في المغرب، يكفي أن تكون شخصية مشهورة تظهر على التلفاز أو تطل عبر شاشات الهواتف النقالة، حتى تحظى، أثناء ترددك على المؤسسات العمومية، بمعاملة تفضيلية وتُعامل معاملة خاصة، قياسا بباقي أبناء جلدتك من المواطنين. هذا بالضبط ما حدث اليوم بالمركز الجهوي لتحاقن الدم بالدار البيضاء، تزامنا مع زلزال الحوز.
ومثلما تُظهر المحن معدن المغاربة وتكشف مدى تلاحمهم ترسيخا لقيم التضامن والتآزر المتجذرة في كل روح مغربية أصيلة؛ تُميط اللثام بالمقابل عن ممارسات لئيمة، بعيدة عن قيم “التمغرابيت” الحقة، التي يتمثلها طيف واسع من المواطنين الذين قصدوا منذ الساعات الأولى من يوم السبت، المركز الجهوي لتحاقن الدم بالدار البيضاء، من أجل منح قطرات من دمائهم لضحايا الهزة الأرضية العنيفة التي ضربت بعض مدن المملكة وخلّفت العديد من المصابين.
هذه اللفتة الإنسانية النبيلة ذات الأبعاد الرمزية والتضامنية التي عبّر عنها مواطنين من مختلف الأعمار والفئات والأوساط، أفسدتها “المحسوبية” وحولتها محاباة موظفين لمشاهير على حساب باقي المواطنين الذين هبوا إلى المركز متجردين من حسبهم ونسبهم ووظائفهم وثروتهم، إلى خيبة أمل وحسرة كبيرتين. ذلك أنه بينما كانت جموع المتبرعين (ضمنهم رجال أمن وأطباء وصحافيون) مصطفة ضمن طوابير ممتدة، تحت أشعة الشمس الحارقة، تنتظر دورها لتلبية نداء الواجب الوطني، حصلت بعض الوجوه المعروفة في عالم التمثيل والغناء، على امتياز جنبها ساعات طوال من الانتظار في ظروف استقبال سيئة.
وهكذا لم يخضع بعض الممثلين ومشاهير “السوشيل ميديا” الذين كانوا بعين المكان، إلى الإجراءات الروتينية الجاري بها العمل عادة عندما يتعلق الأمر بمبادرة للتبرع بالدم، كما لو أن الدماء التي تجري في عروقهم “نقية” مقارنة بتلك التي قرر الآلاف من المتطوعين منحها للضحايا بعيدا عن من يكونون، وهو ما أثار حنق مجموعة كبيرة منهم، احتجت بقوة رافضة هذا التمييز.
لكن الذي حدث، هو أن المسؤولة بمركز تحاقن الدم “الزرقطوني” التي طالبها الغاضبون بالتدخل لفرض احترام القانون على الجميع ووعدتهم بالاستجابة إلى مطلبهم مع دعوتهم إلى تهدئة الوضع حتى لا تنفلت الأمور ويعم الضجيج، وفق تعبيرها، شاهدتها “الأيام24” وهي تعدّ ساعد فنانة معروفة لعملية التبرع بالدم، بل وتشرف عليها.
الأكثر من ذلك، ولجت المغنية ذائعة الصيت قاعة التبرع بالدم عبر الباب الخاص بالأطر الصحية، وكان يرافقها “طاقم صحافي” تجند وراءها لنقل مبادرتها بالصوت والصورة.
وعلاوة على المفاضلة بين أبناء الوطن الواحد، عرفت عملية التبرع بالدم في هذا المركز عشوائية وسوء تنظيم، ما خلّف سخط البيضاويين الذين قضى بعضهم اليوم كله على الأرصفة في انتظار لحظة خلاص، فيما فُرضت على آخرين المغادرة، خصوصا وأن العملية كانت تتم على نحو بطئ جدا، نظرا إلى قلة الموارد البشرية المسخرة لهذا الحدث الاستثنائي، والتي لم تتعد ثلاث عناصر استقبال، ممرضتين وطبيبتين فقط.
وللمفارقة، حتى الموت الذي سرق منا أرواح مئات المواطنين الأبرياء في هذه الفاجعة الأليمة، لم يفاضل بين مشهور ومغمور، أو غني وفقير، أو صغير و كبير، وكفى به واعظا.
