"الخادعان" كيم جونغ أون وبوتين بين الاستعراض وكواليس اتفاقاتهما الغامضة

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

التقى الرئيس بوتين بالزعيم كيم جونغ أون يوم الأربعاء في أول لقاء لهما وجهاً لوجه منذ أربع سنوات

  • Author, فرانسيس ماو
  • Role, بي بي سي نيوز

تجول الزعيمان جنبا إلى جنب في مركز الفضاء اللامع، وتوقفا لإلقاء نظرة على الحفرة التي تنطلق منها الصواريخ إلى الفضاء.

وفي مأدبتهما الفخمة، شربا النبيذ الروسي ورفعا الأكواب لتحية تقارب الدولتين التي تقبعان تحت ضغط العقوبات الدولية.

وقبل المغادرة، تبادلا الهدايا التي كانت عبارة عن بنادق نموذجية من خطوط إنتاج مصانع الأسلحة والذخيرة الخاصة بروسيا وكوريا الشمالية.

ومن الواضح أن مشهد لقاء كيم جونغ أون وفلاديمير بوتن في شرق روسيا يؤكد على العلاقة التي تتعزز في زمن الحرب.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقط، فقد أمضى الزعيم الكوري الشمالي عدة أيام في التجول في أحواض بناء السفن ومصانع الطائرات والمواقع العسكرية الأخرى قبل عودته إلى بلاده.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • كوريا الشمالية تكشف النقاب عن "غواصة هجوم نووي"
  • أوكرانيا تطلق صواريخ على شبه جزيرة القرم
  • روسيا تتهم أوكرانيا بشن هجوم صاروخي وآخر بحري على شبه جزيرة القرم
  • آيفون 15: بدء العد التنازلي للكشف رسميا عن الهاتف الجديد

قصص مقترحة نهاية

وكان هناك ترقب كبير في الفترة التي سبقت القمة، حيث انشغلت بها وسائل الإعلام العالمية، بينما كان كيم يسير لساعات في قطاره المدرع عبر الحدود.

لقد أبقى كيم الغرب في حيرة من أمره لما يقرب من 40 ساعة قبل أن يصل إلى قاعدة فوستوشني الفضائية، وهي قاعدة فضائية تقع في الركن الشرقي النائي من روسيا. وحتى ذلك الحين، لم يكن من الواضح ما الذي سيتحدث عنه بالضبط، حيث أثارت تحذيرات البيت الأبيض الأسبوع الماضي القلق من احتمالية بيع كوريا الشمالية أسلحة لروسيا.

وكان بوتين قد أرسل وفدا ترحيبيا لاستقبال كيم عند وصول قطاره إلى مسارات القاعدة الفضائية. كما نُصب درج مغطى بالسجاد الأحمر في المكان الذي سينزل منه كيم، في انتظار وصول القطار وخروج الزعيم الكوري الشمالي.

صدر الصورة، KCNA

التعليق على الصورة،

سافر كيم - الذي نادرا ما يسافر بالطائرة بسبب مخاوف أمنية - لنحو 40 ساعة في قطاره الفاخر للقاء الرئيس فلاديمير بوتين

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

وكان بوتين ينتظر أمام القاعدة الفضائية عندما توقف كيم في سيارته الليموزين. وهناك، أمام الكاميرات الوامضة، تصافح الزعيمان، وبثت وسائل الإعلام الرسمية الصور على الفور.

ويدرك كلا الزعيمين قوة فن العرض، لكن الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية، كما يُعرف كيم في بلاده، من محبي الاحتفالات بشكل خاص. وهو يحتل المرتبة الثالثة في سلالة من القادة في كوريا "الذين بنيت حولهم أجيال من الأساطير"، كما تقول سارة سون، الخبيرة في شؤون كوريا الشمالية في جامعة شيفيلد.

وتضيف: "لن يكون من المناسب أن يُنظر إليه على أنه زعيم دولة عادي من قبل الجماهير المحلية، التي ستشاهد هذه الرحلة وأجزاء من الاجتماعات على شاشات التلفزيون وفي الصحف".

وتوضح سون "من المهم جدا بالنسبة لكيم أن يعقد اجتماعات على مستوى ثنائي مع قادة الدول الأخرى حتى تكون كل الأنظار عليه، مما يجعل كوريا الشمالية تبدو لاعبا عالميا أكثر أهمية مما هي عليه في الواقع".

وترى الخبيرة أن "العقوبات لا تزال بالطبع صارمة للغاية، وحاجة روسيا إلى الأسلحة تمثل فرصة لتحقيق هدفين متكاملين: تحقيق الدخل لدولة كوريا الشمالية ودليل على أن كيم يستحق اهتمام زعيم قوة عالمية كبرى".

وقبل حوالي ساعة من لقاء الزعيمين، أطلقت بيونغ يانغ أيضا، صاروخين باليستيين، الأول أُطلق بينما كان كيم خارج بلاده.

ويقول ليف إريك إيسلي، الأستاذ في جامعة إيوا في سيول: "شكلت القمة رابطا واضحا مع سلوك الدولة المنبوذة في أوروبا وآسيا".

صدر الصورة، KREMLIN/REUTERS

التعليق على الصورة،

كان بوتين ينتظر كيم خارج مركز الفضاء – أحد مشاريعه قبل الحرب

لكن بعيدا عن الاستعراضات، يتساءل المراقبون عما إذا كان الاجتماع قد حقق أي اتفاقات ملموسة. إذ أن ما كُشف عنه علنا كان قليلا.

ويقول فيودور ترتيتسكي، الباحث العسكري الكوري الشمالي في جامعة غكمن في سيول: "حتى الآن، يبدو أنه لم تكن هناك تطورات جوهرية في المشهد العام".

ويضيف: "لقد لاحظنا حدثا مزدوجا، الأول مشهد كبير مصمم أساسا للجماهير الأجنبية، والثاني اتفاقيات غير معلنة خلف أبواب مغلقة، ولا تزال أهميتها غير مؤكدة".

ثلاثة أسباب قد تجعل فلاديمير بوتين وكيم جونغ أون أصدقاء

كيم جونغ أون يصل إلى روسيا في قطار مدرع لبحث "قضايا حساسة"

ما مدى قلق الغرب من تحالف بوتين وكيم جون أون؟

ولم يُكشف عن أي تفاصيل بشأن صفقة الأسلحة التي يخشى الغرب أن تعزز موقف روسيا العسكري في أوكرانيا.

ولم يذكر أي شيء عن مكاسب معينة لكوريا الشمالية، مثل المساعدات الغذائية أو الاقتصادية أو المشاركة العسكرية والتكنولوجية، وهي الأشياء التي كان كيم يريدها، كما يقول المحللون.

وبدلا من ذلك، يبدو أن التقدم الوحيد المعروف هو تلميح بوتين إلى أنه يمكن أن يساعد في تحقيق أهداف كيم المتعلقة بالفضاء والأقمار الاصطناعية.

وهذا هو السبب الملاحظ وراء اختيار مكان لقاء الزعيمين كما يقول المحللون. وقطع الزعيمان مسافات طويلة للوصول إلى المحطة الفضائية الواقعة على الجانب الآخر من البلاد بعيدا عن موسكو.

صدر الصورة، REUTERS

التعليق على الصورة،

جال الزعيمان في المنشأة الفضائية قبل الجلوس لإجراء المحادثات

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة،

تفقد الزعيمان منصة إطلاق الصواريخ

لكن المحللين يقولون إن انعقاد الاجتماع في هذا الموقع، قدّم رؤية مهمة لبوتين.

أولاً، يمكن القول بأن عرضه للمساعدة الفضائية يقع ضمن الحدود المقبولة لما يمكن أن تقدمه روسيا لكوريا الشمالية.

وكما هو معروف، فقد فشلت بيونغ يانغ مرتين هذا العام في إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء بغرض التجسس، ولا تزال التكنولوجيا التي تمتلكها متخلفة عن روسيا بعقود.

أما بالنسبة لموسكو، فإن المساعدة في وضع قمر صناعي في الفضاء حتى تتمكن كوريا الشمالية من مراقبة أعدائها يختلف كثيرا عن مساعدة الكرملين لبرنامج نووي وصاروخي محظور من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

لكن المشكلة تظل أننا لا نعرف ما الذي وُعدت به كوريا الشمالية بالفعل.

في المقابل، تمتلك بيونغ يانغ صواريخ باليستية عابرة للقارات محملة برؤوس نووية، ويمكنها نظريا الوصول إلى الولايات المتحدة. لكن الصواريخ لا تستطيع ذلك حاليا، لأنها لم تتمكن جزئيا من التوصل لكيفية منع الصواريخ من الاحتراق والذوبان أثناء طيرانها عبر الفضاء.

لكن روسيا والولايات المتحدة تعرفان كيف تحميان صواريخهما بنفس التكنولوجيا التي تستخدمانها لحماية أقمارهما الصناعية.

وإذا شاركت موسكو هذه التكنولوجيا مع بيونغ يانغ، فمن المحتمل أن تكون الولايات المتحدة في المدى المتناول لكوريا الشمالية.

على هذا النحو، فإن الاجتماع هذا الأسبوع في الميناء الفضائي يعني "استهتار بوتين بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، كما يقول البروفيسور إيسلي.

ويضيف: "يجب أن يكون هذا بمثابة دعوة للاستيقاظ لجميع الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة بشأن الحاجة إلى مضاعفة الجهود لفرض عقوبات على بيونغ يانغ".

صدر الصورة، EPA

التعليق على الصورة،

مواطنون في محطة قطار في كوريا الجنوبية يشاهدون تقريرا إخباريا عن القمة

ولكن لا تزال هناك شكوك كبيرة حول ما إذا كانت روسيا ستشارك أياً من أجهزتها الفضائية مع كوريا، أو حتى أن تنظر إلى أسلحة كوريا الشمالية باعتبارها أكثر من مجرد إمدادات احتياطية.

يقول ترتيتسكي: "فيما يتعلق بتكنولوجيا الأقمار الصناعية، كانت تصريحات بوتين حذرة، ولم تكن التزاما صريحا بتقديم المساعدة، بل كانت إشارة ضمنية قوية إلى إمكانية أخذها في الاعتبار".

ويشير أيضا إلى أن التدفقات المالية شبه معدومة بين البلدين - فعلى الرغم من الحديث الكثير بشأن الأسلحة، إلا أن التبادل التجاري لا يزال قريبا من الصفر وفقا لتقديرات كوريا الجنوبية. ولا تزال كوريا الشمالية تعتمد على الصين في أكثر من 95 في المئة من دخلها التجاري.

ويضيف: "هذا يجعلنا غير متأكدين مما إذا كانت هذه القمة ستؤدي إلى نتائج ملموسة أكثر من تلك التي حققها اجتماع 2019 غير المثمر"، في إشارة إلى آخر مرة التقى فيها الزعيمان.

صدر الصورة، KCNA

التعليق على الصورة،

مأدبة عشاء فاخر أقيمت على شرف الزعيم الكوري

ويقول محللون: "لقد مرت أربع سنوات منذ ذلك اللقاء، وبالنسبة لكيم لا ينبغي الاستهانة بهذه الرحلة النادرة. كانت هذه أول رحلة له إلى الخارج منذ أربع سنوات، إذ أن بلاده المنعزلة أيضا بدأت في إعادة الانفتاح على العالم بعد الوباء".

ويقول المراقبون إن بوتين حرص على أن يعامل كيم بشكل جيد.

وكان من الممكن أن يُعقد الاجتماع في فلاديفوستوك، على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي، وهو منصة بوتين المميزة التي تواجه آسيا والتي حضرها في السابق زعيما الصين وكوريا الجنوبية.

وبدلا من ذلك، اختار أن يمنح كيم مركز الصدارة، في مكان مختلف تماما - حيث السجادة الحمراء، والمأدبة، والفرقة النحاسية - ثم قام أيضا بالسفر لمقابلته هناك.

ويقول ترتيتسكي: "إنها علامة احترام لكيم. ويمكن اعتبارها لفتة لضمان شعور كيم بالتقدير".

لكنه يضيف، بالقدر نفسه، فإن الأمر يتعلق أيضا بالرسالة التي ستُرسل إلى الغرب، وهي رفع مستوى التصور عن العلاقة بينهما حتى عندما تكون التفاصيل شحيحة.

ولكن في هذه العلاقة، من المهم التركيز على ما يفعله الجانبان فعليا، كما يقول ترتيتسكي.

ويختم بالتذكير بأن "كلا من كيم وبوتين ماهران في استخدام الخداع. ومرة أخرى، من الضروري التدقيق في أفعالهما الملموسة بدلا من أقوالهما".