لم يسبق للمغرب أن شهد كارثة طبيعية كزلزال الحوز، منذ عقود. هي فاجعة قاست من جهة مدى صبر ومكابدة الساكنة المتضررة، ومن جهة أخرى أظهرت معدن المغاربة الأحرار، الذين تأهبوا بنسائهم ورجالهم، بفقرائهم وأغنيائهم لمساعدة الأهالي المنكوبة، وتقديم يد العون، ومؤازرة أهالي الضحايا ومواساتهم في محنتهم العصيبة.
كما شاهد العالم بأسره، أنه منذ الإعلان عن الهزة الأرضية، إلى غاية اليوم، لا تزال ساكنة المناطق المتضررة من الزلزال، تتوصل بكميات هائلة من المساعدات التي تضمنت جل الاحتياجات الضرورية. وعرفت طرق ومسالك المنطقة اكتظاظا بسيارات وشاحنات معبئة بتبرعات المغاربة التي أرسلت من مختلف مدن وقرى المملكة.
صور من التضامن تعجز الألسن عن وصفها، ومظاهر إيخاء وتكافل منقطعة النظير، جعلت العالم ينبهر بتماسك وتعاضد الأمة المغربية، التي التحمت من طنجة ‘لى الكويرة.
وسط كل هذا، تأتي فئة تسمي نفسها بـ”المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي، لتشوه المشهد، وتلعب بجزيئات الصورة حتى تصبح ناقصة، وغير مكتملة في بنيتها وتعبيراتها.
مواقع التواصل الاجتماعي أصيبت بـ”التخمة”، جراء ما نشره بعض المحسوبين على “المشاهير” من مقاطع فيديو مصورة، أصابت المغاربة بـ”الغثيان”، مضمونها يؤكد سفاهة ودونية أصحابها، من الذين توجهوا إلى مناطق الزلزال بنية جمع المزيد من المشاهدات والمتابعين، متناسين أنهم في حضرة الموت، وعليهم تقديم العزاء بطريقة تليق بمناسبة أليمة لم تعرف المملكة أصعب منها.
المغاربة الصادقون، عبروا عن امتعاضهم من تلك التصرفات التي اعتبرها البعض “غير مقبولة”، فكيف لإنسان أن يضحك ويزغرد ورائحة الموت لازالت تفوح بجانبهم؟ كيف لـ”مؤثر” يدعي أنه قطع المسافات بهدف التطوع والتضامن، أن يستغل تبرعه بكميات من المواد الغذائية، ويسمح لنفسه أن يلتقط صورا لنساء وأطفال تلك القرى بداعي “صور تذكارية”؟ وكيف تقبل تلك الفئة “المؤثرة” أن تصنع فيديوهات متتالية وتطالب المشاهدين بـ”البارطاج وتفعيل الجرس” تدور جل أحداثها حول مآسي وأحزان الساكنة، بل وحتى الإصرار عليهم لتقديم تصريحات وشهادات، في حين أنهم في حاجة إلى المواساة وليس لإيقاظ الأوجاع التي لا تزال فتية بداخلهم؟
في هذا السياق، قال البروفيسور محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، إن تصرفات هذه الشريحة من “المؤثرين” تؤكد انعدام قيمهم وتدني أخلاقهم، كونهم كانوا قادرين على استغلال مآسي الناس وأزماتهم، من أجل تحصيل المزيد من الأرباح من”يوتيوب وتيك توك”.
وأضاف بنزاكور في تصريح “للأيام24″، أن “هذه الفئة التي يمكن أن نصفها بـ”مجرمي حرب” حديثي العهد، لم تتردد في اللحظات العادية بتكسير كل ما يشكل سلامة الوطن، ولكن ما لم يكن متوقعا، هو ظهورهم كذلك في مثل هذه الظروف الاستثنائية القاسية”.
وأشار البروفسور، إلى احتمالية مرض هذه الفئة نفسيا وسلوكيا، وإدمانها على ما يسمى بـ”تحصيل المشاهدات والمشاركات”، تماما كمدمني المخدرات والممنوعات”، داعيا إلى “ضرورة القيام بدراسة لهذه الحالات والتفكير جديا بتقديم العلاج اللازم لها”.
وطالب المختص في علم الاجتماع، المغاربة بالتدخل لمنع تلك التصرفات، وحماية كل مواطن تعرض لانتهاك حرمته وخصوصيته، موضحا، أن القانون موجود، وفوق الجميع، لكن لا يمكن أن نضع فوق رأس كل مؤثر يحمل جهازا للتصوير شرطيا، وبالتالي على المغاربة التحرك في نفس اللحظة، التي يتم فيها مثلا الإصرار على تصوير “ضحية ما”، خاصة “الأطفال”، أو استغلاها كمادة دسمة لبيع مقاطع مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف المتحدث: “هذا لا يعني أنني أدعو إلى الفوضى، بل بالعكس هي دعوى لاستقرار محاربة الفوضى التي يتسبب فيها مثل هؤلاء المؤثرين، ودعوى كذلك إلى مبادرات مواطنة آنية، مناهضة لهذه السلوكيات المستفزة، من قبيل منع التصوير والحرص على مسح الصور والفيديوهات، في انتظار أن يقول القانون كلمته، وأن تعرض القضايا على المحاكم”.
