المزج العربي الفارسي قديمٌ قدم القرون في اللغة والأدب والتاريخ. وفي رحلة الشعر، كان سعدي الشيرازي من إيران، ينظِّم شعره باللغتين الفارسية والعربية، ويُدخل في أشعاره نظمًا موسيقيًّا جديدًا.
ومع الشيرازي، كان عمر الخيَّام، وأبو القاسم فردوسي، وحافظ الشيرازي، وعطَّار النيشابوري. في بلاد فارس يُحبُّون الأسماء، ويحتفون بالشخصيات، ويبتكرون الأعياد من “نيروز” إلى “النزهة”. حينما هبطت طائرة نادي النصر السعودي في الأراضي الإيرانية، أمس، أُطلقت “خوش آمديد” من القلوب، وعُلِّقت في الشوارع، واصطفَّ الصبية، والشباب، والرجال، والنساء لرؤية حافلة الجزيرة العربية، وركض الجميع من المطار إلى الفندق خلف “التاريخ الجديد”. لحظة اللقاء بالنصر، كان الحضور لنصٍّ من رباعية، ولحن من موسيقى “عيلام”، وصوت من عرضة سعودية سامقة، وقطعة من ألوان الصحراء.
لا أحد يستطيع أن يكسر الجمود سوى العقل النيِّر. الفكرة الأولى التي جمعت النصر بِهُويَّته، نبعت من مرحلة “سلام”، وتجاوز للحدود بلعبة شعبية، وخيمة، وسجادة، وقهوة، وشاي، لتتحوَّل مع الرحلات المتتالية إلى قصائد حقل بين الخزامى والزعفران. وفي تركيبة المولود من عمق الرياض، تجد الحصان، والفارس، والصقر، والأرض المنبسطة بالناس. ومع كُل اتساع يفتحه الأصفر للمساحة والفرسان، يستقبل البرتغالي، والإسباني، والكرواتي، والبرازيلي، والإفريقي، والأطفال اللاعبون بالكرة الإسفنجية، المنتظرون للجواهر من بلاد العرب، ويُعطي المعنى للدنيا كُلّها، أن الأخبار السارّة تُصنع ولا تُمحى، تمامًا مثل قصيدةٍ لها الوزن والإيقاع والعروض.
المسيرةُ للنصر منذ البدء، ولا أحد ينسى التكوين، والقصّة التي تؤثر، يكتبها النصراوي دون أن يتجاهل المكان والزمان والإنسان النجديّ الأوّل.
لقد أعطت الرحلة النصراوية إلى إيران بُعدًا مُغايرًا هذه المرَّة عن تلك التي سكنت العسكر، وتعقيدات المطارات، والعبارات الثوريّة القديمة، وفتحت للمشترك أن يعبّر عن ذاته وما يريد، فكان البسيط الذي يُحب كرة القدم منتظرًا للقدوم بفرح عارم أكثر من انتظاره للمغادرين من نهاية تعب وأيّام دخان.
إن الحياة بطبيعتها أجمل من لوحة نهر، وعنقود، وفتاة ريفيّة مُبتسمة، وأعمق من أن نتوقف عند كريستيانو رونالدو لنسأله: هل فتحت الباب؟
*نقلا عن الرياضية السعودية
