تعيش المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة، على إيقاع حركية دبلوماسية مكثفة، لتنويع شركائها، سواء على المستوى الافريقي، العربي أو الدولي، وسعيا إلى الانفتاح على علاقات وشراكات جديدة، ترقى إلى مستوى تطلعاتها وطموحاتها، مع الحرص دائما على الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي والاقتصادي.
والحال أن سعي المغرب إلى تنويع شركائه الاقتصاديين، لا يعود إلى التحولات العالمية التي وقعت اليوم، وليست نية مسبقة لسحب البساط من تحت أقدام الأطراف التقليديين على صالح آخرين جدد، بل إن الأمر يتعلق بتوجه استراتيجي اختاره المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم، إذ وبالموازاة مع تحقيق شراكات اقتصادية واجتماعية، بدأت تظهر كذلك السياسات الخارجية ذات البعد الحضاري، وذات رؤى تضامنية وتنموية تطورت فيما بعد إلى سياسة تكامل واندماج.
في هذا الصدد يرى أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، أنه منذ تربع الملك محمد السادس على عرش المغرب، بدت الملامح الأولى لرؤيته الجيوسياسية وإعادة تموقع المملكة على رقعة الشطرنج العالمية، سواء في شقها السياسي والاستراتيحي أو شقها الاقتصادي، لأنهما مرتبطان ويكمل بعضهما البعض.
وأوضح نور الدين في تصريح لـ”الأيام24″، أن هذه الرؤية حرصت على بث رسائل الطمأنة للحلفاء التقليديين، ولكن مع السعي الحثيث نحو تنويع الشركاء. وهو ما تبلور في زيارات ملكية إلى موسكو وبكين ونيودلهي كللت بالتوقيع على شراكات استراتيجية، وتوقيع اتفاق التبادل الحر مع واشنطن، ثم بعد ذلك التوقيع على اتفاق برنامج يهم التعاون العسكري والأمني، يمتد الى غاية 2030.
وتابع المتحدث: “ولا ننسى العلاقات التاريخية التي يمكن أن نصفها بفوق استراتيجية مع مجلس تعاون الخليج العربي وخاصة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والتي توجت بقمة المغرب-الخليج سنة 2016”.
من جهة أخرى، أشار نور الدين أن هناك اتفاقات متقدمة لم ترق بعد الى الشراكة الاستراتيجية مع دول صاعدة مثل البرازيل وتركيا وتجمعات اقليمية في أمريكا اللاتنية، والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، بالإضافة إلى توقيع ألف اتفاقية في مختلف القطاعات خلال 50 زيارة قادت العاهل المغربي الى معظم دول القارة الافريقية.
وبخصوص دوافع هذا التنويع في الشركاء، قال الخبير في العلاقات الدولية، إن هناك جانبا جيوسياسيا يتعلق بازدواجية مواقف بعض الشركاء التقليديين الذين يريدون تعاونا أو “حبا” أحادي الجانب، حيث يطلبون تعاونا مغرييا في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية وتسهيل الاستثمارات والحصول على الصفقات الكبرى وغيرها من المصالح والمكاسب، مردفا: ولكن حين يتعلق الأمر بأهم ملف استراتيجي لمصالح المغرب وهو ملف الوحدة الترابية للمملكة، نجد هؤلاء الشركاء يلعبون على الحبلين، ويقفون في منزلة بين المنزلتين، رغم أن بعضا منهم كان من الناحية التاريخية وراء تقسيم اراضي المغرب، واعني خصوصا فرنسا واسبانيا.
وتابع: “أمام هذه الازدواجية وقع المغرب في فخ الابتزاز من أولئك الشركاء، فكان الرد المغربي هو تنويع الشركاء من أجل قلب المعادلة والخروج من وضعية الابتزاز، ومغادرة موقع الهشاشة الجيوسياسبة، بكسب شركاء جدد يمكن أن يشكلوا، عند الضرورة، بديلا للمتلاعبين بمصالح المغرب الاستراتيجية، أو على الاقل يمكن أن يشكلوا فزاعة لأصحاب المواقف المزدوجة بأن هناك منافسين يمكن أن يهددوا مصالحهم اذا استمر الغموض والابتزاز في علاقتهم بالمغرب”.
وأردف نور الدين، أن الباعث الثاني لتنويع الشركاء، يعود إلى مخطط المغرب لدخول نادي الدول الصاعدة، وهو ما يتطلب اسواقا جديدة لشركاته وصادراته، ويتطلب استثمارات ومصادر تمويل جديدة من أطراف متعددة، وتحويل التكنولوجيات، من خلال المنافسة، وأفضل العروض مقابل الفوز بصفقات المشاريع الكبرى بالمملكة.
وأشار المتحدث إلى ظهور تداعيات ايجابية لهذه الشراكات الجديدة، ومنها مضاعفة الناتج الداخلي الخام من بداية القرن الحالي إلى نهاية العشرية الثانية منه، وهذا الناتج مؤهل لأن يتضاعف مرة أخرى خلال العشر سنوات المقبلة، إذا حقق النموذج التنموي الجديد أهدافه المعلنة”.
وأضاف أن من تداعيات هذا التنوع في الشركاء، بروز صناعات مغربية قوية في قطاعات متطورة لم يكن للمغرب فيها ذكر، وتعزيز تواجد الشركات المغربية في إفريقيا وغيرها من القارات. وفي بعض القطاعات حقق المغرب الريادة على المستوى الافريقي كصناعة السيارات والطائرات والطاقات المتجددة والموانئ أو اللوجستيك بصفة عامة، وحقق المغرب الريادة العالمية بالنسبة لإنتاج الأسمدة والمخصبات التي ستتحكم في نسبة هامة من الأمن الغذائي العالمي.
