زنا المحارم
زنا المحارم
ذات صباح التقيت صديقتي خلال مشوارنا اليومي للمدرسة, كنا حينها في المرحلة الثانوية, وجدتها شاحبة الوجه منهكة القوي, دامعة العينين, لم أتلق ردا علي أسئلتي لها سوي الدموع, ثم توقفت عند أقرب رصيف لترتمي في حضني باكية, وتقول في أسي: أنا تعبت خلاص مش قادرة أتحمل, ورغم أنني لم أكن طفلة آنذاك إلا أن الصدمة زلزلت كياني, فصديقة طفولتي, التي ماتت والدتها منذ زمن بعيد, وتركتها, لديها ثلاثة إخوة اثنان منهما غير أشقاء وشقيق وحيد, يكبرونها في السن, كانت حينها قد وصلت سن السادسة عشرة ولم تفصح عما فعلوه فيها حينما كانت في الثامنة من عمرها, وهم في سن الشباب, حتي وصلت السابعة عشرة, وهم صاروا في أعمار 23, 26, باستثناء أصغرهم 18 سنة, لقد قاموا بإجبارها علي ممارسة الجنس, والعجيب أنهم فعلوا ذلك بينما يجهل كل منهم ما يفعله الآخران معها.
أما هي فلم تجرؤ علي البوح, لأنهم أقنعوها أنها شريكة في الدنس بل ومحرضة عليه لأنها تنام في نفس الغرفة, اعتادوا علي ذلك منذ صغرها وبعد وفاة والدتها, اجتمع الهجر والفقد والتخلي ليغتصبوا أمانها مع جسدها, ظلت هكذا إلي أن اتفقنا هي وأنا علي أن تعرب عن رفضها حتي مع تهديدهم المتكرر بفضح أمرها للزوجة الجديدة لأبيها, وكانت قد أدركت حينها أنها لم تعد بكرا منذ المرة الأولي في طفولتها, غطاها الخزي, وشعور غامر بأنها الشريك المجرم. الذي يستحق ما يجري له, إلي أن تعافت وقالت لا وتكررت اللاءات, وضممنا الأخ الأصغر لدائرة التعافي والمواجهة, فصارت أقوي, تفاصيل كثيرة تتجسد فيها فكرة الإرادة, وعدم الاستسلام للألم, التي تتطلبها المرحلة الأولي للتعافي من الخزي إلي أن عبرت بسلام.
ومرت السنين انطلقت هي بروحها لحياة التعافي لكن جسدها أبدا لم ينس الألم, أما أنا فقد تصورت أن الزمن أنساني تلك القصة المؤلمة, لكنها عادت لتقفز إلي في كل يوم مع ما أعايشه من خبرة قوية في مساعدة الآخرين اجتماعيا ونفسيا, عبر تقديم باب إنساني صحفي تحت عنوان افتح قلبك, كنت أواظب علي العمل مع الناس بكل جوارحي, أضغط علي جسدي, أشعر أنني خارج حدوده, وأن روحي تغادر خلاياه الضعيفة لتساعد المحتاجين.
مع خبرة افتح قلبك اصطدمت بواقع أشد وأبشع, فما حدث مع صديقتي لم يكن استثناء لكنه أمر يتكرر مع الفتيات والفتيان أيضا, لكن لا أحد ينطق, والذي يجري في الخفاء تضربنا صواعقه في العلن, لأن الأسرة نظام يؤثر علي الفرد واعتلالها عرض لاعتلال المجتمع, وتنشأ فيها كل الأمراض النفسية, كما أن الترك والهجر في العائلة هما أصل الخزي, والخزي أصل الاضطرابات التي تحرم الفرد أن يحيا الحياة الإنسانية الكاملة.
إذا أضفنا لكل ذلك الأوهام والإنكار والتستر باعتبارها عوامل تمثل جوهر السلوك الإدماني والسلوكيات القهرية في العائلات مضطربة الأداء, نجد أننا أمام مرض مجتمعي تستتبعه أعراض كثيرة تدمر المجتمع كله.
لذلك يجب تخصيص خط ساخن قومي لا يتعلق بالمساءلة القانونية, وإنما بالمساعدة النفسية, لتلقي مآسي زنا المحارم وإنقاذ الضحايا مهما كلف الأمر من ثمن, فزنا المحارم من أخطر القضايا المسكوت عنها بسبب طبيعة المجتمع ودائرة الوصم الناتجة عن إفصاح الضحية, ومحاولتها النجاة, وبقدر ما هي قصة أخلاقية سلوكية تمثل معضلة, تبدو أنها بعيدة التأثير عن المجتمع العام, إلا أن البعد النفسي والاجتماعي فيها يمثل المعضلة الكبري لأن زنا المحارم هو مشكلة الهجر العظمي, فالجسد يسجل بصمة الرعب والهلع, والجرح والغضب والهجر والخزي, ثم يحدث انشقاق عن الذكريات, بسبب الصورة المثالية للقريب الذي يكون الطرف المسيء, والمفترض فيه حماية الطفل, والضحية المشاركة بالصمت, والمحيطين الذين يميلون دائما إلي إضفاء هالة من الخفاء, وإجبار الصغير علي الطاعة وتحميله اللوم, فينمو ويرتبط الشعور بالخزي لديه بعدم الاستحقاق الذاتي بكل حياته, فيهاجر الأمان من قلبه. وينسحب ذلك الشعور علي كل سلوكياته ويؤثر عليها وعلي المجتمع كله.