لماذا يغذي النظام الجزائري بذور انفصال الطوارق في مالي؟


الدار/ افتتاحية

نظام الكابرانات الذي اعتاد زرع الفتن وبذور الانشقاق تغذية الانفصال في محيطه الإقليمي الإفريقي والعربي مصرّ على إثبات هذه النزعة المدمّرة التي لم تتوقف عند التجربة السيئة التي مثلها اختلاق النزاع في الصحراء المغربية، حيث تحاول اليوم عصابة العسكر تكرار السيناريو نفسه في الجارة الجنوبية مالي. بين مالي والجزائر اندلعت هذه الأيام أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بعد أن قررت الخارجية المالية استدعاء السفير الجزائري لإبلاغه “احتجاجا شديدا” من جانب السلطات المالية، وذلك “على خلفية الأعمال غير الودية الأخيرة التي قامت بها السلطات الجزائرية، تحت غطاء عملية السلام في مالي”.

تقصد السلطات المالية بالأعمال غير الودية الاجتماعات التي تعقدها السلطات الجزائرية مع الانفصاليين الطوارق دون إشراك السلطات المالية. ووفقاً لبيان الخارجية المالية فإنّ باماكو تؤاخذ على الجزائر خصوصاً “الاجتماعات المتكرّرة التي تعقدها على أعلى المستويات، ومن دون أدنى علم، أو تدخّل من السلطات المالية، من جهة مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقّعة على اتفاق 2015، والتي اختارت المعسكر الإرهابي”، على حدّ قول البيان الذي حذّر من أنّ من شأن هذه الأفعال “أن تفسد العلاقات الجيّدة” التي تربط بين مالي وجارتها الشمالية. والظاهر أن التطورات التي تشهدها هذه العلاقات قد أدت فعلا إلى إفسادها بعد أن قررت السلطات المالية سحب سفيرها من الجزائر بدلا من الاكتفاء باستدعاء السفير الجزائري واستفساره.

جاءت هذه التطورات بعد استضافة الجزائر قادة عدد من الجماعات الانفصالية الطوارقية، وفقاً لهذه الحركات، واستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون في الجزائر العاصمة الإمام محمود ديكو، رجل الدين النافذ في مالي الذي ينتقد باستمرار النظام الحاكم في باماكو. هذه التحركات رأت فيها السلطات المالية أعمالا عدائية تشجع الانفصال وتدخّلا في الشؤون الداخلية للبلاد. والظاهر أن صبر باماكو قد نفد بعد محاولات عديدة لرأب الصدع ودفع السلطات الجزائرية إلى تجنّب النفخ في نيران الصراع والخلافات المالية الداخلية. ولعلّ اتخاذ سلطات باماكو قرار سحب السفير من الجزائر يأتي بعد أن اتضح لها أن السلطات الجزائرية لا تريد فهم الرسالة التي تحرص بالأساس على تجنّب كل ما من شأنه أن يعزز روح الانفصال في منطقة تعاني أصلا من ويلات الصراعات ونار الإرهاب التي خلفتها الأنظمة العسكرية في الجزائر وليبيا.

ماذا يعني إذاً هذا الإمعان الجزائري في انتهاك السيادة المالية؟ هذا التوجه ليس له إلا تفسير واحد، وهو رغبة نظام الكابرانات في استنساخ تجربة الانفصال التي فشلت في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية في جمهورية مالي. أولا ينسجم هذا الهدف مع التوجه السياسي الذي يغلّفه نظام الكابرانات باستمرار بدعاوى الدفاع عن حركات التحرر ودعمها أينما كانت، والحال أن المقصود هو دعم حركات الانفصال واستنبات الدويلات في المحيط الإقليمي. تريد الجزائر ببساطة أن تُضعف كل جيرانها بزرع بؤر التوتر والإرهاب وبذور الانشقاق والانفصال. وهي تحاول من خلال ذلك إرضاء ذلك الغرور المجروح والوهم المتجدد الذي يدفعها إلى الاعتقاد أنها القوة الإقليمية الضاربة التي ينبغي لها أن تقود المنطقة، وأن تفعل ذلك وحدها، ولو تطلّب الأمر تقسيم بلدان الجوار وتدمير وحدتها الترابية.

التفسير الثاني لإصرار نظام الكابرانات على التدخل في لعبة الصراع السياسي داخل مالي هو توجه استباقي لاحتواء أيّ احتمال لتنامي المطالب الانفصالية الطوارقية في الجنوب الجزائري نفسه. من المعروف أن قبائل الطوارق التي تعيش في منطقة الساحل والصحراء تجد لها أيضا امتدادا في مناطق الجنوب الجزائري، وثمة حركات وتجمعات وهيئات ثقافية تطالب باستمرار بالإنصاف داخل التراب الجزائري، ولا تخفي أبدا ميولاتها الانفصالية رغبة في الالتحاق ببلاد الطوارق الممتدة بين العديد من بلدان المنطقة. لقد كان تصريح الناشط الطوارقي وأحد أبرز زعماء الحركات الطوارقية في جنوب الجزائر أكلي شكا مؤخرا مخيفا لنظام الكابرانات، بعد أن أكد الناشط المذكور إمكانية رفع السلاح في وجه النظام الجزائري إذا استمر منطق التهميش والإقصاء الذي يتبناه العسكر تجاه شعب الطوارق. وقال أكلي في تصريح تلفزيوني إن شعب الطوارق لم يستفد بأي شكل من الثروات الطاقية والمعدنية التي تزخر بها منطقة الهكار جنوب الجزائر، وهي منطقة تواجد شعب الطوارق داعيا المنتظم الدولي الى الالتفات لحقوق شعب الطوارق في المنطقة.

هذه المطالب الطوارقية الداخلية من قلب الجزائر هي التي تفزع هذا النظام وتدفعه اليوم إلى تصدير أزمته الداخلية كما اعتاد باستمرار. لقد صدّر على مدى سنوات أزمته الداخلية عبر منفذ الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، واختلاق حالة الطوارئ الدائمة في مواجهة المغرب، وها هو يكرر المنطق ذاته من خلال تصدير الاحتقان الذي يعيشه الشعب الطوارقي داخل منطقة الهكار إلى الجارة المالية. وبدلاً من أن تنزع السلطات الجزائرية نزوعا سلميا بتقديم وساطة محايدة بين الفرقاء الماليين فضّل نظام اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة أن يسبح في المياه العكرة ويميل إلى خيار الفتنة. لكنّه لا يدرك أو يتناسى أن هذه الفتنة لن تقف عند حدود باماكو ما دامت مطالب شعب الطوارق في الجزائر مرفوعة الراية أيضاً.

تاريخ الخبر: 2023-12-23 09:25:42
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 46%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية