يقال إن نابليون وصف بريطانيا بأنها "أمة أصحاب المتاجر".. لا يزال المؤرخون يناقشون ما إذا كان ذلك انتقادا غير مباشر أم مجاملة. ولو أنه زار البلاد اليوم، لكان من الممكن أن يعدل الكورسيكي "نسبة إلى جزيرة كورسيكا" ملاحظته الأصلية المفترضة إلى "أمة أصحاب متاجر الدجاج".
وكما هي حال عديد من زوار المملكة المتحدة، فقد يكون نابليون في حيرة من أمره إلى حد ما. حيث سيميل نحو أحد أعضاء حكومته بينما يتناول وجبة مكونة من قطعتي دجاج مع البطاطس المقلية والكولا.. إليكم بعض الأسئلة التي ربما كان ليطرحها.

لماذا هنالك كثير من هذه المتاجر؟

متاجر الدجاج موجودة في كل مكان. فحيث بحث مقال في مجلة "إف تي ويكيند" من عام 2020 في متاجر الدجاج كظاهرة ثقافية، قدر العدد الإجمالي عند 3651 متجرا في جميع أنحاء بريطانيا العظمى. يوجد الآن 4424 محلا، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 21 في المائة خلال ثلاثة أعوام، وفقا لشركة لوكال داتا كومباني. "على سبيل المقارنة، هناك ما يقرب من 7400 مقهى".
هذه الأرقام أكثر من غامضة بعض الشيء: أخبرني مستشار مستقل مختص في الوجبات السريعة بأن الاضطراب المستمر في المطاعم يجعل عدها صعبا. حيث تقدر شركة مينتل للاستشارات أن قيمة سوق منافذ بيع الدجاج والمطاعم بلغت نحو 2.3 مليار جنيه استرليني في العام الماضي، ويمكن أن تقترب من ثلاثة مليارات جنيه استرليني بحلول عام 2027. "ومع إضافة منافذ بيع البرجر التي تبيع أيضا الدجاج المقلي، يقترب هذا الرقم من تسعة مليارات جنيه استرليني".
من الناحية البصرية، وهذا ليس له أهمية، هناك كثير منها، خاصة في لندن. لقد نسيت أخيرا طريق كيلبورن هاي رود، حيث يوجد فيه مطعم دجاج في كل 100 متر تقريبا "بما في ذلك الجاران تشيكن كوتيج وتشيكن فالي"، وبالنسبة إلى الضواحي، لم أحتسب أيا منها. وعلى طول طريق مايل آند رود، في شرق لندن، أشارت إحدى الإحصائيات إلى وجود 42 متجرا للدجاج لكل مدرسة ثانوية في المنطقة المحلية. وهي تعرف باسم ميل متاجر الدجاج.
وإلى جانب الأسماء التجارية الأمريكية مثل كيه إف سي وبوبايز -التي افتتحت أول مرة في المملكة المتحدة في عام 2021 وتخطط لافتتاح 350 متجرا في المملكة المتحدة على مدى العقد المقبل- تمتلئ شوارع لندن بمنافذ بيع أصغر تقدم كمية كبيرة من أجنحة الدجاج المقلية، مقابل بضعة جنيهات استرلينية فقط موضوعة في صناديقها الشهيرة ذات اللون البرتقالي. ويبدو أن مطعم "تشيكن كوتيج" و"مورليز" وعديدا من المتاجر التي تحمل عبارة "فرايد تشيكن" في نهاية اسمها موجودة دائما.
تعد هذه المحال جزءا من النسيج الثقافي اللندني، حيث تلهم الاتجاهات الشعبية على منصة يوتيوب مثلThe Chicken Connoisseur وChicken Shop Date. حتى إن هناك منافذ بيع فاخرة تجذب الهيبسترز "محبي موسيقى الجاز - المترجم"، حيث تبيع الدجاج الفاخر مع عديد من النكهات في أجواء تقليدية. لكن الجزء الأكبر من الذين يتناولون الدجاج المقلي تراوح أعمارهم بين 16 و34 عاما.
ببساطة، يبدو أن للبريطانيين شهية شرهة للدجاج المقلي.

لماذا تباع بسعر رخيص جدا؟

تعد مطاعم الدجاج منطقية من منظور تجاري "إن لم يكن من منظور الصحة أو البيئة أو رفاهية الدجاج". وقد أدت علوم الاستيلاء وتكنولوجيا الزراعة إلى خفض تكلفة دجاجة كاملة للكيلوجرام الواحد بنحو 50 في المائة منذ أوائل السبعينيات، وفي سياق عام 2023، انخفض سعرها إلى أقل بقليل من أربعة جنيهات استرلينية اليوم.
إن الدجاج منخفض التكلفة، الذي يتم شراؤه بكميات كبيرة، ويتم إعداده بأدوات قلي رخيصة والحد الأدنى من تكاليف العمالة -إضافة إلى سوق أسيرة من الشباب أصحاب الأموال القليلة والمحبين للدجاج المقلي- يساوي هوامش ربح جيدة. وقد تم تقدير هامش الربح الإجمالي النموذجي بنسبة 70 في المائة.
ومع ارتفاع معدل إجمالي المبيعات، يبدو أنه بالإمكان التعامل مع الإيجارات. فعلى سبيل المثال، تدرج شركة رايتبز متاجر دجاج معروضة للبيع بمبيعات سنوية تراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف جنيه استرليني وإيجار يراوح بين تسعة آلاف إلى 20 ألف جنيه استرليني. عديد من المنافذ الصغيرة قادرة أيضا على الحصول على بعض الإعفاء من الفوائد على الشركات.

لماذا يوجد كثير منها في مكان واحد؟

رغم أنني لا أعد نفسي ذواقا، إلا أنني آمل ألا أسيء لأحد عندما أقول "إن الفروقات بين المتاجر -خاصة في الجانب الأرخص من سوق الدجاج- ليست عالية بشكل خاص". هل هناك حقا فرق صارخ بين مطعم هيوستن فرايد تشيكن وساثرن فرايد تشيكن؟ حتى نقاط السعر لا يبدو أنها تختلف كثيرا.
من الواضح أن قانون الحد الأدنى من التمايز الذي وضعه هارولد هوتيلينج الاقتصادي الأمريكي -المعروف أيضا باسم قانون هوتيلينج- هو المفتاح هنا. إنها ملاحظة أنه قد يكون من المنطقي للمنتجين أن يجعلوا منتجاتهم متشابهة قدر الإمكان، وهي تعمل على هذا النحو "أعيد توظيف الفقرة التالية بعد أخذها من موقع ويكيبيديا":
لنفترض أن هناك متجري دجاج متنافسين يقعان على امتداد الشارع، مع انتشار الزبائن بالتساوي على طول الشارع. ويريد كلاهما أن يكون متجراهما واقعين في المكان الذي سيحصلان فيه على أكبر حصة سوقية من محبي الدجاج المقلي. إذا كان كلا المحلين يبيع مجموعة السلع نفسها بالأسعار نفسها، فإن مواقع المتاجر هي نفسها "المنتجات". وسيختار كل زبون دائما المتجر الأقرب، لأنه من غير الملائم الذهاب إلى المحل الأبعد.
وهذا يفسر لماذا يبدو أن عديدا من الطرق الرئيسة في لندن فيها عدد لا نهاية له من متاجر الدجاج. هذا، إلى حد ما، هو توازن ناش. على الرغم من أنني متأكد من أن جون ناش "حاصل على جائزة نوبل - المترجم" ربما يفضل تطبيق مفهومه الحسابي على مسائل أكثر أهمية.
لكن كما هي الحال مع أي "نموذج اقتصادي" هناك افتراضات مشكوك فيها. فبالنسبة إلى قانون هوتيلينج، الفكرة هي أن الزبائن منتشرون بالتساوي على امتداد الشارع. لكن ذلك سيكون غير مرجح. ربما يكون الأمر المهم هو مزيج من المسافة إلى أقرب متجر دجاج وعنصر الولاء له. ربما يكون هناك تمايز كاف أيضا بالنسبة إلى الخبراء والذواقة.

كيف يمكن أن يكون هناك متسع للوافدين الجدد؟

افتتح مطعم بوبايز أخيرا على طريق كيلبورن هاي رود. وهو يقع بالقرب من عديد من محال الدجاج الأخرى، وقبالة مطعم ماكدونالدز.
تشتمل مواقع بوبايز الحالية والمخطط لها في لندن على عديد من المواقع في الشوارع الرئيسة التي يوجد بها منافسون من محال الدجاج القريبة: وهي في مناطق إيلينج، وويمبلي، وريتشموند، وكيلبورن، ووليتش. وبالمثل أيضا بالنسبة إلى مطابخ التوصيل في وود جرين، ووايت تشابل "ليست بعيدة عن ميل تشيكن شوب"، وبرينت كروس.
قليل كانوا يعتقدون أن "كيه إف سي" بحاجة إلى المنافسة، مع وجود عدد كبير من متاجر الدجاج المستقلة في لندن، لكن من الواضح أن بوبايز لا يوافق على ذلك: فهذه كلها مواقع "كيه إف سي" أيضا.
وكما هي الحال في الولايات المتحدة، حيث تفوقت "بوبايز" أخيرا على منافذ البيع التابعة للكولونيل ساندرز "مؤسس مطاعم كيه إف سي - المترجم" باعتبارها سلسلة مطاعم الدجاج الثانية في الترتيب "كلاهما خلف مطاعم تشيك فيل إيه"، فمن المحتمل أنها ترغب في التنافس مع "كيه إف سي" في المملكة المتحدة.
إذن ما الذي تقدمه ولا يستطيع العقيد تقديمه؟ السعر، في الوقت الراهن. يظهر المؤشر الأساسي "باعتراف الجميع" لأسعار الأجنحة، استنادا إلى سعر الجناح الواحد لعدد قليل من المنافذ المختارة على تطبيقي أوبر إيتس وديليفرو لدي، والمفهرسة بأنها الأرخص "في هذه الحالة، سامز تشيكن"، أن مطاعم بوبايز منافسة، على الأقل في الأجنحة.
لكنها تتمتع أيضا بجاذبية العلامة التجارية ومجموعة واسعة من العروض، ما يجعلها قادرة على المنافسة بأكثر من الدجاج المقلي "سمعت أن ساندويتش الدجاج لديهم يحظى خصيصا بشعبية كبيرة، ويبدو أنها تلبي أيضا احتياجات تقديم الطعام في حفلات الزفاف".
الشركة، المدعومة من شركة تي دي آر كابيتال للأسهم الخاصة، تسير على خطى السلاسل الأمريكية مثل وينديز، وتاكو بيل، ووينج ستوب، التي دخلت جميعها سوق المملكة المتحدة في الأعوام الأخيرة. كما لم يواجهوا صعوبة كبيرة في التأسيس لأنفسهم، إذ يبدو أن هناك عنصرا ثقافيا جديدا يدفع البريطانيين إلى احتضان العلامات التجارية الأمريكية للوجبات السريعة.
ومن الممكن أيضا أن تكون مطاعم بوبايز حذرة بشأن أسعارها في البداية، أثناء تأسيس نفسها. وهذا يعني أنها يمكن أن تستوعب مؤقتا بعض الأعمال من المطاعم المحلية المستقلة الأصغر حجما أيضا.
لكن في المدى الطويل، عندما يتعلق الأمر بأسعار الوجبة كاملة "رقائق البطاطس والأجنحة والمشروبات"، فإن المطاعم المستقلة لا تزال أرخص بكثير وتحتفظ بقدر كبير من ولاء العملاء. نعم، يبدو أن "بوبايز" الواقع على طريق كيلبورن هاي رود يحظى بشعبية كبيرة، لكن أمثال "تشيكن شوب" و"تشيكن كوتيج" لا تزال مزدحمة إلى حد كبير. ومع الاختلاف في السعر، فإن الذهاب إلى "كيه إف سي" أو "بوبايز" يعد متعة نسبية. ومن المؤكد أن جودة الطعام أعلى بدرجة، وفي حين إن تمييز درجات الصحة عبر طيف مطاعم الدجاج المقلي أمر لا أهمية له، إلا أن كثيرين قد يثقون بالعلامات التجارية الأكبر بمكوناتها ومصادرها.
وصل "بوبايز" إلى هذه الشواطئ للتنافس مع "كيه إف سي" في الدوري الممتاز للدجاج المقلي. "في الولايات المتحدة، لا تختلف أسعار كيه إف سي وبوبايز كثيرا". كما أنها تخطط للتوسع بسرعة في الصين، حيث أصبح "كيه إف سي" -والطلب على الدجاج المقلي- أمرا راسخا.
لا يوجد سبب للاعتقاد أن هيمنة الدجاج لن تستمر، إذ من المتوقع أن ينمو استهلاك الدواجن. فانخفاض الأسعار، واتساق المنتج والقدرة على التكيف، وارتفاع محتوى البروتين، وانخفاض الدهون، والابتعاد المتزايد عن اللحوم الحمراء، يعني أن السوق يجب أن تظل مرنة.
وبالمناسبة، أعلنت شركة تشيك فيل إيه أخيرا عن خططها للافتتاح في بريطانيا في عام 2025. وعندما يكون هناك طلب كبير على الدجاج المقلي، فمن المثير للدهشة أن تصبح هناك مساحة كبيرة للتمايز.