شيخ المؤلفين وصاحب النشيد الوطني للبلاد.. 135عامًا على ميلاد الشاعر والكاتب المسرحي محمد يونس القاضي


إيمان مهران: يونس القاضي أول رقيب للمصنفات الفنية وكتاباته في المسرح السياسي والاجتماعي هي أعمق وأهم الكتابات الموجودة في ذلك العصر

محمد عفيفي: يونس القاضي يعد من أدباء عصر النهضة أشعاره القضايا السياسية التي سادت عصره

“بلادي بلادي بلادي..لك حبي وفؤادي” ..كلمات نحفظها جميعا عن ظهر قلب ونرتبط بها ارتباطًا عاطفيًا ونفسيًا، حيث تعتبر هذه الكلمات أحد أهم أركان الهوية المصرية، وهي كلمات “النشيد الوطني” الذي تربطنا به علاقة وجدانية خاصة، بدأت منذ الطفولة حيث تعلمنا ترديده صباح كل يوم في مدارسنا، كما نردده في كل مناسبة قومية سواء كانت محلية أو عالمية، وعلى الرغم من الارتباط الوثيق بين جميع أطياف الشعب المصري وكلمات النشيد الوطني إلا أنه أغلب المصريين لا يعرفون مؤلف هذا النشيد الذي كتب وصاغ تلك الكلمات التي حفرت في أذهاننا، هو المؤلف والشاعر ” محمد يونس القاضي” الذي لقب بشيخ المؤلفين، ونحتفل هذا العام بمرور 135 عاما على ميلاد “القاضي” الذي قدم العديد من الكتابات الشعرية والأزجال وكلمات الأغاني وغيرها, لذا يجب أن يعرف الجميع من هو “شيخ المؤلفين” صاحب كلمات النشيد الوطني.

المولد والنشأة

—————————-

ولد محمد يونس القاضي في يوليوعام 1888 بحي الدرب الأحمر بالقاهرة، وكان والده يعمل في السلك القضائي و انتقلت الأسرة للعيش في محافظة المنيا بمركز أبو قرقاص لظروف عمل والده، وعلى الرغم من عمل والده بالسلك القضائي إلا أنه كان مولعا بالشعر والزجل، الأمر الذي شكل شخصية ” شيخ المؤلفين “منذ صغره، كان والده يقيم ندوة أدبية كل يوم جمعة يحضرها شعراء وأدباء المحافظة، يتبادلون فيها ما يكتبونه من قصائد الشعر وكتابات الزجل، وقد كان الأب شديد الحرص على أن يحضر ابنه “محمد ” هذه الندوات ، لذلك أسند إليه مهمة كبيرة، وهي أن يقوم “محمد ” الذي لم يكمل العشر سنوات بتدوين كل ما يدور بالندوة كسكرتير للجلسة، في الوقت ذاته التحق الشاعر الصغير بمدرسة الشيخ محمود عمر و ليخطو خطواته الأولى في التعليم ، وفي عام 1900م عندما أتم يونس 12 عامًا قرر الوالد العودة إلى مسقط رأسه بقرية النخيلة بمركز أبوتيج محافظة أسيوط، حيث استكمل الصغير تعليمه، ليسافر بعدها إلى القاهرة ويلتحق بالأزهر، وكان سفره إلى القاهرة بمثابة ميلاد جديد للشاعر الصغير.

العمل بالصحافة

———————-

تذكر الدكتورة إيمان مهران في كتابها ” مؤلِّف النشيد الوطني المصري وعصر من التنوير ” – هيئة قصور الثقافة- أن “القاضي” عمل بالصحافة بمجرد وصوله إلى القاهرة وأستمر بالعمل بها وولع بالصحافة، حيث تقول ” بدأ الشيخ يونس في مراسلة الصحف منذ عام 1905، وكان الشيخ أزهرياً في الثامنة عشرة من عمره ، وقد أرسله والده ليتعلم في الأزهر، وأرسل معه خطاب توصية إلى الشيخ على يوسف صاحب” جريدة المؤيد” فنشر مقالات كان أغلبها في الافتتاحية بأسماء مستعارة مثل جرير ، و الأخطل .. ثم عمل بجريدة اللواء مع الزعيم “مصطفى كامل “وظل بها فترة طويلة، و فى عام 1910 بدأ “القاضي في نشر أزجاله ولكن دون إمضاء في مجلة ” السيف” مقابل جنيه واحد عن كل زجل ينشر بالمجلة، مما ضاعف توزيع المجلة، وقد عرف في الوسط الصحفي رغم عدم توقيعه باسمه تحت هذه الأزجال، حيث كان “أحمد عباس” صاحب المجلة يذكر اسمه لمن يود معرفة صاحب هذه الأزجال ، وبعد فترة بدأ ” شيخ المؤلفين” في إعطاء أزجاله عددا من المجلات الأخرى مثل “المسامير” و”المجنون”، و فى عام 1910 أيضاً عمل صحفيًا بجريدة “العفاف” ثم جريدة اللطائف المصورة منذ عام 1912 وحتى عام 1942 ، كما عمل في جريدة “مصر الفتاة” حيث كان يكتب فيها” محكمة اللغة والأدب” عام1910 , وعمل كرئيس تحرير جريدة “مصر” بعد عام 1918 من أجل تدعيم معاني الوحدة الوطنية بين الهلال والصليب ، كمـا شغل منصب رئيس تحرير”مجلة مصر” عام 1919 ،وبعد وفاة الزعيم” مصطفى كامل” ، ظل يعمل في “اللواء” تحت رئاسة تحرير عبد العزيز جاويش، وقد أسهمت الصحافة في توطيد علاقاته بالفنانين ومشاهير عصره

الأعمال الأدبية والشعرية

———————————-

تقول إيمان مهران في كتابها أيضا أن “شيخ المؤلفين” ألف حوالي ثماني وخمسين مسرحية طوال حياته كما كتب آلاف الأزجال والأغاني التي يصعب جمعها بشكل كامل ، وقد كانت كتابات يونس القاضي في المسرح السياسي والاجتماعي هي أعمق الكتابات الموجودة فى ذلك العصر بل وأهمها، أما أغانيه فما زالت تتردد حتى الآن وتغنيها أجيال تلو الأخرى، لقد عبرت كلمات الشيخ يونس القاضي عن المجتمع وانتقدت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بأسلوب فكاهي ، ونظم القاضي ديوانه الشعري في عام 1911 ، كما قدم العديد من الأغاني لمشاهير المطربين والمطربات أنذاك ، ومن هؤلاء “منيرة المهدية” و “أم كلثوم” وهذا ما أكده الكاتب ” أيمن عثمان ” في كتابه ” تراث مصري”، وعلي الرغم من أن التراث الشعري والأزجال التي تركها الشيخ محمد يونس القاضي إلا أن بعضها نسبت إلى غيره مثل أغنية ” أهو ده اللي صار”، وقد أطلق على الشيخ محمد يونس القاضي العديد من الألقاب كان منها “زجال الشعب” وقد أطلق عليه هذا اللقب لأنه كان يتناول كافة القضايا الشعبية من خلال أزجاله، ولكن أشهر الألقاب التي أطلقت عليه هو لقب ” شيخ المؤلفين” .

الزجال السياسي والنشيد الوطني

————————————

على الرغم من أن الشيخ ” محمد يونس القاضي ” في الأساس كان مؤلفا وشاعرا، إلا أن الظروف الاجتماعية التي عاش بها المجتمع المصري بأكمله خلال هذه الحقبة، أجبرت العديد من الأدباء والمفكرين على الدخول في غمار المعارك السياسية، وما أكده العديد من المؤرخين والنقاد أن “زجال الشعب” خرج من عباءة الزعيم ” مصطفي كامل ” خاصة بعد عمله معه في جريدة اللواء فتأثر به كثيرا، وتقول الدكتورة ياسمين فراج في كتابها ” الغناء والسياسة”والدكتورة إيمان مهران في كتابها ” مؤلف النشيد الوطني” أنه في عام 1907 في الثاني والعشرين من أكتوبر ،بعد حادثة دنشواي ألقى الزعيم مصطفي كامل خطبة تاريخية وهي واحدة من أشهر خطبه والتي استلهم منها الشيخ يونس القاضي كلمات النشيد الوطني المصري، وكان النص الذي أستلهم منه “القاضي ” هو بلادي .. بلادي،لك حبي وفؤادي،لك حياتي ووجودي،لك دمي ونفسي،لك عقلي ولساني،لك حبي وحياتي،فأنت أنت الحياة،ولا حياة إلا بك..،ومن هذه الكلمات استلهم “القاضي” نصه الشعري الذي تم اعتماده فيما بعد نشيد وطني للبلاد، وعلى الرغم من هذا إلا أن كلمات النشيد الوطني تنسب في أغلب الأحيان لأشخاص أخرين منهم ” بديع خيرى”، ومن الجدير بالذكر أن هذا النص الشعري قام سيد درويش بتلحينه عام 1923 ، ثم تم اختياره من قبل ” محمد عبد الوهاب” ليكون النشيد الوطني المصري فى أواخـر السبعينيات عام 1978 وعقب توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل فى كامب ديفيد ليصبح بعدها النشيد الرسمي للبلاد.

ولم يكن تأليف النشيد الوطني هو الشاهد الوحيد على دخول الشيخ محمد يونس القاضي في غمار المعارك السياسية بل أنه كان من المؤلفين الذين اهتموا بتناول كافة القضايا الشعبية من خلال أزجاله وأغانيه بجرأة وقوة مما عرضه للاعتقال 19 مرة خلال حياته، وهذا وفقا لما ذكره الكاتب “محمد أمير” في كتابه” الحكواتي “وكانت آخر مرة تم اعتقال “القاضي” فيها عام 1917م ، عندما حقق معه “نجيب باشا” وكيل وزير الداخلية أنذاك وبعدما انتهت التحقيقات خرج “شيخ المؤلفين” وقام بكتابة أغنية ” أهو ده اللي صار” ردا على التحقيق معه بسبب كتابته الجريئة وموقفه من الاحتلال ، لتصبح أغنية ” أهو ده اللي صار” أيقونة ثورة 19 وتستمر حتى ثورة 25 يناير لتعيش مواقف “محمد يونس القاضي ” حتى بعد وفاته.

رقابة المصنفات الفنية

————————

تقول الدكتورة إيمان مهران في كتابها ، إن الشيخ محمد يونس القاضي قد عمل في الصحافة منذ عام 1905 حتى 1942 تعامل فيها مع مجلات وجرائد عديدة ، ولكنه استقر باللطائف المصورة حتى عام 1942 لينقل بعدها إلى وظيفة أخرى وهي وظيفة رقيب للمصنفات الفنية حيث كان أول رقيب مصري على المسارح والأغاني، وهو المسئول عن تصاريح المنتج الفني الذي يصرح بعرضه أو توزيعه، واستطاع يونس القاضي أن يصحح مسار الإبداع المصري في مجال المسرح والأغنية من خلال هذه الوظيفة التي لم يشغلها أي مصري من قبله، وعلى الرغم من أهمية هذا المنصب ، إلا أن “مهران” وصفت تولي “القاضي” هذه الوظيفة بأنها كانت بداية النهاية ، ربما لأنه بعد توليه هذا المنصب بحوالي 11 عاما، أقعده المرض وترك هذا المنصب واستقر يواجه مرضه في منزله

أعمال صامدة

——————-

ويقول الدكتور محمد عفيفي – أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة:إن محمد يونس القاضي يعتبر من أدباء عصر النهضة، يمكن تصنيفه على أنه أديب وشاعر وسياسي أيضا، حيث إنه استخدم أزجاله وكلمات أغانيه في تناول القضايا السياسية التي سادت أنذاك، وكانت الأزجال مؤثرة بشكل كبير حيث كان أبناء الشعب يتداولونها فيما بينهم وبذلك تنتشر بسرعة كبيرة، وهذه الطريقة كانت ثمة هذا العصر وهذا الشيء نفسه فعله عدد من الأدباء مثل بيرم التونسي وبديع خيرى، وترجع قلة شهرة محمد يونس القاضي إلى وفاته المبكرة مع الفترة الطويلة التي أقعده بها المرض عن العمل، كما أن ” القاضي” عمل بكتابة الأزجال والأشعار وكلمات الأغاني، ولم يتجه مثل غيره إلى العديد من المجالات الأخرى، ولكن تظل الأعمال الأدبية والشعرية لـ “القاضي” صامدة ومؤثرة حتى يومنا هذا.

نماذج لأشعار محمد يونس القاضي، الواردة في ديوانه “درة المكتوب” والمنشور في عام 1911م

قصيدة “في وداع مصر” :

أفارق مصر اليوم لا عن ملالة … فإني بها صب وذي لى عاشقة

ولكن أحداث الزمان لها يد… تطوح بالمضنى وتقصى رفائقه

ولـو أنصفت أيدي الزمان رمت بـه… إلـى حيث يلقـى إلفـه ومفارقه

ومن كان ذا وجد وفارق إلفه… جوارحه بالوجد تصبح ناطقة

ولولا زفيري كنت أظهرت زفرتى… ولولا أنينى قلت نفسي وامقة

ولكن أؤسى النفس فالصبر دأبها… فبالصبر نفسي عن سواها لفائقة

وقصيدة أخرى بعنوان “أهل مصر”

تحارب مصر وهي تريد سلما… فؤادا لا تروعه الخطوب

فواعجبي لما حاربت مصراً… كان مقابل السلم الحروب

ألا فاخمد سعير الحرب يوماً… أهل مصر فتى . حر . أديب؟

فحسبك أن يكون لها وقودا… وحاذر أن يشب لها لهيب

فقد دمرت دوراً عامرات… تلاد المال والعقل المصيب

فأمسى في حشاشتها كلوم… وقد حلت بساحتها الكروب

تاريخ الخبر: 2023-10-26 09:21:53
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية