صحفيون من غزة يكتبون "رسائلهم الأخيرة"

  • Author, ديما ببيلي
  • Role, بي بي سي نيوز عربي

"انتهت مرحلة المخاطرة لنقل الصورة وبدأت مرحلة محاولة النجاة"، هكذا تحدث الصحفي الغزي، معتز عزايزة، مخاطبا متابعيه البالغ عددهم أكثر من 15 مليون، في منشور لا يشبه منشوراته السابقة منذ بداية حرب غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

الشاب، البالغ من العمر 24 عاما، أصبح خلال أسابيع قليلة بفضل هاتفه المحمول ولغته الإنجليزية السلسة، صوتا مستقلا لأهل غزة يصل لجميع أنحاء العالم، ناقلا معاناة أبناء بلده بتفاصيلها.

وفي المنشور نفسه، قال المصور الصحفي عزايزة : "القضية الآن قضية حياة أو موت. لقد نقلتُ بما فيه الكفاية وأشهد لله أن ذلك كان لوجهه وخدمة لوطني"، معبرا عن يأسه عقب دخول الحرب مرحلة جديدة أعلن فيها الجيش الإسرائيلي عن توسيع عمليته البرية "لتشمل كل جزء من غزة".

ومعتز واحد من مجموعة صغيرة من الصحفيين والمؤثرين الفلسطينيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين لا يزالون داخل قطاع غزة، مسخرين كامل وقتهم لتوثيق الحرب ونقل وقائع حياتهم تحت الحصار والقصف بشكل يومي.

التعليق على الصورة،

بيسان عودة

من بين هؤلاء صانعة الأفلام بيسان عودة، 25 عاما، التي قالت عبر إنستغرام، في لهجة يشوبها الأسى وتشبه تلك التي استخدمها معتز، إنها "فقدت أملها بالنجاة بشكل كامل"، وأضافت "عكس ما كنت أتوقعه في البداية، فالآن أنا متأكدة أنني سأموت خلال الأسابيع أو الأيام القليلة القادمة".

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • خمس حروب خاضها نتنياهو في غزة منذ انسحاب إسرائيل من القطاع، فماذا نعرف عنها؟
  • ما الذي يعنيه توسيع إسرائيل لعملياتها لتشمل كل غزة؟
  • حرب غزة: كيف يواجه ذوو الإعاقة الفلسطينيون يوميات القتال؟
  • القمة الخليجية تدين "ممارسات إسرائيل في غزة" وتطالب بوقف إطلاق نار دائم واستئناف عملية سلام شامل

قصص مقترحة نهاية

لدى بيسان 3 مليون متابع عبر إنستغرام، وتحظى منشوراتها بعشرات الآلاف من التعليقات وتفاعل واسع من جميع أنحاء العالم، إذ تنقل لهم يومياتها التي تتضمن تفاصيل مثل "روتين غسل وجهي في غزة"، إذ تُظهر لمتابعيها كيف تستخدم مرآة سيارة الطوارئ لتحقيق ذلك. كما تتحدث عن رحلة الفرار من مكان إلى آخر، والنوم تحت الخيام في ظل ظروف جوية قاسية.

التعليق على الصورة،

بيسان عودة

بيسان تجري أيضا مقابلات مع أطفال ونساء وتشارك قصصا إنسانية لجميع أطياف المجتمع الغزي. وفي بعض منشوراتها، تكون دموعها حاضرة إذ تتحدث عن فقدان الآمال والأحلام و"كل شيء عملت من أجله".

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

وتظهر منشورات بيسان الأخيرة علامات الإرهاق على وجهها، إذ تقول إنها نزحت إلى جنوبي غزة كما طالبهم الجيش الإسرائيلي، لكنها الآن تسأل "من المفروض أن تكون هذه منطقة آمنة، إلى أين نذهب؟ هل أُخبر العالم بأسره أنكم تدفعونا خارج غزة لكي تحتلوها؟ أخبرنا أيها الجيش الإسرائيلي أين نذهب؟".

وهكذا أمسى متابعو هؤلاء الصحفيين غير معنيين فقط بالتطورات في غزة بل تجاوز الأمر ذلك ليصل إلى الاهتمام بحالة الصحفيين وصحتهم النفسية والجسدية، وهل لا زالوا على قيد الحياة أم لا.

وفي حال غيابهم عن الفضاء الإلكتروني لساعات معدودة، ينتاب الخوف المتابعين الذين يسارعون بكتابة تعليقات يعربوا فيها عن مدى قلقهم.

ويواجه الصحفيون مخاطرة شديدة أثناء ممارسة عملهم في غزة، فمنذ بداية الحرب قُتل 61 صحفيا وموظفا إعلاميا، 54 منهم من الفلسطينيين، حسب لجنة حماية الصحفيين وهي منظمة أمريكية غير حكومية.

وخلال اليومين الماضيين، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في غزة موجة من الرسائل المشابهة من قبل بعض المؤثرين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية إخبار العالم بما يحدث، رغم معاناتهم الشخصية من خسائر ومآس، وفي ظل ظروف تقنية معقدة وانقطاع متواصل لخطوط الهاتف والإنترنت والكهرباء في القطاع.

الشاب العشريني إسماعيل جود، الذي يقوم بدوره بتوثيق الحرب أيضا، شارك "رسالته الأخيرة" قائلا: "الوجوه أصبحت شاحبة والأمل انقطع، أدينا الأمانة تجاه وطننا وسنبقى لآخر نَفَس ننقل لكم الصورة..”.

أما بعض الصحفيين فقد شاركوا صورا ومقاطع فيديو للتحذيرات والتسجيلات التي وصلتهم من الجيش الإسرائيلي، مطالبة إياهم بإخلاء منازلهم والنزوح جنوبا.

الناشطة الفلسطينية، عفاف أحمد، شاركت عبر إنستغرام رسالة مسجلة من الجيش الإسرائيلي، يعد فيها صوتا آليا مجموعة من الأرقام، التي تشير إلى مناطق معينة داخل القطاع على سكانها الخروج منها. وأضافت: "في غزة مصيرك هو أن تموت في المنزل تحت قنابلهم، أو تموت وأنت تهرب من قنابلهم، أو تتجمد وتموت جوعًا في الخارج".

وإذا تصفحت حسابات صحفيي غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ستجد غالبًا منشورًا أو منشورين يشيران إلى وفاة زميل صحفي أو مصور. هند خضري، صحفية مستقلة، تبلغ من العمر 28 عامًا، نعت قبل يومين وفاة صديقها الصحفي المصور، منتصر صواف، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية. "كان لزاما علينا، لكوننا زملائه، أن نكتب النبأ العاجل الخاص بمقتله. كنا نبكي ونحن نكتب خبر مقتله. لقد قمنا بتغطية أنباء مقتل ذوينا منذ اليوم الأول".

وفي صفحة هند، تجد صورة شخصية لها وهي تقول "قد تكون هذه الأخيرة".

ومع غياب الصحفيين الأجانب في القطاع، يعتمد رواد مواقع التواصل الاجتماعي على أصوات محلية لنقل الصورة، كما تستخدم معظم وسائل الإعلام العالمية المحتوى الموجود على صفحاتهم.