الدار/ تحليل
“لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل ما وقع عن أسبابه الجذرية وعلى رأسها انسداد أفق القضية الفلسطينية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة والإجراءات الأحادية الجائرة في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة”. بهذه الكلمات المعبّرة والقوية يلخص وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة أحداث طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي أودى إلى حد اليوم بحياة أكثر من ألف مواطن فلسطيني وإصابة الآلاف. الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية في كلمته في اجتماع الجامعة العربية الطارئ بالقاهرة يأتي في سياق مشحون وملتهب مع استمرار الحرب على غزة واستمرار عمليات القصف اليومي التي تطال المدنيين بينما يتواصل ردّ حركة حماس بإطلاق رشقات من الصواريخ على إسرائيل.
لحظات تاريخية حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية دفعت وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة إلى مصارحة نظرائه من وزراء الخارجية العرب بموقف المغرب الذي سبق أن حذّر مرارا وتكرارا من نتائج الممارسات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي وتشيع مناخا من التطرف والإقصاء والاستئصال كما جاء في كلمة الوزير المغربي. النقد المغربي الصريح للمواقف الإسرائيلية التي تراكمت منذ سنوات لتفضي إلى هذه المواجهة المفتوحة اليوم على حساب أمن واستقرار وسلامة المدنيين هي تلك التي سمحت للحكومات اليمينية بتل أبيب بتحريض الكثير من المتطرفين اليهود على انتهاك حرمة المسجد الأقصى والعبث بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، علما أن إشاعة هذا الجو المشحون يعدّ لعبا خطيرا بالنار.
وهذا ما دفع وزير الخارجية إلى أن يستصغر كلمة “خطير” لوصف ما يحدث في الشرق الأوسط عندما قال: “لم يعد مصطلح خطير يكفي لتشخيص الوضع الحالي في الشرق الاوسط أمام تصعيد غير مسبوق وسع ساحة المواجهات وأذكى حلقة العنف والعنف المضاد بحدة قد تقضي على من فرص وآمال شعوب المنطقة في اقامة سلام دائم وشامل”. وعندما يؤكد المغرب على لسان وزير الخارجية على خطورة الوضع فذلك نابع من وعي عميق بحساسية اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة، والنتائج التي يمكن أن تفضي إليها المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحركة حماس، وانعكاساتها على مستقبل الاستقرار والسلام في المنطقة لا سيّما أن كل المؤشرات تؤكد استعداد إسرائيل للذهاب بعيدا في حربها على غزة إلى حد تنفيذ اجتياح بري للمنطقة.
وبعيدا عن الجدل العقيم الذي يحاول تعليق ما حدث على طرفي النزاع وحدهما كانت كلمة وزير الخارجية مرتكزة على جرأة واضحة في انتقاد المجتمع الدولي الذي لم يتحمّل مسؤولياته السياسية والتاريخية من أجل العمل على إنجاح عمليات السلام ومخططات التسوية السابقة وترك الوضع القائم يتعزز بناء على موازين القوى بدلا من تحميل إسرائيل مسؤوليتها القانونية من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وتنزيل حل الدولتين على أرض الواقع. ناصر بوريطة كان واضحا عندما تساءل “أين هي الآليات التي وضعت للنظر في هذه القضية ومتابعة تطوراتها وماهي نجاعتها؟ وماهي النتائج التي حققتها حتى الآن وهل سيكتفي المجتمع الدولي بمجرد إدارة الازمة وإصدار بيانات جوفاء لا تأثير لها؟”.
التحليل الذي قدّمه وزير الخارجي ناصر بوريطة يؤكد لكلّ متابعي ما يحدث أن المغرب عندما قرر بمحض إرادته استئناف علاقاته مع إسرائيل إنما فعل ذلك من منطلق الحفاظ على الثوابت العربية المتمثلة في العمل على انتزاع الحقوق الفلسطينية وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 مثلما نصّت على ذلك مبادرة السلام العربية. وهذا الموقف المتوازن الذي ما يزال يؤكد على شرعية السلطة الفلسطينية وصلاحياتها في التعامل مع قضية الاستقلال الفلسطيني سيظل من الثوابت الوطنية لبلادنا حفاظا على أرواح الأبرياء وأجواء الاستقرار والسلام، لا سيّما أن ما حدث منذ يوم 7 أكتوبر الجاري لم يكن حدثا عاديا أو استفزازا مألوفا بل زلزالا حقيقيا قد تتجاوز آثاره وتداعياته حدود فلسطين لتحرق الشرق الأوسط بأكمله.
