لم يصدمني المرض ولكن .. (7)
لم يصدمني المرض ولكن .. (7)
عاتب بعض القراء ابنتي نورا التي تعيش في كندا مع أسرتها عتابا شديدا علي عدم مبادرتها بتسفيري إلي كندا لإجراء العملية الجراحية العاجلة والخطيرة للتخلص من بعض الأورام في الكلي والحالب الأيمن, وأنا أعلم مشاعر القراء الأعزاء واحتفظ بنفس المشاعر الجميلة لهم, بل وأعرف مشاعر ابنتي نورا نفسها التي لا يمكن أن أجد الكلمات التي تعبر عنها فعلا فنحن نورا وناجي ومني وأنا لم نعرف في حياتنا إلا الحب وسيلة التعامل والتفاهم والمساعدة والتضحية وسرعة الاستجابة لأي طلب مهم وعلي الرغم من وجود بعض المشاكل والاضطرابات إلا أن الحياة كانت تمر سهلة مباركة والحمدلله أن المرض لم يأت بخوفه وفزعه إلا في الحلقات الأخيرة التي مرت بسلام ونجاح أشبه بالمعجزات.
وحكاية العلاج في الخارج في كندا لم تتبادر إلي ذهن أحد منا فنحن أنا ومني لم نفكر في الحصول علي الجنسية الكندية, لم نحاول ذلك ولم تهتم نورا أيضا بذلك. من هنا عندما اكتشفنا خطورة المرض لم نفكر إلا في العلاج في مصر, فنحن نؤمن بالعلاج في مصر ونؤمن بالطبيب المصري ولنا تجارب كثيرة قبل ذلك بالإضافة لذلك فإن نورا تشكو دائما من العلاج في كندا, فرغم أن التأمين يعالجها مجانا في كندا فإنها عندما تمرض يمكن أن تعرض علي الطبيب بعد شهر وأكثر وهي مدة طويلة يمكن للمرض أن يتفاقم وينتشر أكثر ويصعب علاجه, لكن النظام ضروري هناك ولابد من الدور لكل مواطن وليس هناك نظاما علاجيا غير هذا.
والمواطن الكندي يستطيع العلاج علي نفقته الخاصة إذا أراد, أو إذا كان يملك المال, والعلاج الخاص مرتفع الثمن جدا لا يقدر عليه المواطن العادي, فمثلا فإن علاج الأسنان خارج العلاج المجاني التأميني, ولذلك يأتي زوج ابنتي عادل من كندا لمصر ليعالج أبنائه علي حسابه, ويعالج كل الكنديين أسنانهم علي نفقتهم ويشتكون من غلاء أسعار هذا العلاج.
الغريب أن حكاية الدور هذه تدفع الكنديين إلي الهروب من التأمين الصحي والعلاج علي نفقتهم ثم يشكون من ارتفاع أسعار العلاج والدواء في نفس الوقت, وهناك أدوية غير موجودة, حتي أدوية الإنقلونزا ونزلات البرد غير متوفرة تماما, وأحيانا لا توزع الصيدليات والأطباء الدواء علي الجميع حتي يضبطوا الصرف وهناك لا يهتمون بالتقطير في صرف الدواء المجاني حتي لا يتناولها المواطن بإسراف عمال علي بطال, وأقول عزيزي القارئ سرا لك حقيقيا هو أنه كثيرا ما تطلب نورا أدوية البرد مني لشرائها لها أولا لأنهم حريصون فعلا في توزيعها ثانيا لأنها لا يمكن أن تشتريها من الصيدلية دون روشتة طبيب, ثم ثمنها مرتفع وقد أحببت أن أجيب علي أسئلة القراء الأعزاء لماذا لم تحاول ابنتي نورا علاجي في كندا حتي لا يظلمها أحد, فهي ابنة حبيبة كريمة تفعل كل شيء من أجل أعضاء أسرتها ولا تبخل بشيء.. لكن هناك قدرات خاصة لكل إنسان, والعملية التي أجريتها في مستشفي القبة العسكري لو أجريتها في كندا كانت ستحتاج آلاف الدولارات من نورا ومني وليست هي قادرة ولا أنا علي ذلك, وهذا ليس عيبا بالطبع.
حقيقة لم يصدمني المرض لكنه كان حقيقة وتأجيل إجراء العملية والآلام قبلها وبعدها والأنيميا الشديدة وعدم السيطرة واسترداد صحتي, وعدم السيطرة علي نفسي وفكري وضعف كل أعضاء جسمي بعد العملية, فالقلب بدأ يتوجع ويتأوه, والإنفلونزا بدأت تداعب أنفي مع رخات العطس, وحالة ضغط الدم غير المنتظمة, وعدم القدرة علي المشي, بل وعلي القيام بأي عمل وضعف النظر والقراءة الضعيفة أيضا وهي الهواية الوحيدة التي أعشقها في حياتي.. أشعر أنني بعد العملية أصبحت نصف إنسان!!
حقيقة الصحة تاج علي رؤوس أصحابها وأنا أحاول أن أتناول الغذاء الكامل والفيتامينات والدواء وأريح نفسي قدر الإمكان فهذه ضرورة لكي أعيش وأنا أريد أن أعيش والحق أن زوجتي العزيزة مني تقوم بواجبها وتعد الأكلات المهمة والمطلوبة لعلاج الأنيميا والضعف, وقد طبخت لي السبانخ والباذنجان الأسود والأبيض والأسماك والكبدة والخرشوف والبنجر, وأحضرت العسل الأسود والأبيض والعصائر بشتي أنواعها, أما السلطات فأتناولها بحرص, لأني المفروض مريض كلي لا أستخدم الملح كثيرا, وأنا أعيش بكلية واحدة الآن! يجب أن أكثر من تناول المياه كما نصحني الطبيب, كما نصحني الأطباء بتناول المكسرات, البندق واللوز وعين الجمل وغيرها وهي مرتفعة الأسعار جدا بسبب سعر الدولار الذي يتغير كل يوم ويخلق مشاكل كثيرة للناس مع أن الدولار ليس هو عملتنا لكنه يتحكم في عملتنا واقتصادنا, فقد أصبح العالم واحدا, لكن للأسف الشديد علماء الاقتصاد لا يعرفون كيف يحلون هذه المشكلة المتفاقمة؟ مع أننا عندنا علماء بكثرة ويمكن التفكير الجدي في هذا المجال.
والحقيقة أنني أتعجب من المصريين الذين يعيشون في أمريكا وهم مصريون أساسا ولا يتحدثون معك إلا عن الدولار وأسعاره ويتعاملون به لكن يتحدثون عمال بطال عن سعر الصرف للدولار بالجنيه المصري فهم يعملون ويعيشون في أمريكا ويقبضون مرتباتهم بالدولار ولكن عندما يتحدثون عن الجنيه المصري, يتحدثون عن السوق السوداء. أنتم مالكم إذا كنتم تعيشون في أمريكا؟!!
ما هي العقدة الأبدية مع الدولار إذا كنت أنت مواطن أمريكي وتقبض مرتبك؟ لماذا تذكر دائما سعر كرتونة البيض أصبحت بمائة وخمسين جنيآ وكيلو اللحمة أصبح بخمسمائة جنيه وأكثر؟ ولماذا لا تسأل عن سعر الدواء الذي نشتريه بثمن باهظ في مصر؟ هناك بعض الدواء وصل فيه ثمن العلبة إلي 65 ألف جنيه وأكثر, ولا تكفي أكثر من أسبوع.
احمدوا ربنا أيها المصريون الذين تعيشون في أمريكا علي حياتكم هناك, علاج مجانا, أسعار رخيصة ثم حضارة ومدنية وحضارة إيه حكاية سعر الدولار سعر الدولار تذكروا أنكم تعيشوا في أمريكا. .عيشوا حياتكم كاملة وتمتعوا بها.
لم يصدمني المرض مع قسوته وخطورته لكني لم يعجبني أهالينا المصريين الذين يعيشون هناك يعانون من عقدة الدولار ولا يفكرون إلا فيه ويتأملون طلعته البهية ولونه الأخضر البرسيمي.
نستكمل اللقاء القادم إن شاء الله..