طبيب وخياطة وعروس.. لمحة عن بعض ضحايا القصف على غزة

  • Author, إيثار شلبي
  • Role, بي بي سي نيوز عربي

أدى القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مقتل الآلاف من الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

وقد حالت الظروف الصعبة في القطاع دون إمكانية توثيق قصص جميع الضحايا، ولكن بي بي سي تمكنت من الحديث مع أقارب وأصدقاء بعض منهم لمعرفة المزيد من التفاصيل عن قصص هؤلاء وآخر لحظات حياتهم.

يوسف أبو موسى

عُرف بوصف والدته الشهير له: "أبيضاني، وحلو و شعره كيرلي"

رغم الأزمة الحادة الناجمة عن انقطاع الكهرباء عن قطاع غزة، كان يوسف وشقيقاه حميد (9 سنوات) و جوري (13 عاما) يشعرون أنهم من بين الأطفال الأكثر حظا في القطاع، فقد تمكن والدهم محمد أبو موسى، وهو فني أشعة في مستشفى الناصر بمدينة خان يونس الجنوبية، من تركيب ألواح طاقة شمسية لتوفير الكهرباء للمنزل، كي يتمكنوا من مشاهدة أفلام الكرتون في التلفاز أثناء الحرب.

في ساعة متأخرة من مساء 15 أكتوبر – تشرين الأول، كان الأطفال الثلاثة يجلسون أمام التلفاز يشاهدون فيلمهم الكرتوني المفضل. وفجأة، تعرض منزلهم في حي الأمل بمدينة خان يونس، لقصف إسرائيلي كما يقول والدهم أبو موسى لبي بي سي مضيفا أن يوسف قتل فورا، بينما نجا كل من حميد وجوري التي أصيبت بجروح في الرأس والكتف.

في هذه الليلة، كان والد يوسف في مناوبة عمل لمدة 24 ساعة، عندما هرعت زوجته روان إلى المستشفى حاملة حميد بيدها، وتبحث عن يوسف في كل مكان. كانت فرق الإنقاذ قد تمكنت من العثور على جوري وإخراجها مصابة من تحت الحطام.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • المنظومة الصحية في غزة "على شفا كارثة" ومخاوف من تفشي الأوبئة
  • حرب غزة: "عرفت بمقتل عائلتي من تليغرام"
  • أين تقع قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة ضمن خطط العملية البرية الإسرائيلية؟
  • بالصور: كيف كانت غزة قبل الحرب وكيف تبدو الآن؟

قصص مقترحة نهاية

على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت قصة الطفل يوسف بشكل واسع من خلال مقطع مصور تظهر فيه أمه في المستشفى، وهي تسأل إذا تمكن أحد من رؤية طفلها "الأبيض الوسيم ذي الشعر المجعد (الكيرلي)". بعد ذلك بمدة قصيرة، عثر أبو موسى على جثمان يوسف في مشرحة المستشفى.

يتذكر الأب المكلوم قائلا: "آخر مرة رأيت يوسف حيا كانت قبل ذهابي لآخر مناوبة في المستشفى قبل القصف، ركض باتجاهي وحضنني عند باب منزلنا. ثم نادى على أمه وأخواته لنحضن بعضنا جميعا..كان حضنا عائليا لا ينسى".

"قبلني وودعني وأعطيته بعض البسكويت والموز".

يضيف أبو موسى أنه لم يمض وقت كثير على احتفال يوسف بعيد ميلاده السابع في سبتمبر/ أيلول الماضي، قائلا بصوت حزين إن "يوسف كان يحب السباحة كثيرا واللعب بألعاب سلاحف النينجا، و كان يأمل أن يصبح طبيبا في المستقبل".

الطبيب مدحت صيدم

جراح التجميل المعروف بـ "طبيب المهام الصعبة"

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

في مساء يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كان جراح التجميل مدحت صيدم يشعر بالإنهاك بعد أن قضى أسبوعا كاملا دون أن يغادر مستشفى الشفاء في غزة لإسعاف الجرحي، منذ أن بدأ القصف الإسرائيلي على القطاع.

كان الطبيب البالغ من العمر 47 عاما، يحتاج إلى بعض من الراحة، فأخبر زملاءه أنه سيذهب إلى المنزل تلك الليلة، لتوصيل شقيقته وعائلتها التي كانت تحتمي بالمستشفى ذاتها تلك الليلة، وللاطمئنان على عائلته. كان من المفترض أن يعود للعمل في المستشفى في الصباح. لكن بعد ساعات قليلة قُتل الطبيب في غارة على منزله الواقع في منطقة تل الهوى، ومعه جميع أفراد عائلته.

يصفه زميله الطبيب عدنان البرش رئيس قسم جراحة العظام بمستشفى الشفاء لبي بي سي، بـ"الرجل الماهر والهادئ والمرح" مشيرا إلى أن طاقم المستشفى كان في حالة صدمة عندما عاد الدكتور صيدم في اليوم التالي، جثة هامدة. يقول إن آخر لقاء جمعهما معا كان في غرفة العمليات أثناء إجرائهما جراحة لأحد المصابين، مشيرا إلى أن الدكتور صيدم خرج من المستشفى إلى منزله مرتديا بدلته الطبية خضراء اللون.

ويصف البرش الذي عرف صيدم لأكثر من 20 عاما، بأنه "الجراح الذي لا يتوقف عن العمل" نظرا لتفانيه الملحوظ، وعُرف دائما بأنه كان مرشدا رائعا للأطباء الأصغر سنا، "أطلقنا عليه أسماء كثيرة مثل "مختار القسم، المكوك، طبيب المهام الصعبة".

ويضيف البرش قائلا: "كان الأطباء يعرفون أنهم إذا واجهوا صعوبة في أي شيء، فإن الدكتور صيدم سيكون الشخص الذي يساعدهم على تخطي المصاعب"، وهو الرأي الذي وافق عليه زميل آخر هو الدكتور أحمد المخللاتي رئيس قسم الجراحات التجميلية بمستشفى الشفاء، الذي أضاف قائلا: "موت الدكتور صيدم خسارة كبيرة، ليس فقط للمستشفى، ولكن لمهنة الطب كلها".

نور أبو خرمة

"كانت تلعب مع ابن اختها الصغير"

قُتلت نور البالغة من العمر 17 عاما، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول في قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها في منطقة دير البلح، وهي مدينة تبعد نحو 14 كيلومترا شمال مدينة غزة، بحسب عمها محمد أبو خرمة.

كانت نور، تلعب مع ابن أختها يزن البالغ من العمر 7 سنوات، في غرفة المعيشة، حين قُصف المنزل، بينما نجت من الغارة شقيقاتها علا وهدى اللتان كانتا تعدان الإفطار بصحبة والدتهما جملات.

وقال عمها لبي بي سي، إن ابنة أخيه أعربت عن رغبتها – قبل القصف بالليلة واحدة- في الانتقال للإقامة مع بنات عمها في مكان آخر بعيدا عن منزلها، لكن والدها رفض، وطلب منها أن تبقى في المنزل الذي تم قصفه في الصباح التالي. يقول عمها لبي بي سي بصوت حزين :"ماذا نقول؟ هذا قدرها".

كانت نور في عامها الأخير من الدراسة الثانوية، وكانت تحلم بأن تصبح طبيبة. يقول عمها: "أخرجنا حقيبتها المدرسية من تحت الحطام، كان بداخل الحقيبة دفتر للمذكرات كتبت في أحد صفحاته " أريد أن أجعل عائلتي تفخر بي، سأحصل على أعلى الدرجات بمشيئة الله".

لورين عزام أبو حليمة

عروس "قتلت وهي تصلي"

في آخر اتصال لها مع خطيبها "خالد المصري" يوم 21 أكتوبر، قالت لورين إنها أُنهكت من التنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان من الغارات الإسرائيلية. كانت الشابة التي كانت تبلغ من العمر 26 عاما قد وصلت قبل ساعة إلى مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة للبقاء مع خالتها.

يقول خطيبها الذي يعيش ويعمل في قبرص لبي بي سي "قالت لي إنها ستستحم، وتصلي وترتاح"، كانت تصلي في إحدى غرف المنزل الذي تعرض للقصف، "قُتلت وهي تصلي".

اضطرت لورين وخطيبها إلى تأجيل زواجهما عدة مرات بسبب الأوضاع المضطربة في قطاع غزة، كانا يخططان للزواج في ديسمبر/ كانون الأول المقبل والانتقال ليعيشا معا في قبرص. يصفها خطيبها المكلوم "بحب حياته الذي فقده فجأة"، مضيفا أنها كانت "شجاعة ويصعب وصفها بمجرد كلمات".

يقول خالد إن خطيبته كانت قد نجت من قصفين سابقين، أحدهما وقع يوم16 أكتوبر/ تشرين الأول والذي تسبب في دمار منزلها الذي كانت تعيش فيه مع والديها في مدينة غزة، وقصف آخر وقع على كنيسة القديس برفيريوس في 19 أكتوبر تشرين الأول، حيث كانت تحتمي فيها هي وعائلاتها.

يقول خطيبها المحطم "لقد ارتاحت إلى الأبد، خطيبتي ارتدت كفنا أبيض بدلا من الفستان الأبيض".

فكرية حسن عبد العال

"خياطة الفساتين الماهرة"

كانت النساء في حي الرضوان في غزة يعرفن تماما إلى أين يذهبن، عندما كن يرغبن في تفصيل فساتين وأزياء للمناسبات والأعراس. كن يتوجهن إلى منزل الخياطة فكرية حسن عبد العال، التي قتلت في قصف إسرائيلي في 23 أكتوبر تشرين الأول كما تقول ابنتها نيفين عبد العال لبي بي سي التي تضيف بإن والدتها السبعينية قتلت مع اثنين من أخواتها واثنين من أولادها واثنين من أحفادها، في منزل للعائلة كانت تحتمي به في حي الشيخ رضوان، أحد الاحياء المعروفة في مدينة غزة.

تتذكر نيفين كيف اشتهرت والدتها بتفصيل فساتين الزفاف والسهرة، وتقول: "أتذكر حين كان منزلنا يمتلئ بالعرائس ووصيفاتهن، اللاتي كن يأتين إلى أمي لمعاينة الفساتين، كانت موهوبة بشكل استثنائي".

وتضيف أن أمها كانت تكرس حياتها بالكامل لعائلتها، وتقيم تجمعات عائلية كل أسبوع. "كان منزلنا مفتوحا للعائلة كل خميس. كنا نمرح ونسهر وكانت أمي دائما حريصة على هذا الجمع". لكن حالتها النفسية تأثرت كثيرا بالتصعيد الأخير للصراع.

تقول نيفين "في آخر مكالمة هاتفية بيننا، قالت لي أمي إنها محبطة ومنهكة للغاية من حرب تبدو أنها لن تنتهي قريبا".

مازن وأحمد أبو عاصي

شقيقان قتلا في تفجير المستشفى الأهلي العربي

كان الشقيقان مازن (17 عاما) وأحمد (13 عاما) ضمن المئات الذين قتلوا في انفجار المستشفى الأهلي العربي في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. كان الشابان برفقة عمهما يحتميان بالمستشفى ليلة القصف، معتبرين أنها "أحد أكثر الأماكن أمنا" في غزة، كما يقول والدهما عرفات أبو عاصي لبي بي سي

ويقول المسؤولون الفلسطينيون إن الانفجار وقع بسبب غارة إسرائيلية، لكن إسرائيل تقول إن الانفجار نتج عن صاروخ أطلقته جماعة الجهاد الإسلامي لكنه انحرف عن مساره، وهو الاتهام الذي نفته الجماعة المسلحة.

يقول أبو عاصي والد مازن وأحمد لبي بي سي إن نجليّه كانا قريبين للغاية من بعضهما البعض، لكن كان لكل منهما شخصية مختلفة تماما. ويقول إنه "انتظر ولادة ابنه الأكبر مازن ثماني سنوات، حاول خلالها هو وزوجته إنجابه من خلال عمليات الحقن المجهري".

كان مازن في السنة الثانية من الثانوية العامة، وكان يريد أن يصبح طبيبا للأسنان. يصفه والده بـ"الأذكى بين كل أبنائي".

في حين قال عن أحمد إنه "الأقوى والأشجع في العائلة" وصاحب المبادرات الريادية، "لقد كان يحب التجارة إلى حد كبير، وكان يبيع الألعاب والأدوات المدرسية في زاوية صغيرة قريبة من منزلنا".

الابن الوحيد الباقي لعرفات الآن هو فرج ذو الثلاث سنوات، يقول الأب المكلوم إن ابنه الصغير يبكي ويسأل عن إخوته، لتكون الإجابة" إن الله اختارهما ليقيما في الجنة، وهذا هو المكان الأفضل".

سلام ميمة

"الصحفية التي تحمل نصيبا كبيرا من اسمها"

قُتلت الصحفية الفلسطينية سلام ميمة (32 عاما) في يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول، حين ضربت غارة إسرائيلية منزلها في منطقة جباليا شمال غزة، بحسب ما قالت صديقتها آمال الرزاينة لبي بي سي.

قُتل أيضا زوجها محمد المصري، وابنتها شام ذات العامين، وابنها هادي ذو السبع أعوام، بل وأفراد آخرين من العائلة، وكان الناجي الوحيد من القصف هو ابنها علي ذو الأعوام الخمسة.

كانت سلام واحدة من 31 صحفيا الذين أكد الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني مقتلهم، منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس حتى نهاية أكتوبر /تشرين الأول.

وكانت ترأس سلام لجنة الصحفيات في جميعة الإعلاميين الفلسطينيين، وهي الجمعية التي تعمل على تطوير العمل الإعلامي للصحفيين الفلسطينيين.

تقول آمال ، وهي صديقة لسلام منذ أكثر من عقدين: "صديقتي كانت أكثر شخص مسالم التقيته في حياتي، كانت تحمل نصيبا كبيرا من اسمها"، مضيفة أن سلام كانت على قيد الحياة تحت الأنقاض ليومين قبل أن يتم انتشالها. "حاولت فرق الإنقاذ إسعافها بالأكسجين والمياه ولكنها للأسف فارقت الحياة، ولكننا محظوظون أن لدينا من رائحتها ما يذكرنا بها دائما، ابنها علي"

صفاء نزار حسونة

"الصيدلانية والأم الجديدة"

قُتلت الطبيبة الصيدلية صفاء حسونة (26 عاما) في غارة على مدينة رفح جنوب غزة، في يوم 17 أكتوبر، عندما كانت نائمة بجانب زوجها، ورضيعتها إليانا، البالغة من العمر ثلاثة أشهر.

يقول عمر حسونة عم صفاء، وهو طبيب متقاعد في مقيم المملكة المتحدة، إن والديها نجيا من القصف، لكنهما محطمان وفي حالة صدمة بسبب مقتلها.

ويضيف "من الصعب أن تذكر اسمها أمامهما، فهما لا يتوقفان عن البكاء".

يقول عمر إن آخر مرة رأى فيها ابنة أخيه كانت في يناير/ كانون الثاني الماضي خلال إجازة له في غزة. يصفها "بالشابة المهذبة، التي دائما ما كانت تفعل كل شيء لمساعدة عائلتها". ويقول: "لقد فقدت ابنة أخي المحبوبة من الجميع. ليس من العدل أن تموت، أو يموت كل هؤلاء المدنيين في غزة".

"علمتُ عبر التلفاز أنني فقدتُ 26 فردا من عائلتي دفعة واحدة"
"لا أريد الموت في الـ24 من عمري" - حكاية امرأة عالقة عند معبر رفح