وقف الحرب هو الإنتصار لشعب السودان


 

وقف الحرب هو الإنتصار لشعب السودان

خالد فضل

 

يحار المرء حقا في أمر دعاة الحرب، أ هم لا يعيشون مآسيها وآلامها ، أم هم صمّ عميّ عن سماع ورؤية فجائعها على مدار الساعة  أ تبلّد لديهم الحس الإنساني لهذه الدرجة وصاروا آلات بشرية لا تعي لا تنطق ، أم ماذا دهاهم وهم ينعقون صباح مساء بتمجيد هذا الطرف أو ذاك من أطراف العراك والقتال ، ويتسمم الفضاء بخطاب الكراهية ، ويوغل البعض في العداوة والشتم والذم لكل من يختلف معه في مسعاه غير الحميد , ودعوته غير المجيدة ،وأهدافه الخسيسة .

لقد كان قائدا الجيشين المتحاربين موضوعيين في وصف الحرب ، فمنذ أيامها الأولى وعبر قناة العربية الفضائية كان كلا منهما قد وصف الحرب بأنها عبثية على حد وصف الفريق البرهان ، وأنها حرب المنتصر فيها خاسر كما أشار حميدتي , ويظل السؤال ، حسنا إذا كانت الحرب كما وصفتما ، وأنتما كقائدين للجيشين المتعاركين تعلمان يقينا بالعبث والخسارة في استمرار الحرب فلماذا التلكؤ في العمل الجاد والمثمر من أجل إيقافها ؟ إنّ التاريخ يسجل الوقائع كما هي ، ولحسن الحظ فإنّ التطور التقني قد وفّر فرصة واسعة في زماننا الراهن لخفظ وتوثيق الحوادث عبر مختلف صور التوثيق ، وتتضاءل تبعا لذلك فرص التنصل مستقبلا .

والسودانيون سيبنون مستقبلهم دون شك عبر الأجيال القادمة بعد عجز أجيال الماضي والحاضر في تلك المهمة _حتى الآن على الأقل _ تلك مسيرة البشر منذ بدء الخليقة ، ونحن في خاتمة المطاف جزء من مجتمع البشر تنطبق علينا نواميسه وسننه العابرة للجنسيات والنوع .

إنّ عودة الطرفين للتفاوض في منبر جدة وبرعاية سعودية أمريكية أمر جيّد ،ولعل وبعد مرور سبعة أشهر على الحرب يكون بعض الرشد قد عاد إلى الطرفين , و توسع وامتداد رقعة الحرب وفجائعها قد هزّ وترا إنسانيا في أعطاف كليهما ، وإذ هما يقبلان على التفاوض قد شكما إرادتهما على وضع حد للعبث والخسران !! هذا بالطبع على إفتراض أنّ الطرفين يملكان إرادتهما ؛ وغاية الخشية أن ينكشف الحال في صبيحة الغد على واقع مرير مفاده أنّهما أدوات لأصابع داخلية أوخارجية !!

إنّ التفاوض عسير بلا ريب ، فالإنفجار الداوي والمفاجئ للقتال بين رفاق الأمس , زملاء الجندية السودانية ، وشركاء كل وقائعها ومجرياتها حتى صباح 15أبريل 2023م لابد قد رتّب عسرا , فهما يعرفان بعضهما جيّدا ، والعلاقات الشخصية بين القادة ، وحتى على مستوى الجنود , إذ هناك أسر سودانية كثيرة يتوزع بعض أفرادها بين الجيشين ، وهناك عناصر عديدة من القوات المسلحة في الخدمة أو في المعاش إلتحقت بقوات الدعم السريع الذي كان يوفر امتيازات أفضل مما يتوفر لهم عند الجيش ، كما أنّ الطرفين يشتركان ضمن قوات عاصفة الحسم في حرب اليمن / هناك جنود وضباط في السعودية وداخل اليمن يتبعان هنا للقوات المسلحة والدعم السريع ، هولاء وضعيتهم كيف تكون وقد إتخذ قائد الجيش قرارا بحل الدعم السريع ، أينطبق هذا القرار على الجنود في اليمن ؟ أ هم مليشيا متمردة كما يوصف الدعم السريع هنا ؟ بكل هذا الإرث المشترك بينهما وقع القتال ، وخلّف من الجانبين ضحايا كثر بين صرعى وجرحى ومشردين ، هذا على مستوى العسكريين أمّا المدنيون وهم دوما ضحايا إقتتال المسلحين , فإن واقعهم لا يحسدون عليه ، العاصمة الخرطوم والعواصم في إقليم دارفور وكردفان باتت مدن بئيسة ، يسكنها الخوف والترقب للأسوأ ، هجرها الناس ولوّا عنها هاربين في رحلات قاسية وظروف مؤلمة فيها فقد للأنفس والمتاع ، والجنينة الحزينة صارت أشلاء تدفن فيها الجثامين في مقبرة جماعية ؛ حسبما أفادت تقارير بعض المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، يسكن الآن التوجس والشك وسوء الظن بين رفاق الأمس أعداء اليوم ، تغذي بعضهم شحنات من خطاب الكراهية الذي سمم الأجواء ، فإن همو عبروا كل تلك الألغام وتحرروا من أسر ذواتهم وضغائنهم وانتصروا للإنسان فيهم سيكون وقف الحرب ، وسيكون ذلك هو أول إنتصار لشعب السودان المسكين .

في تقديري إعلان وقف التصعيد من الجانبين أثناء التفاوض يؤشر لحسن النوايا , وقف طويل المدى على الأقل 90يوما يمكن أن يكون خطوة جادة للتهدئة أولا وللبدء في تنفيذ ما يتمسك به كل طرف من حيل وتكتيكات وما يضعه من عصي بين الدواليب، كما يمكن من توصيل المساعدات والإغاثة لملايين المحتاجين ، ويوفر فرصة للمراقبة الغعالة في أن تكون على الأرض ، مباشرة عملية سياسية جادة تعيد البلاد إلى المسار الصحيح مسار الإنتقال المدني الديمقراطي سيكون أعظم نتيجة يتوصل إليها منبر جدة . لا للحرب نعم للسلم وللتحول الديمقراطي وبناء السودان الجديد على أحدث طراز ، تبا لدعاة الحرب مرحبا بكل من يدعو للسلام ووقف الحرب والكرة الآن في ملعب الطرفين .

تاريخ الخبر: 2023-10-29 12:24:39
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية