في معنى الطائفية


تعبر الطائفة عن نمط تقليدي من الانتماء والذي غالبًا ما يكون إنتماء لجماعة دينية أو اجتماعية أو مهنية. وبهذا المعنى فإن الانتماء الطائفي يشكل نوعا معينا من الهوية كأن يقول الشخص “أنا مسلم أو مسيحى أو يهودى”، ومع ذلك يمكن أن يكون الشخص مسلما أو مسيحيا أو يهوديا بدون أن يكون طائفيا. والمحدد في هذه الحالة هو موقع هذه الهوية الدينية من الهويات الأخرى التي تحدد الوجود الاجتماعي للفرد. ففي المجتمعات التقليدية كان هذا النوع من الهوية يتصدر قائمة الهويات والانتماءات الجماعية، فلم يكن للفرد من وجود مستقل، ولكن وجوده ارتبط بالطائفة أو الجماعة التى ينتمى إليها. وهذا الأمر كان مفهوما ضمن شروطه التاريخية، حيث كانت الطائفة تشكل ركنا اساسيا فى التنظيم الاجتماعي.

أما في العصر الحديث فقد أصبح للفرد وجودا مستقلاً في إطار دولة من المفترض أن تتعامل معه كمواطن بغض النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية أو الجنسية أو غيره. فالمواطنة هى الإنتماء والإطار الأوسع لترشيد الهويات وتنظيم العلاقات، بدون الإعلاء من شأن الانتماءات الأخرى أو كبتها، ولكن من أجل إبقائها ضمن المجال الاجتماعى والخاص للفرد، أو ظهورها الطقوسي والسلمي في المجال العام. هذا هو واقع المجتمعات الحديثة الذي يحدد وجود الفرد وطبيعة الدولة. وإذا حدث خلل أو اهتراء لهذا الإطار الأوسع (المواطنة)، فإن الإنتماءات الأخرى تظهر على السطح ولكن بصورة غير طبيعية، وعندها يتحول الإنتماء الطائفي إلى طائفية، والإنتماء العرقي إلى نزعات عرقية، وكلاها يمكن أن يتحول بسهولة إلى نزاعات وصراعات، وكلنا يعلم تمام العلم كم من الجرائم تم إرتكابها باسم الدفاع أو حماية الانتماءات الدينية أو العرقية.

وأي تشخيص منصف يخلص إلى نتيجة مفادها أن جذور المشكلة الطائفية لا تكمن فى في الإنتماءات الفرعية، لأن هذه الانتماءات، في حال تضخمها، هي نتيجة وليست سبب، أى نتيجة لهشاشة المواطنة كهوية جديثة جامعة، فهي تنمو على جدران المواطنة المتآكلة. وكلما تضخمت كلما أصبحت أكثر قابلية للانفجار، و تصبح، حسب تعبير أمين معلوف، “هويات قاتلة”. إن معيار جودة الدولة هو مدى قدرتها على بناء الفرد كمواطن، للحفاظ على العلاقات الاجتماعية من ناحية، وترشيد الانتماءات الفرعية من ناحية أخرى لضمان التعايش السلمى. أما أن تفتح الدولة الباب للهويات والانتماءات الفرعية لكي تنال من جسد المواطنة، فإن النتيجة لن تكون سوى دولة مريضة ومجتمع سقيم يعانى من أورام الهويات الفرعية. وهكذا يصاب الأفراد بداء الطائفية أو العرقية أو التحيزات العائلية والقبلية والجنسية، ومن السهل أن يتحول البعض إلى قاتل ويتحول البعض الآخر إلى مقتول.

وثمة سمات للطائفة فى وقتنا الراهن، أولا: الطائفية باتت تشكل مرض ولكنها في الوقت ذاته عرض فهى يمكن أن تكون نتيجة للفقر والجهل والتدهور القيمى؛ ثانيا: الطائفية ظاهرة ذات قابلية للتوالد الذاتى، بمعنى أن إشعال نار الطائفية، يعطي مزيدًا من الزخم للمزيد من الطائفية، شأنها فى ذلك شأن كافة الأشكال العنف التي تتغذى من وقودها الذاتى؛ ثالثا: الطائفية باتت تتسم بقدر هائل من العشوائية، فعندما تندلع وتأخذ أشكالا عنيفة تصبح ذات جاذبية لمجموعات عشوائية، وكأن العنف هو الإطار الوحيد للتضامن وإثبات قيمة الذات.

إن الطائفية التي كانت تشكل مكونا أساسيا من مكونات التنظيم الاجتماعي في المجتمعات القديمة، هى الآن باتت تشكل علة اجتماعية، والأكثر خطورة أنها وثيقة الصلة بمشكلات اجتماعية أعمق كالفقر والجهل والتهميش والتلاعب السياسى. إن استمرار وجود هذه المشكلات يعنى أن الطائفية أشبه بالأمراض المزمنة، قد تختفي أحيانا، ولكن يمكن أن تطفو على السطح فى أى وقت بعشوائيتها وقدرتها على التوالد الذاتي كأحد أشكال متلازمة العنف. إن الطائفية التي لازمت العنف السياسي في مقدورها أن تكون ضمن متلازمة العنف الاجتماعي.

تاريخ الخبر: 2023-09-25 09:21:15
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 70%

انهيار طريق سريع جنوب الصين: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 شخصا

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:25:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

هذه وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2024

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:54
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

بين فيتنام وغزة – صحيفة التغيير السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:22:59
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

في سوق الأسهم .. هل عليك بيع أسهمك في مايو وإعادة الشراء في نوفمبر؟

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-03 09:24:00
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية