لم يصدمني المرض ولكن… الرابعة
لم يصدمني المرض ولكن… الرابعة
انتقلت من حجرة الرعاية المركزة إلي حجرة عادية في المستشفي بعد ثلاثة أيام بسبب زحام المرضي, وكثرة الحالات التي تحتاج إلي عمليات جراحية, ولم أكن قد استرجعت صحتي أو مررت لفترة نقاهة كاملة أو كافية, وهذه إحدي مشكلات مصر الكبيرة أو الخطيرة, زيادة عدد السكان التي تطيح بكل محاولات التنمية والتقدم, ومن العجيب أن هذه المشكلة تهددنا منذ قرن من الزمان ونحن نعرف ذلك, بل وندرس نظرية مالتس في السكان في المدرسة الثانوية وفي الجامعة, ومع ذلك لا نعمل بها أو نطبقها أو نحاول ذلك, كلام كثير عن المشكلة السكانية, والنتائج السيئة لزيادة السكان, والفقر الاقتصادي وزيادة الجهل وعدم التعلم مع التعرض للأمراض والأوبئة, كل مشاكلنا نتيجة لزيادة عدد السكان عن الموارد الطبيعية والبيئية والغذائية والسكانية وغيرها. الحكومة تصرخ وتنادي بضرورة تنظيم الأسرة والحد من عدد السكان ويكفي طفل أو اثنان أو حتي ثلاثة, لكن لا فائدة, بل ولم نهتم بدراسة تقارب الدول والشعوب الأخري في هذا المجال وعلي رأسها جمهورية الصين التي قررت أن تنجب كل أسرة طفلا واحدا ثم سمحت بطفلين واستطاعت أن تحل بعض مشاكلها, مع إعداد الشعب ليكون قوة ضاربة في الإنتاج والعمل الدائم. لن تحل مشكلة زيادة السكان في مصر إلا لو اتخذت الحكومة قوانين صارمة من أجل ذلك, وتخلص شعبنا من العادات والتقاليد البالية التي تشغل تفكيره وتفسده, وكذلك من المهم أن يشرح رجال الدين أن الله خلق لنا العقل حتي نستخدمه في حل كل مشاكلنا, والعقل ينادي بتنظيم الأسرة حتي يعيش المجتمع المصري في كفاية وسعادة ورفاهية ويتخلص من الفقر والجهل والمرض.
فرحت زوجتي جدا من انتقالي إلي حجرة عادية في المستشفي, فمعني ذلك أنني بخير وصحة جيدة, وكذلك لأن مواعيد الزيارة أفضل, وقضت معي مع ابننا ناجي اليوم بسلام وزيارة بعد الأصدقاء.
في اليوم التالي حدثت مفاجأة غير متوقعة صباحا: قرر الأطباء السماح لي بمغادرة المستشفي واستكمال فترة النقاهة في البيت, واتصلت بمني أخبرها فزاد فرحها وقالت.. سأحضر حالا وآخذك إلي البيت.
لا أنكر أن مشاعري تضاربت واختلطت, فأنا خارج من عملية خطيرة منذ أيام قليلة ولم أسترد صحتي وأصبح عاديا, بل أشعر بدوخة, ولم أكن قد بدأت في تناول الطعام, يمعني أن جسمي يعاني من هزال وضعف, وهذا يجعلني أشفق علي نفسي وأخاف علي جسدي. في نفس الوقت الذي أشعر فيه أن المستشفي هو مجرد مكان للعلاج وتحكمه قوانين صارمة, وأن حرية الخروج منه أفضل بكثير من الوجود فيه. وهذا شعور أسعدني وأراحني. جاءت زوجتي وجلسنا مع الطبيب لتلقي التعليمات وكتب لي بعض أنواع الفيتامينات والدواء الذي أتناوله مع تأكيده علي أن أرسل مندوبا إلي المستشفي بعد 15 يوما ليتسلم نتيجة تحليل عينة المرض ونعرف ماذا نفعل بعد ذلك.؟
خرجنا من المستشفي وأنا أشعر كأني ولدت من جديد مع بعض آلام في جسمي وشعور بضعف عام لكن فرحة الخروج بعد العملية كانت كبيرة, واتصل بي بعض الأقارب والأصدقاء ليطمئنوا علي بل ويزوروني, وقد ارتكبت خطأ كبيرا بفتح بيتي للزيارة مما أدي إلي تأخير فترة النقاهة, كان يجب أن أمد فترة النقاهة حتي أشعر باستعادة صحتي وقدرتي علي استقبال الضيوف لكن فرحتي وفرحة العائلة أدت إلي تأخير فترة النقاهة. الحقيقة أننا شعب مضياف محب ودود كريم لكن لابد أن نعرف أن زيارة المريض لابد أن تكون مدتها قليلة وبخاصة لو كان خارجا من عملية جراحية خطيرة منذ أيام قليلة, بعض الأحباب والأصدقاء والأقارب عرفوا ذلك لكن هناك من لم يقدر ذلك, ويجلس براحته واعتبرها قاعدة مريحة مما أجبرني أن أقول: من فضلكوا احتاج أن استريح بعض الوقت.. فانصرفوا..
زيارة ا لمريض من عاداتنا وتقاليدنا الإنسانية الجميلة الرائعة التي تعبر عن الحب والود والعطف والكرم, لا شك أن يأتي صديق أو قريب إلي ليزورني وأنا مريض, عمل جليل يسعدني بالطبع, فالناس علي الناس رحمة, لكن هناك ضوابط لزيارة المرضي يجب أن نعرفها ونعرف بها أبناءنا حتي تكون مفيدة طبعا وليست مملة أو تضايق المريض. ويبلغ كرم الزوار أن يحضروا معهم هدايا مختلفة كان أشهرها قديما علبة شيكولاته, لكن الهدايا اختلفت الآن, فالبعض يفضل الفاكهة لأنها مفيدة أكثر للمريض: والبعض يشتري للمريض بعض الملابس التي يحتاجها, للمرأة قميص نوم وللرجل بيجامة مثلا, أو أي ملابس أخري, والبعض يشتري نوعا من (البرفانات) وهذه أنواع كثيرة بعضها مرتفع الثمن جدا يصل إلي عدة آلاف من الجنيهات, وهذه أيضا خاصة بالنساء والرجال كل علي حدة هناك نوع آخر من زوار المرضي لا يشترون هدايا بل يقدمون ظرفا به مبلغ من المال حتي يستطيع المريض أن يفك به ضيقته المالية, إن وجدت, والواقع أن المصريين يعانون من أزمة مالية منذ أكثر من عدة سنوات بسبب وباء الكورونا وحرب روسيا وأوكرانيا والحروب الأخري المنتشرة في العالم وأحدثها للأسف حرب فلسطين مع إسرائيل والمذابح والدمار واللا إنسانية التي تدور هناك الآن. كل هذه أسباب أزمتنا الاقتصادية, أضف لذلك مشكلة الزيادة السكانية اليومية التي لا نجد لها حلا, أو التي لا نحاول أن نجد لها حلا جذريا سريعا ينقذنا فإننا نكون أولا نكون!
بمناسبة الهدايا التي يحملها الزوار إلي المرضي فإنه هناك نوع من الضيوف لا يحملون أي هدية للمريض, ولا حتي وردة! وهذه طبيعتهم ولكني أعتقد أن مجرد زيارة المريض حتي دون أي هدية تعد عملا إنسانيا كبيرا مهما يجب أن نقدره فزيارة الصديق أو القريب للمريض هي أكبر هدية إنسانية ممكنة وهي أفضل من الطناش أو عدم الزيارة أو الاستعباط, أو سلامتك يحبيب قلبي, وأكثر من بوكيه ورد علي (الفيس بوك) وهو الآلة الحديثة التي يستخدمها الكل في الضحك علي أنفسهم والآخرين..وأنا دقة قديمة لا أؤمن بذلك.
ونستكمل في اللقاء القادم.