أطياف شهداء غزة تلاحق المجرمين في لاهاي: زلــزال يهــز الكيــان الصهيونــي ويحـرج المطبعيـن

اتجهت أنظار الفلسطينيين والشعوب العربية وكل أحرار العالم، إلى لاهاي في هولندا التي شهدت يوما تاريخيا، حيث مثلت القوة القائمة بالاحتلال، أمام محكمة العدل الدولية للنظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الصهاينة بتهمة الإبادة الجماعيّة بحق الفلسطينيين في غزّة.

في سابقة تاريخية مثلت دولة الاحتلال الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية (أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة)، بتهمة بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، على إثر الاتهامات التي وجهتها بريتوريا إلى الكيان المحتل الذي يشن منذ 7 أكتوبر الماضي، حربا مدمرة على غزة، خلّفت أكثر من 23 ألف شهيد، وأكثر من 59 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
 وتجمعت حشود كبيرة نظمتها جماعات مؤيدة للفلسطينيين خارج محكمة العدل الدولية مع بدء المحكمة جلسات الاستماع في قضية الإبادة الجماعية في غزة المرفوعة ضد إسرائيل. وشاهدت الجماعات المؤيدة للفلسطينيين جلسات المحكمة على شاشة كبيرة.
ومع انطلاق المحكمة تتجه الأنظار نحو ما يمكن أن تحققه في وقف الحرب على غزّة ومحاسبة دولة الاحتلال وداعميها من الدول الغربية. فالمحاكمة التي تجري في لاهاي، هي أيضا محاكمة للدول الغربية، التي تشارك عمليا في الإبادة الجماعية الحاصلة، والتي حاولت على مدى الأيام الأخيرة استخدام نفوذها وإمكانياتها لمنع صدور حكم قاطع ضد دولة الاحتلال، لأن الحكم على الصهاينة سيحمّل تلك الحكومات مسؤولية المشاركة في الإبادة.
واتهمت جنوب إفريقيا، دولة الاحتلال الصهيوني أمام المحكمة، بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وبأنها تقوم بارتكاب “أعمال إبادة” في قطاع غزة، واعتبرت أن العملية التي قامت بها حركة حماس في السابع من أكتوبر لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه في قطاع غزة. وقال وزير العدل في جنوب أفريقيا، رونالد لامولا: «لا يمكن لأي هجوم مسلّح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (...) أن يقدّم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية».
وقال الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، بعد رفع محكمة العدل الدولية في لاهاي أولى جلسات مقاضاة الاحتلال الصهيوني، أنه ينتظر أن تؤدي هذه القضية إلى تغيير الواقع المؤلم على الأرض في القطاع. وأكد الفريق أن هنالك إفلات كامل للاحتلال الصهيوني من جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها في قطاع غزة، منددا بـ “المناظر المروعة” التي يشهدها قطاع غزة.
وأضاف الفريق القانوني أنه “كان علينا اتخاذ أي إجراءات لوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة” , مؤكدين على موقفهم من هذه القضية وهي الدفاع عن المبادئ التي تحقق العدالة للفلسطينيين.
 الأسرة الدولية خذلت الفلسطينيين طويلًا
واعتبر الفريق القانوني لجنوب أفريقيا أن الأسرة الدولية خذلت الفلسطينيين لفترة طويلة وجنوب أفريقيا تسعى إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة، مؤكدًا أن المطلوب من المحكمة أن تضع الأمور في نصابها، مشيرًا إلى أن ما يحدث في غزة ليس نزاعا بسيطا.
وأضاف أن دولة الاحتلال ارتكبت وترتكب أفعالاً تصل إلى الإبادة الجماعية، وأضاف: «الرجال والنساء والأطفال في غزة ينتمون إلى مجموعة وطنية وعرقية ويجب توفير الحماية لهم». وأكد تهجير أكثر من 85 بالمائة من سكان غزة من منازلهم ووضعهم في مناطق بدون مأوى ولا رعاية صحية، مشيرًا إلى أن الوضع في غزة غير مسبوق ولا توجد قضية أكثر إلحاحاً من هذه.
وقال إن ما قدمته جنوب أفريقيا من أدلة يدين الاحتلال بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، مؤكدًا أن محاولة إسرائيل تبرير الحرب بالقضاء على حماس لا يمكن أن تبرر هذه الإبادة. وطلب من المحكمة إقرار تدابير مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، بموجب الدعوى المرفوعة، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة يستحقون الاستفادة من سلطة هذه المحكمة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.            
وقد حظيت القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا بترحيب دولي منذ الإعلان عنها، وقالت صحيفة واشنطن بوست إن قضية جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال حظيت بدعم 13 دولة على الأقل، إلى جانب جامعة الدول العربية التي تضم 22 عضوا، ومنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضوا، فى حين أعربت الولايات المتحدة ودول أخرى عن دعمها للاحتلال الصهيوني.
و أعلنت جامعة الدول العربية، تأييدها “الكامل” للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، في تصريحات صحافية، مساء الأربعاء، إنه “من الطبيعي والمنطقي أن تؤيد الجامعة العربية بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية”.
«محاكمة النظام العالمي»
العرض المتميز الذي قام به أساتذة القانون والمحاميون من جنوب أفريقيا، جعل العالم الحر يحكم على دولة الاحتلال من أول جلسة بأنها دولة إجرام، ولم يعد ثمة من حاجة لأن ينتظر العالم نتيجة المحاكمة، فما عرض كان كافياً ووافياً ليدل، ما لا يقبل الشك، أن إسرائيل دولة عنصرية تمارس الإبادة الجماعية ضد العزّل والبسطاء من البشر، وأنها كيان منبوذ حتى لدى من دعموها في الحرب، وكأنما هي وباء يصيب كل من اقترب منه.
ومهما يكن من نتيجة محاكمة دولة الاحتلال، فان هذا اليوم سيكون علامة فارقة في تاريخ العالم، الذي يشهد نهضة أحرار تقودهم جنوب افريقيا في مواجهة القوة الظالمة والبطش والاستعمار، فلأول مرة، تكون دولة الاحتلال عرضة للمساءلة عن جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين والعرب، بعد أن قام الغرب باستخدام قوته ونفوذه لمنحها حصانة سياسية وحصانة قانونية لم تتمتع بهما دولة عبر التاريخ.
وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقرِّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، في تعليق على المحاكمة التي تجري في لاهاي، «إن مشاهدة النساء والرجال الأفارقة، وهم يقاتلون من أجل إنقاذ الإنسانية والنظام القانوني الدولي ضد الهجمات الوحشية التي يدعمها ويمكّنها معظم الغرب، ستظل إحدى الصور المميزة لعصرنا. وهذا سوف يصنع التاريخ مهما حدث».
كما وجهت انتقادات إلى دول داعمة للكيان المحتل، على غرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وبصورة أكبر امريكا الداعم الرئيس للصهاينة، ويقول محللون أنّه لولا حق النقض (الفيتو) الأميركي الأخير في مجلس الأمن لكان سيتم إصدار أمر للكيان بوقف إطلاق النار في غزّة على الفور.
 زلزال يهز عرش الصهاينة
خطوة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية أفضت إلى قلق في الأوساط الصهيونية، وخصوصاً أن الدعوى جاءت في أوج التغول الصهيوني على قطاع غزة، ما يرجح فرضية صدور قرارات تجريم للاحتلال تتهمها بارتكاب جرائم حرب، والأخرى الطلب بالوقف الفوري لأعمال القتل والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة.
وفي أحد التقديرات الصهيونية، فإن الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا تعد بمنزلة كرة الثلج المتدحرجة التي قد تكبر وتهدد دولة الاحتلال وتجرها إلى مواجهة أخطر مسار تواجهه منذ نكبة العام 48، وخصوصاً أن طلب جنوب أفريقيا يهدف إلى تحديد قيام الاحتلال الصهيوني بارتكاب جريمة إبادة جماعية، وهي أخطر جريمة في القانون الدولي الجنائي.وقد حاول الكيان المحتل تجاوز المعركة مع جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، ظناً منه أن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن والصمت العربي وغض الطرف الأوروبي قد يتيح له مزيداً من الوقت ليمضي في جرائمه من دون ملاحقة قانونية دولية.
ولم يضع قادة الاحتلال في حسبانهم، أن جنوب افريقيا التي تبعد آلاف الكيلومترات عن ساحة الصراع ستفتح جبهة قانونية دولية، تساق فيها دولة الصهاينة إلى محكمة العدل الدولية لتتهم فيها لأول مرة في تاريخ الصراع بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
فقد ترجمت جنوب أفريقيا مشاعرها تجاه فلسطين بصورة عملية، من خلال مواقف متعددة ظلت تتخذها في كل منعطفات القضية الفلسطينية وفي كل الأوقات التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني للعدوان، فمنذ بداية حقبة الحكم الوطني في جنوب أفريقيا، ظلت مواقف السلطة والشعب مناصرة لفلسطين وداعمة لقضيتها ونضالاتها، فلقد اعترفت بدولة فلسطين في عام 1995، وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي. وزار نلسون مانديلا غزة في أكتوبر 1999، واستقبله الفلسطينيون بأفضل ما يُستقبل به زعيم تحرري استقلالي من شعب ظل يناضل من أجل الحرية والاستقلال.
وقررت جنوب افريقيا استدعاء دبلوماسييها من دولة الاحتلال من أجل التشاور، في وقت يشهد البرلمان الجنوب أفريقي دعوات إلى إغلاق سفارة الاحتلال وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها، ويُعَدّ هذا الموقف أقوى المواقف الرسمية حتى الآن، ويتفوق في قوته على مواقف الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني.
 لـهذا يخشى الاحتـلال الإدانــة
وقد بدت علامات القلق واضحة للغاية على الأوساط الصهيونية من احتمال الإدانة وما قد يترتب عليها من تداعيات دولية مُضرة. ومن بين التداعيات التي تخشاها دولة الاحتلال، أن تمهد أي إدانة لها في محكمة العدل لمحاكمة قادة ومسؤولين صهاينة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وخلق رأي عام مناهض لدولة الاحتلال، وزيادة المقاطعة لها، والامتناع عن تزويدها بأسلحة، وفرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها، إلى جانب قطع علاقات سياسية واقتصادية معها.
ويتساءل العديد من المراقبين والمتابعين عن مدى إمكانية تحقيق محكمة العدل الدوليّة العدل للفلسطينيين؟ وإذا ما كان قضاة المحكمة الخمسة عشر هم مستقلون في قراراتهم أم يتبعون في مواقفهم لمواقف دولهم في السياسة الخارجيّة؟ وما هو المسار الذي ستتخذه المحكمة.
وعلى الرغم من أنها لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، إلا أن إجراءات المحكمة، مثل الأمر بوقف الحرب فورا، من شأنها أن تثبت أن دولة الاحتلال ارتكبت إبادة جماعية، مما يتسبب في عزلتها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها أو ضد الشركات. كما يمكن للإجراءات غير الرسمية في المحكمة أن تؤثر على الإجراءات في المحكمة الجنائية، فيمكن للمدعي العام في المحكمة الجنائية النظر في اتخاذ خطوات ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين لتورطهم في هذه الأعمال”
قال الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربين، إنّ قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا من أجل محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية «جعلت العالم بأسره يركز على الرعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية».
وأعرب كوربين، الذي كان من بين الذين تابعوا الجلسة في لاهاي، عن غضبه الإنساني عندما رأى الناس يُدمرون في غزة، قائلاً إن هناك فلسطينيين في مجتمعه ودائرته الانتخابية في بريطانيا فقدوا عائلاتهم في غزة والضفة الغربية.كما أشادت تيرانا حسن المديرة التنفيذية لمنظمة هيومن رايتس ووتش بدور جنوب إفريقيا لإحالة الحملة العسكرية الصهيونية على غزة إلى محكمة العدل التابعة للأمم المتحدة وقالت إن المجتمع الدولي سيكون مسؤولا عن ضمان امتثال إسرائيل لأي قرار قضائي.
وقالت حسن لرويترز “جنوب إفريقيا تقدم قيادة مهمة هنا. إنها تستغل هذه الفرصة المهمة حقا”. ومضت تقول “إذا لم تمتثل إسرائيل لإجراءات أو أوامر المحكمة، فحينها سيتعين على المجتمع الدولي أن يضمن ممارسة أي ضغط ممكن لدفع إسرائيل نحو تنفيذ الإجراءات فعليا”.
وأصدرت هيومن رايتس ووتش الخميس تقريرها العالمي الذي يرصد الانتهاكات في جميع أنحاء العالم. واتهمت المنظمة، الاحتلال باستخدام تجويع المدنيين وسيلة للحرب في قطاع غزة وهو ما يشكل جريمة حرب.
 ع سمير

تاريخ الخبر: 2024-01-13 00:24:37
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية