الزواج رحلة حياة (٥)


الأمم يمكن أن تنهض بثبات الزواج واستقرار الأسر، أو تنهار بالطلاق والانفصال.. ووسط زيادة غير مسبوقة لمعدلات الطلاق في بلادنا، والمبادرات القومية للتعامل مع هذه الأزمة، لا يمكن إلا أن نتساءل عن ديمومة الزواج بينالمسيحيين، كما عهدناها لأجيال عديدة. ومع وصية كلمة الله وتعاليم الكنيسة بدوام الزواج حتى يفصل الموت بين الزوجين، كنت أتمنى أن تكون الإجابة على هذا التساؤل هي أن النسبة أقل من المعدلات السائدة، لكني أظن مع الأسف أن هذا غير صحيح! فالطلاق بالالتفاف حول القوانين الكنسيّة والمدنية أصبح متاحًا؛ مما جعله الاختيار الأسهل عند البعض للخروج من وضع متأزم في زواجهم! والملفت للنظر بحسب شهادة العاملين في المشورة الأسرية هو تزايد نسبة الطلاق خلال السنين الأولى من العلاقة، والأغرب من ذلك أن الكثير من هذه الحالات ينتج عن خلافات بسيطة بين الزوجين (أو قل العروسين)! فكيف يمكننا أن نحافظ على زواجنا، وندعم أبناءنا ليدوم زواجهم؟

​بالطبع لا يُقبل أحد على الزواج وفي ذهنه الطلاق أو الانفصال. لكن نتيجة لغياب التحضير الواعي، العملي، والكتابي للمخطوبين قبل الزواج؛ يدخل الكثيرون إلى هذه العلاقة بدون معرفة لما تتطلبه من كل منهما.. وبينما يفتقدون مهارات الحياة المشتركة تصبح الاختلافات الصغيرة فجأة كبيرة!ويستنفذ صراع عدم القبول والتوقعات غير المنطقية طاقة الزوجين، فيحرمانأنفسهما من فرصة البناء التدريجي لحياتهما كأسرة، واستمرار علاقتهما حتى آخر العمر.

​التخلي عن الأنانية يأتي في مقدمة الأشياء التي تعلمتها في رحلة الحياة كزوج؛ فهو الذي أعطى لبقائنا كزوجين معًا بعدًا أعمق وأروع من مجرد السُكنى تحت سقف واحد. أتقابل من وقت لآخر مع أشخاص يقولون إنهم اكتشفوا بعد زواجهم أنهم لا يحصلون منه بقدر ما يشعرون أنهم يضعون فيه! وعلى مثال إمساك دفاتر القيود اليومية في حساب الشركات، يحسبون بتدقيق ماذا يعطي شريك الحياة، وكيف يعطي، وبأي مقدار يعطي.. ولا يتحدثون عما يعطونه هم!

​الورطة أن أغلب الناس يعتقدون في أسطورة «صندوق عجائب الزواج».. فيتوقعون أنه مملوء بكل الأشياء التي كانوا يشتاقون للحصول عليها في أيام العزوبية: الرفقة الجميلة دائمًا، العلاقة الحميمية المشبعة، التفاهم والانسجام بلا حدود، التمتع بالراحة بأقل مجهود، وما إلى ذلك من الأمنيات الأخرى للحالمين بالسعادة بدون منغصات في الزواج! لكن على العكس من هذا الاعتقاد، ثبت أن الزواج، كل زواج، يبدأ عادة بصندوق فارغ، ولا بد لكلا الزوجين أن يضعا فيه شيئًا قبل أن يمكن للواحد منهما أن يأخذ منه أي شيء! فالحب ليس في عقد الزواج، لكنه في الزوجين، وهما اللذان يضعان الحب في الصندوق. المشاعر الرومانسية لا توجد في ورقة مكتوبة، بل على شريكي الحياة أن يضخا هذه المشاعر يوميًا في زواجهما.. العطاء بحب، والخدمة بتواضع، والمديح بصدق هي الأشياء التي تجعل صندوق الزواج ممتلئًا. أما إذا أخذت من الصندوق أكثر مما تضع فيه، ستكتشف بعد قليل أن صندوق زواجك فارغ!
www.FocusOnTheFamily.me

​ممارسة أخرى لها تأثير عظيم في حياتي تعلمتها في رحلة زواجي، فخلقت تواصلاً فعالاً مع زوجتي، وقربتنا إلى الرب لنتمتع بحضوره في حياتنا.. ألا وهي الصلاة يوميًا معًا. بينما نصلي اعتدنا ألا نخجل من التضرع لأجل بعضنا البعض.. فكأبناء لله نتواضع أمامه، ونطلب أن يمنحنا الصحة، ويحفظنا من شرور الأيام، ويحمينا من أي اختيارات لا تتفق مع إرادته لحياتنا، أو تلك التي لا تمجد اسمه، وأن يرزقنا في أعمالنا ليسدد احتياجاتنا، ويعيننا أن نفي بالتزاماتنا. لقد بدأنا نصلي من أجل ابنينا منذ حملت بهما زوجتي.. صلينا، ولا نزال، من أجل علاقتهما الاختبارية مع الله، ومستقبلهما، وزواجهما، وكل اختياراتهما. واليوم عندما ننظر للوراء لنراجع السنين التي مضت نرى رصيد بركة هذه الممارسة.. فنشكر الله على كل ما طلبناه منه فأعطاه لنا، ونشكره أيضًا على ما لم يُعطه، لإدراكنا أنه لو أعطانا كل ما طلبنا لكنا أتعس زوجين في الحياة. الأسر التي تصلي معًا، تبقى معًا!لكن حياة الصلاة هذه لم تعفنا من المسؤوليات الأخرى للعلاقة.. فهناك ممارسة أخرى بدونها ربما ما استطعنا أن نبقى معًا.

​لقد تعلمت أنه يسهل علي الاعتذار والاعتراف بالخطأ بمحبة لزوجتي ما دامت الشمس لم تغرب على اختلافنا! ولعلي مدين لها بتعلم هذه الممارسة،التي حفظت بلا شك زواجنا.. فهي بطبيعتها لا تخلط بين المواقف، كما لا تخزنها حتى تنفجر مرة واحدة. أضحك كثيرًا عندما أتذكر كيف كنت في السنين الأولى من زواجي أمتلئ بالغضب بعد كل مناقشة حامية نختلف فيها حول أمر ما.. وبينما كنت أجلس مقتضبًا في غرفة المعيشة، يقاطع استغراقي في أفكاري المشتعلة صوت ودود يأتي من المطبخ يقول: ”سامي.. تشرب شاي؟“ ”أشرب شاي؟! الست دي بتفكر إزاي؟!“ لكن هذا التصرف التلقائي من زوجتي علمني كيف أطوي صفحة غضبي لأبدأ معها حوارًا خاليًا من هياج المشاعر حول ما اختلفنا فيه، بينما نشرب كوبين من الشاي “الخفيف”!لقد علمتني زوجتي أن الحب الحقيقي هو الالتزام غير المشروط لاستمرار العلاقة مع شريك حياة غير كامل!

​تذكرت جزءًا ملهمًا من أقوال سليمان الحكيم، وحاولت أن أقرأه في ضوء ما نسمعه هذه الأيام من تقارير مفزعة عن زيادة معدلات الطلاق: «الحماسة (الإسراع بالزواج) بلا معرفة لا خير فيها، ومن عجَّل في السير (أو في الانفصال عن شريك حياته) زلت قدماه.. حماقة الإنسان (عدم التزامه بعهد زواجه) تتقدمه في طريقه (تدمر بقية حياته)، وهو في قلبه يحنق على الرب (يلومه وكأنه السبب في تعاسته)» (أمثال ١٩: ٢- ٣، الترجمة العربية المشتركة).. وإلى بقية الحديث في المرات القادمة.

تاريخ الخبر: 2023-09-17 09:21:41
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:26
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

مسيرة حاشدة لطلبة كليات الطب وآبائهم بالرباط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:19
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

نتنياهو يرد على "قبول حماس للصفقة" بمهاجمة رفح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 00:26:09
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية