نحو الأفضل.. سر التجسد ومفهوم جديد للكرامة الإنسانية..
نحو الأفضل.. سر التجسد ومفهوم جديد للكرامة الإنسانية..
بالحقيقة أن قلوبنا لتمتلئ فرحا. وشفاهنا تلهج بالتسبيح. ونحن وقوف حول المذود نعاين مع الملائكة والرعاة والمجوس المولود الإلهي في مذوده المتواضع. فنردد مع القديس بولس عبارته الخالدة عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد.
ولعل هذا الظهور هو بدء إعادة إنسانيتنا إلي كرامتها الأولي حين خلقنا علي صورة الله لكن خطيئة الكبرياء امتدت فشوهت هذه الصورة وأسقطتها. وكان أن جاء الرب الإله نفسه يأخذ شكل تواضعنا ويلبس صورة إنسانيتنا حتي يعيدها إلي مكانتها الأولي مكانة الحب والصداقة في فردوس العهد الجديد: عهد الخلاص والنعمة والإنجيل وكان من ثمار هذا التجسد العظيم:
1ـ إن إلهنا له المجد عايناه حبا وبذلا وفداء بل صرنا له أصدقاء تربطنا به ذاته الأبوة ـ يقول له المجد: لا أعود أسميكم عبيدا بل أصدقاء فلما سأله أحد تلاميذه يارب علمنا أن نصلي أجاب: متي صليتم فقولوا أبانا الذي في السموات.
2ـ ولم نقف عند هذا الحد فقط ولكن نعمته المعطاة لنا من خلال سر المعمودية, أو الولادة الروحية الجديدة وسر الميرون أن التثبيت الذي به نصبح هياكل كحلول روحه القدس, قد أصبحنا كما يقول القديس بطرس: شركاء الطبيعة الإلهية, فحين نصلي قائلين لتكن مشيئتك نقولها في إيمان خالص, وتسليم عميق لإرادة الله بحيث تصبح هذه الإرادة واحدة في إرادتنا.
3ـ إن بنوتنا لإلهنا الصالح أهلتنا لنتيجة طبيعية ومنطقية إننا صرنا ورثة للملكوت, كما يقول معلمنا القديس بولس الرسول وهذا الميراث هو الذي أخبرنا عنه معلمنا القديس بطرس بأنه لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلنا. وهكذ أصبحنا أبناء للملكوت, يقول مخلصنا الصالح إنه سيخاطب أحباءه المؤمنين به يوم الدينونة! تعالوا يامباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم فأي ثقة تحل بنا وأي رجاء يقودنا ويوجهنا في رحلة الحياة أعظم من ذلك؟ إن ذلك معناه أننا نعيش علي أمل رؤية رب المجد إلي الأبد مما يجعلنا نعي بالا إلي وصيته القائلة طوبي لأنقياء القل لأنهم يعاينون الله فلكي نعاينه يجب أن تتنقي حياتنا وتمتلئ ثمارا صالحة.
4ـ إن هذه الروحيات العظيمة اتسمت جميعا بسمة الرحمة: الرحمة بالإنسانية في كل صورها وبالتالي إعادة الكرامة إليها في شكل منحها حق الحرية والعناية والتربية والنمو السليم.
فقد غيرت المسيحية النظرة إلي الطفولة والأطفال, وإلي المرأة والأمومة بل واحترمت الأنوثة ووقرتها فاعتبرت حتي النظرة الملتهبة خطيئة, وبذلك قطعت دورة الخطيئة سواء للرجل أو المرأة وأحلت المرأة مكان الكرامة, والاعتبار وكنتيجة طبيعية أصبحت علاقة الرجل بها هي علاقة التكامل والتعاون المشترك في بناء كنيسة ووطن الغد, وغدا الزواج سرا إلهيا لا تنفصم عراة إلا بالخيانة أو الموت سواء كان موتا روحيا أو جسديا فلا طلاق ولا تعدد وكان لهذه النظرة نتائجها في تحقيق جو الأمان والاستقرار لنمو الأطفال في جو يملؤه الحنان ويسوده الاحترام والحب. فماذا بعد هذه كلها من إعلاء لكرامة الإنسان!
ثم تأمل عناية المسيحية بالضعيف أيا كانت صورة هذا الضعف, فالعبد والخادم والمريض والمصاب والمشكل والمنحرف, كل هؤلاء سندت المسيحية ضعفهم بمثال السامري الصالح الذي لما رأي اليهودي الجريح, وهو من جنس غريب ومعاد له, نسي كل الفروق وحواجز القومية واللونية والسياسية والاجتماعية, ونزل من فوق دابته ليركبه عليها, ويصحبه إلي فندق ليعالج بل وزاد علي هذا كله بأن سدد له الأجر كاملا.
أي تعليم أسمي من هذا وأرفع؟ وأي تطبيق بالعمل والسلوك أرقي من هذا وأروع! ولما جاء هذا مصداقا للتوصية المخلص له المجد ليري الناس أعمالكم الصالحة؟ أما أكد القديس بولس هذه الوصية حين تحدث عن الإيمان العامل بالمحبة؟ وكذلك القديس يعقوب حين حاجج المنكرين, قائلا: لأن الريمان بدون أعمال ميت؟ أما القديس بولس فقد قالها صريحة, واضحة يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعف الضعفاء. وفي الصلاة خير مرشد وموجه لأسلوب التعامل واستمراره, بل وماذا عن المذنب والمجرم: إنه منهج الإصلاح الجذري وتغيير نظرة المجتمع عنه واعطاؤه الفرصة لإصلاح مسلكه وسلوكه. فحين أتوا بالمرأة الخاطئة إلي السيد له المجد وكل يمسك بحجر كبير ليرجمها فالتفت إليهم يوقظ ضمائرهم بسؤاله التاريخي من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها أولا بحجر.. منذ ذلك الحين والسؤال لا يزال موجها للبشرية كلها: أن أصلحي من ظروفك يصلح الناس. لكن إذا ظلت الاطماع وسادت الأنانية وطغت الشهوة والتسلط أفرخت الخطيئة والانحراف وأفرزت أنماط الساقطين والساقطات. لذلك نظر الرب في حنان إلي المرأة, ولعله كان ينظر في شخصها إلي كل نفس معذبة, وإلي كل إنسان خاطئ ليقول لها اذهبي أنا لا أدينك فلا تعودي للخطيئة مرة أخري.. ولم يكن هذا الموقف ليعني إلغاء القوانين أو التشجيع علي الخطيئة وإنما هي النظرة الأبوية التي أخذ العالم بها بعد ذلك في مؤسساته العالمية لإنقاذ الطفولة والتقابل من أثر الجريمة والوقاية من أسباب الانحراف, أي بإعادة تشكيل ظروف الحياة الاجتماعية والنفسية والعائلية حتي لا تفرخ انحرافا أو جريمة وإنما تنتج عن سلوكا سويا وأنماطا إنسانية تكره الخطيئة وتتجنب الانحراف وتقول في ثقة كل شيء يحل لي لكن لا يتسلط علي شيء.
وكان أن انفردت المسيحية بإعطاء الوصية ومعها القوة علي تنفيذها. فهوذا القديس بولس يقول أستطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني وبذلك انتقلت الأسرة الإنسانية كلها من مستوي الانحدار إلي مستوي الارتفاع ومن حياة الضعف إلي حياة القوة ومن خط الاستسلام والهزيمة إلي خط الرجاء والنصرة في المسيح الرب.
فيا طفل المذود, أيها الإله المجيد الذي رفعت إنسانيتنا, وأعدت إلينا كرامتنا, إليك نتوجه بالحب والوفاء وعرفان الجميل شاكرين متعهدين أن ننشر مبادئك الصالحة, وأن نقدم وصاياك للجميع هدية ود وصداقة لي نحيا بالسلام ونلتقي في النهاية بالمجد.