العــدوان على غـــزة يحرك المثقفيــــن

يأتي طوفان غزة، مرّة أخرى ليُؤكد للعالم مدى قيمة وعدالة وإنسانية وكونيّة القضيّة الفلسطينيّة، ويأتي مرّة أخرى صوت المُثقف العربي والجزائري، بنبرات مُتفاوتة، وهو يبدي أو يُعلن موقفه من القضيّة والأحداث الدامية، وفي هذا السياق يتم عادةً طرح سؤال جوهري مؤداه: ما الّذي قدمه/ وما الّذي يمكن أن يقدمه المُثقف للقضيّة الفلسطينيّة، وماذا عن دوره في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وما مدى إيمان هذا المُثقف بدوره تجاه هذه القضيّة، وبأنّ هذه الأخيرة هي قضيته أيضًا كإنسان في المقام الأوّل وكمُثقف له صوته ورأيه وأفكاره في القضايا المصيرية الكُبرى ومن ضمنها أُمْ القضايا –فلسطين وجرحها النازف «غزة»-.

حوصلتها: نـوّارة لحرش

الكثير من المثقفين والكُتّاب أعلنوا تضامنهم مع غزة وفلسطين من خلال مدونات ومنشورات على صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاِجتماعي، وهذا ما وقفت عليه النصر في هذه الحوصلة.
خراب غزة خرابٌ شريف يأتي نتيجة لمقاومة شريفة
الكاتب عبد العزيز غرمول، الّذي كتبَ في منشور له على الفيسبوك، فقرة قال فيها: «حينما أشاهد قدر غزة في هذا العصر، أقول هذا قدرها، لا يوجد قدرٌ آخر للعزة والشرف والتطلع للحرية سِوى ما تتعرض له غزة، هذا قدرُ الكِبار، كلّ رصاصة أُطلقت، كلّ قطرة دم سالت، كلّ جدار اِنهار، كلّ شجرة آلمها كسر… هي درج باِتجاه الفرج». مُضيفًا في ذات الفقرة: «خراب غزة خرابٌ شريف يأتي نتيجة لمقاومة شريفة، هي وحدها ما تبقى من شرف العرب المهدور…».
صاحب «رسول المطر»، قال: «لستُ حزينًا ولا غاضبًا لِمَا تتعرض له غزة، أنا حزين وغاضب على ما يتعرض له العرب من خراب لإنسانيتهم، من قصف يومي لعقولهم، من اِغتيال لأحلامهم، من هدر لثرواتهم ومنها ثروة الشرف… كلّ البلدان العربيّة تحوّلت إلى أراضٍ مقصوفة في قلبها، تحوّلت إلى كومة من رماد الآمال، أقفاص واسعة لبشر مدجنين… هؤلاء هم العرب في عصرهم الحقيقي… أمّا عصر غزة فهو آخر ما تبقى للعرب من عِزة، إذا كانت لهذه الكلمة معنى في قاموسهم المُعاصر…».
غرمول، يرى أنّ الحرب هي الحرب. «الحرب لا قلب لها ولا قانون. والاِستعمار قاتل ومُجرم، لكن عدو غزة واضح، معروف، له سلاح مرئي، وأنياب بارزة، حيوان يتغذى على الدم والأسطورة… أمّا عدو الشعوب العربيّة فهو كالفيروس يصيبهم داخليًا». وخلاصة الدرس، -حسب رأيه-، أنّ العرب مرضى، والدليل على مرضهم أنّ أغلبهم لا يعون درس غزة، ولا يشعرون إزاءه بالعزة، ولا يتعلمون منه أنّ الحياة شرفًا وليست ترفًا ولا قرفًا. وختم منشوره بقوله: «أضم صوتي وكلمتي لكلّ الداعين والداعمين لأهلنا في غزة، من أجل المزيد من المقاومة، من الصبر، من الشجاعة والشهامة، فهم آخر صوت عالي في هذا الخراب العربي… نعم، عمر الظلم طويل لكن نهايته حتمية».
الحدث كما تناقلته وسائل الإعلام يمكن أن يُشكل منعرجًا حاسمًا في مستقبل القضية الفلسطينية
من جهته الباحث وأستاذ الفلسفة الدكتور فارح مسرحي، سجل موقفه أيضًا عبر منشور جاء فيه: «عملت إسرائيل منذ غرسها عنوة في قلب البلاد العربية على الاِستثمار في عامل الزمن لتعزيز وجودها وضمان اِستمرارها، (فالكذبة بمرور الوقت يمكن أن يصدقها الكثيرون ويتعاملون معها على أنّها حقيقة)، ووجود إسرائيل أكبر كذبة في زمننا، والاِستثمار في الزمن وربح الوقت يتم من خلال المماطلة والاِلتفاف على المطالب وخلط المعطيات باِفتعال جو غير مُلائم للتقدم نحو حل للقضية الفلسطينية، والهدف من ذلك هو خلق جيل جديد من الإسرائيليين المولودين في فلسطين، والذين يُؤمنون بأنّ هذه الأرض هي وطنهم، وبالتالي يمكن الاِعتماد عليهم في حماية الكيان من كلّ الأخطار المُمكنة. وقد عملت كلّ ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف مستغلةً الدعم غير المشروط من قِبل الغرب».
في المقابل، يضيف الدكتور مسرحي: «لم ينتبه العرب عمومًا والفلسطينيين بصورة خاصة لأهمية عامل الزمن في القضية، فقد عرف موقفهم موجات من الإقبال والإدبار والتجاذبات من قِبل قيادات عربية رأى كلٌّ منها في القضية اِستثماراً مُهماً لتحقيق الشرعية المنقوصة والبقاء في السلطة، كما عرفت النخبة السياسية الفلسطينية تصدعات وانقسامات وصلت درجة الاِقتتال بين بعض الفصائل!!، وإن كان هناك تصعيد وعمليات عسكرية –أقصد بعد 1973- فهي في الغالب معزولة وتأثيرها موضعي وغير واسع. وآثارها سريعة الزوال ولا تُؤثر في العُمق على أمن واستقرار دولة الكيان بصورة كبيرة وواضحة، مثلما راهن العرب على أشباه الحلول؛ كالأرض مقابل السلام وحل الدولتين، وجولات عديدة من حوار فاشل مسبقًا، لأنّ نجاح الحوار مرهون بالنديّة وهو شرط غير متوفر تمامًا. هنا تكمن قيمة ورمزية الأحداث الجارية هذه الأيّام، أو ما سُميَ بـ(طوفان الأقصى)، كحدث كبير، حدث مختلف نوعيًا عمّا سبق».
فهذا الحدث كما تناقلته وسائل الإعلام، -حسب قوله- «يمكن أن يُشكل منعرجًا حاسمًا في مستقبل القضية الفلسطينية، خصوصًا إذا عضدته عوامل أخرى، إذ لأوّل مرّة يتم اِختراق الأجهزة الأمنية المكلفة بحراسة الحدود براً وبحراً وجواً وعبر مناطق عديدة، بكفاءة عالية، وبصورة زعزعت شِعار الجيش الّذي لا يُقهر والقبة الحديدية التي يفتخر الكيان باِمتلاكها، أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى أرقام لم تعرفها إسرائيل منذ زرعها في 1948، أحداث نقلت الخوف واللا أمن إلى الجهة الأخرى، لأوّل مرّة تشعر إسرائيل كاملة بالخوف وعدم الثقة في قدراتها، وهنا تكمن أهميتها الرمزية بعيداً عن لغة الاِنتصار والاِنهزام».
مؤكداً في هذا السياق أنّ الخوف والهلع في أوساط المستوطنين في جل المناطق، وحالة الذعر التي يعيشونها حاليًا لن تزول قريبًا، إن لم تكن مزمنة، وهذه الحالة كفيلة بإعادة الأمور إلى بدايتها ودحض إستراتيجية الاِستثمار في الزمن التي تبناها الكيان، فصور هروب المستوطنين من بيوتهم، وتهافت الكثير منهم على المطارات، تُبين هشاشةً ما (عامل الوطن) ضمن مفهوم الهوية المصطنعة لهؤلاء.
وخَلُصَ منشوره إلى أنّه «لا أحد يمكنه التنبؤ بِما يحمله المستقبل، ولكن، من المؤكد أنّ (طوفان الأقصى) سيكون له أثر مُهم في تحديد مسار هذا المستقبل، وهذا الأثر يزيد وينقص بمقدار تظافر عوامل أخرى محليًا وإقليميًا»
جريمة بربرية كاملة الأركان بمباركة ودعم من دُعاة الإنسانية المزورة
أمّا الأستاذ الجامعي الدكتور عمر بوساحة، فكتب في صفحته بعض الفقرات الداعمة لغزة، ومِمَّا جاء في بعضها: «الفلسطينيون الذين تركهم العالم لمصيرهم وتخلى عنهم أغلب من كانوا يعتبرونهم أشقاء من حقهم الشرعي الدفاع عن أنفسهم بالطُرق التي تُناسبهم وهو ما حدث اليوم. فعلى العالم أن ينظر إلى الأمر من هذه الزاوية إن أراد سِلمًا عادلاً في المنطقة»، مضيفًا في منشور آخر: «هناك جريمة بربرية كاملة الأركان تقع الآن في فلسطين بمباركة ودعم من دُعاة الإنسانية المزورة».
هولوكوست حقيقي بكلّ معاني الإبادة الجماعيّة
الروائي والكاتب واسيني الأعرج، والّذي اِستحضر فلسطين في بعض أعماله الروائية، نشر على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك بعض المنشورات، أكدَ فيها أنّ جرائم إسرائيل لم تعد تخفى على أحد إلاّ لمن أُصيبَ بالعمى الكلي. واعتبرها بمثابة هولوكوست حقيقي بكلّ معاني الإبادة الجماعيّة. لدرجة قصف المستشفيات. كما أشار إلى أنّ هناك نكبة جديدة ترتسم في الأفق. بل اِرتسمت فعلاً: «6000 قنبلة. تدمير غزة على سكانها. توطؤ أمريكي-أوروبي مع جريمة التقتيل خارج أي قانون دولي. تجويع غير مسبوق. إصرار فلسطيني على البقاء في الأرض مهما كان الثمن. أكبر مقتلة في التاريخ. أكبر منها صمت العالم أمام الجريمة الموصوفة».
واسيني كَتَبَ أيضاً: «أن نكتب عن فلسطين اليوم هذا يعني أنّنا نُؤمن بحق يتمّ اليوم محوه وكأنّه لم يكن موجوداً، وكأنّه لا اِحتلال، وكأنّ 48 لم تكن، وكأنّ التهجير هو مجرّد عملية ذهنية، وأنّ النكبة ليست أكثر من اِستهام مرضي سببه التمركز حول ذات منكسرة آن لها أن تأخذ حقائق الميدان بعين الاِعتبار. وكأنّ فلسطين لم تكن أبداً. عندما نكتب نحن نختار قدراً آخر للإنسانية. سنختار الحق مُقابل الجريمة الموصوفة، ونختار الأرض مقابل الرشوة المالية، وسنختار -للأسف- الموت عند الضرورات القصوى، بدل العيش في المذلة».
ما يحدث بيان للنّاس أنّ ما يجري حرب إبادة
من جهته الصحفي ، رياض هويلي، قال في منشور له على الفيسبوك: «ثمّة ما يجب الاِنتباه إليه، في حرب الإبادة التي ينفذها الكيان الصهيوني على غزة تحديداً، بمباركة ودعم الغرب كله دون اِستثناء. أوّلاً: أنّ ردة فِعل الكيان على غزة، تُؤكد بِما لا يدع مجالاً للشك أنّ الأمر مُخطط له منذ مدة وكان ينتظر الفرصة فقط».
أمّا ثانيًا، فهو يرى، أنّ وقوف الغرب كله دون اِستثناء بقيادة أمريكا خلف إسرائيل، بصفة علانية، صريحة وتحريك قطع حربية إلى المنطقة، دليلٌ واضح على أنّ هجوم الكيان، يدخل ضمن مخطط هدفه إعادة رسم خارطة المنطقة مع العمل على تغيير تركيبتها البشريّة.
وثالثا –حسب منشوره دائمًا-، هو: تخلي الغرب بصفة فجة عن قيم الإنسانية المزيفة التي ظل يُسوقها منذ عقود، وانتهاكه بكلّ وقاحة لِمَا يُسميها الحق الإنساني والقانون الدولي الإنساني. ويأتي اِستهداف أطفال غزة بأسلوب مُمنهج، إذ تُشكل حصيلة الأطفال ضحايا العدوان على غزة أكثر من نصف الضحايا، وفي ذلك بيانٌ للنّاس أنّ ما يجري حرب إبادة.
لقد أبان الهجوم الغربي الوحشي على غزة، -كما جاء في منشوره- عن حقيقة الإعلام الغربي، فهو إعلام مأجور، لا يعرف من المهنية والموضوعية والحيادية والقيم الإنسانية، إلاّ ما يخدم أجندته.
وكانت خلاصة قوله: «الحقيقة الوحيدة في الحرب على غزة: إمّا أن تكون قوياً لتفعل ما تريد أو ضعيفًا فسيُفعل بك ما يريدون دون شفقة ولا رحمة».

تاريخ الخبر: 2023-10-21 00:25:20
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية