فى معنى الاختلاف


أصبحت كلمة “الاختلاف” مصطلحا أساسيا في مجال الدراسات الثقافية، وعلاوة على ذلك فقد أصبح من المفاهيم المحورية في المجالات الفكرية والثقافية منذي ما يزيد عن عقدين من الزمان، خاصة تلك المرتبطة بالحوار والهويةوالآخر. ووهو ما نلاحظه كذلك فى الخطاب الحقوقي وكذلك النصوص الدستورية حيث نجد أن معنى الاختلاف حاضر بشكل أساسي في النصوص المتعلقة بعدم التمييز على أساس النوع والانتماءات واللغة واللون وغير ذلك من تمايزات. وبالتالي، فقد أصبح من المسلم به الربط بين قبول الاختلاف أواحترام الاختلاف بالدعوة إلى السلام الاجتماعي والعيش المشترك والتنوع والتعددية الثقافية.

وبشكل عام فإن كلمة “الاختلاف” لها استخدامات لغوية متعددة فهى تعنى التمايز بين الكيانات والأشياء والظواهر، وتعنى التناوب “اختلاف الليل والنهار”، كما تعنى عدم الاتفاق وحتى التناقض. وتعنى كذلك الفصل، وهذا المعنى الأخير جاء ترجمة للكلمة الإنجليزية Difference فى المعجم الفلسفيلمجمع اللغة العربية فيما أروده عن الجرجاني الذى يعرف الفصل بأنه “صفة ذاتية تميز نوعا ما من بقية الأنواع الأخرى الداخلية تحت جنس واحد”، وهو ما يعنى “الفصيلة” أو “الفصيل”.

وكما ورد في أحد قواميس الدراسات الثقافية فقد تزايد الاهتمام بأفكار الاختلاف خلال تسعينيات القرن الماضى، أى القرن العشرين. وتشير مصادر أخرى إلى الانتشار الواسع لمصطلح “الاختلاف” مع بداية الألفية إلى حد أنها أصبحت كلمة الساعة للدراسات الثقافية في القرن الحادي والعشرين. وقد تزامن هذا مع تزايد الاهتمام بأفكار التنوع والتعددية الثقافية خلال هذه المرحلة، والتي شهدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار “الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي” في نوفمبر 2001، وعلى الرغم من أن كلمة الاختلاف لم ترد فى الإعلان، إلا أن أفكار التنوع والتعدد تعنى ضمنا وجود اختلافات يجب احترامها والاعترافات بها على أرضية حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل إسهام الأفكار النسوية ودراسات النوع الاجتماعي فى دفع فكرة “الاختلاف” والتى ارتكزت على تفسير وتحليل الاختلافات بين الذكور والإناث والرجال والنساء، ومكافحة التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وبيان كيف أن الاختلافات الجندرية ليست طبيعية بقدر ما هى إنعكاس لنظام اجتماعي يبرر الهيمنة الذكورية. وعلاوة على ذلك فإن مفهوم الاختلاف المفاهيم التي برزت فى مجال فلسفة اللغة، وكما ورد فى قاموس الدراسات الثقافية أهمية الاختلاف كمفهوم تكمن في اتجاهين مترابطين: التوليد اللغوي للمعنى، والتعايش بين الهويات الثقافية المتنوعة. ويترتب على هذه الحجج الأساسية للبنيوية وما بعد البنيوية أن جميع الفئات التي تم استخدامها لوصف البشر والحديث عنهم – “الثقافة”، و”الهوية”، و”المرأة”، و”الطبقة”، و”المجتمع”، و”المصالح”، وما إلى ذلك، لم يعد من الممكن تصورها على أنها ذات معانٍ ثابتة.

وبما أن الاختلاف يعنى التمايز وعدم التطابق فقد أصبح وثيق الصلة بالاهتمام الكبير الذى أولته الدراسات الثقافية لمفهوم الهوية. وقد تزامن هذا الاهتمام الأكاديمي مع الاهتمام السياسي والإعلامي في ظل ما بات بعرف بمرحلة “صدام/ حوارالحضارات”، والتى أعطت زخما غير مسبوق لموضوعات “الهوية” القضايا المرتبطة بها مثل بناء السلام والحوار والعيش المشتركوجميعها ترتكز بالأساس على إدارة “الاختلافات” الثقافية والدينية والعرقية. فبعد أن كانت مسألة “الهوية” محكومة بمنطق “التشابه”، و”التجانس” فإن العولمة وشيوع أفكار التعددية والتنوع الثقافي والحقوق الشخصية أفضت إلى إحلال مفهوم “الاختلاف” و “التعدد” محل “التشابه” و “الوحدة”.

وتجدر الإشارة إلى أن “الاختلاف” لا يمكن فهمه إلا فى إطار علاقات، فالمختلف لا يوجد بذاته، وإنما بتمايزه عن شئ آخر، وهذا التمايز هو ما يعطى معنى للكيانات والأشياء والظواهر معناها، فالليل ليس ليلا بذاته وإنما باختلافه عن النهار. وبالمعنى الاجتماعي والثقافي فإن فهم الاختلافات، يتطلب فهم السياقات التى يتم فيها خلق معاني الأشياء من خلال تمييزها عن أشياء أخرى، وإدراك أن هذا التمايز لا يعبر عن جوهر كامن فى الأشياء، وإنما فيما يصنعه تصورنا عن الاختلاف بين هذه الأشياء فى سياق ثقافي أو تاريخي المحدد. وهكذا فإن معادلة “الذات والآخر” هى التى تعطى معنى للذات والآخر، فلا يوجد “هم” بدون “نحن”، كما لا توجد “ذات” بدون “آخر”.

وبالتبعية، يمكن القول أن أنصار “الهويات” عادة ما يتصورن أن الهويات ثابتة وجوهرية وتستقى معناها من ذاتها، مع إن الهوية لا تتماسك إلا بتمييزها عن هويات أخرى. وكلما زاد الاستقطاب بين الهويات، كلما شعر أنصارهابالتماسك والتفرد، وبالتالى فمن مصلحتهم الحفاظ على التباعد والاستقطاب والاحتفاء بالاختلاف والتمايز عن غيرهم، وحتى التواصل، حال حدوثه، يجب أن يكون عبر نوافذ الهوية وربما من أجل التأكيد على وجود حدود، وهذه مسالة هامة على أن أنصار الحوار والتنوع والتعددية الالتفات إليها، حتى لا تكون أفكار الحوار والتنوع الثقافي مجرد وسائل لإعادة إنتاج الفصل على أساس الهويات.

تاريخ الخبر: 2023-10-23 09:22:28
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية