لماذا يتراجع الكابرانات عن سياسة إعفاء الدول الإفريقية من ديونها؟


الدار/ افتتاحية

من الواضح أن الاستراتيجية الدبلوماسية للمغرب في القارة الإفريقية أربكت كلّ حسابات نظام الكابرانات، وأدخلت قيادات العصابة العسكرية في أزمة قرارات حقيقية. المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لتمكين بعض دول الساحل الإفريقي من منفذ على المحيط الأطلسي كانت بمثابة الضربة القاضية التي تلقّتها الدبلوماسية الجزائرية على الرغم من أنها كانت مبادرة تنطوي على نوايا حسنة في إطار تعزيز استقلالية الدول الإفريقية ومساعدتها على تجاوز مشكلات التغير المناخي والتبعية الاقتصادية. لم يقرأ الكابرانات هذه المبادرة قراءة بحسن نية، بل رأوا فيها على ما يبدو انتصارا جديدا للمغرب في الساحة الإفريقية.

بغض النظر عن المكاسب التي يمكن أن تحققها بلادنا من وراء هذه المبادرة من المهم جدا التوقف عند ردود الفعل الجزائرية وتأملها سياسيا واستراتيجيا. الظاهر أن هذه المبادرة أربكت حسابات نظام الكابرانات تماما وأدخلته في حالة ارتباك أفضت إلى اتخاذ قرارات هوجاء واستجابات رعناء تنطوي على رغبة انتقامية واضحة. آخر هذه القرارات الكاشفة عن الوجه الحقيقي لهذا النظام إعلان السلطات الجزائرية غلق حسابات القروض الممنوحة لبعض الحكومات الأجنبية، وغالبيتها من دول الساحل الإفريقي، مع تحويل أرصدتها إلى حساب نتائج الخزينة، وفق آخر عدد للجريدة الرسمية الجزائرية. وجاء في الجريدة الرسمية رقم 86 الصادرة في 31 ديسمبر 2023، التي تضم قانون مالية السنة الجديدة، أن قرار غلق حسابات قروض الدول الأجنبية يشمل “موريتانيا، ومالي، وغينيا، والنيجر، وكونغو الشعبية، ثم تانزانيا، ومنظمة اليونسكو، وجمهورية اليمن، وبنين”.

إذا تأملنا خريطة المواقف السياسية والدبلوماسية لهذه الدول والهيئات سنلاحظ دون شك أنها جميعا تتخذ في الآونة الأخيرة مواقف إيجابية تجاه قضية الصحراء المغربية، وتربطها ببلادنا علاقات مميزة. مالي والنيجر المعنيتان مباشرة بالاقتراح الملكي للوصول إلى منفذ على المحيط الأطلسي شملهما هذا القرار الذي يعني أنهما لن تستفيدا من أيّ إعفاء كما سبق لهذا النظام أن روّج في الماضي، وأن استخلاص الديون الجزائرية سيتم بالطرق القانونية تبعا للمؤسسات المالية الدولية. العلاقات بين مالي والجزائر على سبيل المثال تشهد أزمة حقيقية مؤخرا بسبب التدخل الجزائري في الخلافات المالية الداخلية. رائحة التهديد والابتزاز واضحة في هذا القرار الذي شمل أيضاً منظمة اليونسكو بتزامن عجيب مع إعلانها عن تصنيف الملحون تراثا لا ماديا مغربيا في سجلّاتها الرسمية.

اليمن وموريتانيا تعلنان أيضا في الأسابيع القليلة الماضية عن مواقف إيجابية تجاه المغرب وحقوقه الشرعية في الصحراء. ماذا يعني تراجع الجزائر إذاً عن سياسة التنازل عن الديون تجاه الدول الإفريقية؟ التفسير الوحيد الواضح هو ما يمكن أن نسميه الانفعال الدبلوماسي. هناك حالة من الارتباك والاضطراب الواضحين في دواليب صناعة القرار في نظام الكابرانات، وفي غياب ردّ عقلاني ومدروس لا صوت يعلو على صوت الحقد والانتقام والكراهية. عبد المجيد تبون واللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة يتخذان بين عشية وضحاها قرارات تتناقض تماما مع كلّ ما أعلنه النظام الجزائري في العام الماضي عندما كان يحرص على توظيف ورقة الديون الخارجية لبعض الدول من أجل استدرار تعاطفها وجلبها إلى صف دعم قضية الانفصال في الصحراء المغربية.

مع تراكم الفشل وتزايد الهزائم على الساحة الدبلوماسية يبدو أن الغضب هو الذي يحرّك اليوم قرارات النظام الجزائري بعيدا عن الهدوء والعقلانية التي من المفروض أن تحكم الاستراتيجية الدبلوماسية لأيّ بلد. العلاقات الخارجية تحتاج إلى التشبث بالثوابت وتبنّى رؤى بعيدة المدى، ولا يمكن أن تُبنى على قرارات متقلبة ومزاجية تتغير بين يوم وليلة وفقاً لأهواء البعض. والأهم من هذا وذاك أن العلاقات الخارجية لبلد يمتلك قيادة تحترم نفسها ينبغي أن تتأسس على المصالح الوطنية الداخلية أولا، لا على الولاء لمواقف تتعلق ببلدان الجوار أو بقضايا خاسرة. ما مصلحة المواطن الجزائري مثلا في اعتراف مالي أو النيجر بجمهورية الوهم وما الذي سيخسره في حال عدم اعترافهما؟ إذا كان نظام الكابرانات ينوي الانتقام من كل البلدان التي تتقرب من المغرب وتربطها علاقات جيدة معه فعليه أن يستعد لسحب سفرائه من غالبية دول العالم التي تدرك قيمة المغرب وليست مستعدة لخسارة التحالف معه لإرضاء أوهام انفصالية أكل عليها الدهر وشرب.

تاريخ الخبر: 2024-01-06 09:26:41
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية