت زعيما مهما لها. كما تثير وفاته تساؤلات عديدة عن اسم الرجل الذي سيخلف بريغوجين الذي كان يعتبر مقربا من الرئيس بوتين قبل أن يتمرد عليه دون إطلاق رصاصة واحدة في 24 يونيو الماضي، عندما استولى على مقر الجيش الروسي في روستوف أون دون، مركز قيادة العمليات في أوكرانيا، بعد أن اتهم الجيش الروسي بقصف معسكرات مجموعته في اليوم السابق.



وبين بوتين وبريغوجين علاقة مترابطة وقوية نسجها عندما كان يعمل طباخا في قصر الكرملين. فالرجلان ينحدران أيضا من نفس المدينة وهي مدينة لينينغراد سابقا التي تغير اسمها فيما بعد إلى سان بطرسبورغ.

ويتمتع بريغوجين بقوة اقتصادية ومالية كبيرة في روسيا. إذ يملك عددا من المطاعم الفخمة في موسكو وسان بطرسبورغ قبل أن يستحوذ على شركة "كونتراست" التي تعتبر أول سلسلة متاجر البقالة في نفس المدينة.

بدأ حياته العملية ببيع النقانق مع والدته في الأسواق الشعبية. كان يطمح أن يكون متزلجا محترفا، لكن رغم انضمامه إلى مدرسة رياضية عريقة في مجال التزلج، إلا أنه أخفق في تحقيق نتائج مرضية. لهذا السبب قرر اقتحام عالم الاقتصاد والتجارة بقوة ليبني في غضون سنوات قليلة فقط أسطولا اقتصاديا وتجاريا كبيرا.

دعم عسكري مقابل الأموال والمعادن النادرة

وأسس العديد من الشركات الرابحة منها شركة "سبيكتروم" المتخصصة في ألعاب القمار وشركات أخرى متخصصة في التجارة الخارجية قبل أن يخوض تجربة المطاعم الراقية. إذ افتتح العديد من هذه المحلات، لا سيما مطعم "نيو أيلاند" بموسكو الذي زاره الرئيس بوتين وتناول فيه العشاء رفقة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك في 2001 ورئيس الولايات المتحدة جورج دابليو بوش في 2013.

لكن الشركة التي كسب بها بريغوجين نفوذا يمكن أن يوصف بالعالمي هي شركة فاغنر شبه العسكرية التي قدمت خدمات عسكرية للكثير من الدول الأفريقية كمالي وأفريقيا الوسطى وليبيا لصالح حفتر و السودان...مقابل أموال باهظة واستثمارات في حقول الذهب والماس والمعادن النادرة والتي جلبت لصاحبها أرباحا هائلة.

أكثر من ذلك سمحت له أن يتمتع بنفوذ سياسي كبير في روسيا حيث اقترب أكثر من الرئيس بوتين وفي الخارج، ومن ثم في القارة الأفريقية إذ يملك عدة قواعد عسكرية ويقوم بتدريب بعض العسكريين الأفارقة ويقدم لهم النصائح في مجال الاستراتيجية العسكرية.

سطع نجم بريغوجين أكثر على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية إذ تنقل شخصيا إلى منطقة دومباس للإشراف على عمليات القتال التي تنفذها هناك مجموعته.

كما شارك شخصيا في الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية في مارس الماضي. وظهر وهو يرتدي زيا عسكريا. لكن رغم استيلاء الجيش الروسي على هذه البلدة، إلا أن بريغوجين ظهر عدة مرات غاضبا ومتهما الجيش الروسي بوقف الإمدادات التي كان يقدمها لمقاتلي "فاغنر" في البلدة، مما تسبب في مقتل العشرات منهم.

وألقى اللوم على وزير الدفاع الروسي شيغو سيرغي الذي لم يقدم له حسبه الدعم العسكري اللازم للظفر ببلدة باخموت بسرعة وبأقل الخسائر في الأرواح.

بقية القصة كانت معروفة وشبه متوقعة إذ قام يفغيني بريغوجين بالتمرد في يونيو 2023 على المؤسسة العسكرية الروسية، معلنا الزحف باتجاه مدينة روستوف الروسية والاستيلاء على مركز قيادة العملية العسكرية في أوكرانيا.



كما قرر بريغوجين الذهاب إلى موسكو عبر دبابات وشاحنات عسكرية بهدف السيطرة على العاصمة الروسية. لكن تدخل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشانكو أقنعه بوقف الزحف العسكري ودعاه إلى القدوم إلى بيلاروسيا. وهو ما قام به فعلا.

لا نعرف الكثير على المستوى الشخصي لهذا الرجل سوى أنه متزوج من ليوبوف فالنتينوفنا بريغوجينا (54 عاما) وهي صيدلانية وامرأة اعمال تملك عدة شركات لبيع المستلزمات الصحية ومتحف متخصص للشوكولاتة في مدينة سان بطرسبورغ وفق مجلة "لوفيغارو" الشهرية.

كما تنحدر أيضا من عائلة غنية. وللزوجين ابن وابنتين. واحدة منهن تقيم عدة مرات في السنة في مدينة نيس الساحلية بفرنسا وفق جريدة "نيس ماتان" وتمارس الفروسية.

لكن ونظرا للدور المساند الذي كانت تلعبه زوجة بريغوجين بشكل سري، قامت الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية بتسليط العقوبات عليها وعلى شركاتها في الخارج.

من هو أندريه تروشيف؟

ومع مقتل بريغوجين في حادث طائرة، بدأت التساؤلات تطرح حول مستقبل ميليشيا فاغنير. فهناك من يتنبأ بانقسامها إلى مجموعتين. المجموعة الأولى ستنخرط في صفوف الجيش الروسي والثانية ستكون تحت زعامة قائد جديد سيتم تعيينه في المستقبل القريب. وهناك من يقول بأن شركة "فاغنير" ستبقى كما هي الآن وأن القيادة هي التي فقط ستتغير.

فيما تشير بعض وسائل الإعلام إلى احتمال تعيين الجنرال المتقاعد أندريه تروشيف المقرب من الرئيس بوتين على رأس فاغنير. هذا العسكري المخضرم شارك في الحرب السوفياتية ضد أفغانستان في الثمانينيات ثم في حرب الشيشان وفي سوريا ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

كما عمل أيضا في قوات مكافحة الشغب في روسيا قبل أن ينتقل إلى مجموعة فاغنر ليكون من بين أبرز قائديها. فهل هو الرجل الجديد الذي سيتزعم هذه المجموعة شبه عسكرية في المستقبل القريب؟