الرؤية الملكية الاستباقية تعزّز الطابع الاستراتيجي لمعضلة الماء


الدار/ افتتاحية

جلسة العمل التي ترأسها جلالة الملك محمد السادس يوم أمس بالرباط لمناقشة إشكالية الماء جزء من المتابعة الاستراتيجية التي يحرص عليها جلالته بانتظام للقضايا ذات الأولوية في بلادنا. ليست هذه أول مرة يوجّه فيه الملك محمد السادس عناية خاصة واهتماما بالغا لقضية الماء. لقد كان هذا الملف دائما على رأس قائمة الأولويات التي يوليها اعتبارا كبيرا بالنظر إلى المكانة الحساسة التي أصبح هذا الملف يحتلّها في المرحلة الراهنة. مع توالي سنوات الجفاف وبلوغ مرحلة الإجهاد المائي لم يعد من الممكن طبعا التردّد في اتخاذ القرارات الجوهرية اللازمة والتغييرات الجذرية الضرورية للوصول إلى تدبير ناجع لهذه الثروة الحيوية. يكفي أن نذكّر أن الوضعية المائية عرفت خلال الفترة من شتنبر إلى منتصف يناير 2024، تسجيل عجز في التساقطات بلغت نسبته 70 بالمائة مقارنة مع المعدل، فيما بلغت نسبة ملء السدود 23.2 بالمائة مقابل 31.5 بالمائة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.

في أكتوبر 2022 دعا جلالة الملك في خطاب افتتاح الدورة البرلمانية إلى أخذ إشكالية الماء، في كل أبعادها، بالجدية اللازمة، لاسيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول. لم تنحصر الرؤية الملكية فقط على الجانب المتعلق بالتدبير وتقليص الاستهلاك، هناك أيضا أبعاد أخرى هامة ظهرت في هذا الخطاب كان من أهمها ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة، في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة. كما ارتكزت هذه الرؤية على إعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني، والآبار العشوائية، مع التحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية، على ضوء الضغط على الموارد المائية، وتطورها المستقبلي.

ماذا حدث منذ ذلك الخطاب الذي مرّ عليه أكثر من عام؟ لقد مكنت الإجراءات المتخذة تنفيذا للتوجيهات الملكية، لا سيما في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، من تزويد العديد من الأقاليم والجهات بمياه الشرب بشكل كاف في السنوات الأخيرة. ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بإنجاز الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق وتشغيل محطتي تحلية المياه بأكادير وآسفي/الجرف الأصفر. وهي مشاريع رائدة منبثقة من هذه الرؤية الاستباقية التي يحرص عليها جلالة الملك في تناول هذه القضايا الاستراتيجية. والأهم من هذا وذاك أيضا هو بلورة مخطط العمل الاستعجالي، الذي تم إعداده من طرف القطاعات المختصة لمواجهة الوضعية الحالية، وضمان توفير المياه الصالحة للشرب، لا سيما في المدن والمراكز والقرى التي تعرف عجزا أو من المحتمل أن تعرفه.

قد تكون الضغوط المناخية اليوم فوق قدراتنا الوطنية ومن الصعب توقّعها أو التحكّم بنتائجها، لكن امتلاك مقاربة استراتيجية من قبيل هذه التي يحرص عليها جلالة الملك محمد السادس كفيل بتجنيب بلادنا التداعيات الخطيرة لندرة المياه، التي أصبحت بالمناسب واقعا مناخيا في منطقتنا لا يمكن الهروب منه. يتعيّن إذاً وفقا لهذه الرؤية التكيّف مع هذه الظروف والتعايش مع قلّة الموارد المائية سواء أتعلق الأمر بالمجالات الإنتاجية وعلى رأسها القطاع الفلاحي أم بمجالات الاستهلاك اليومية المنزلية أم في المنشآت الصناعية. الحرص الملكي على تخصيص جلسة عمل لهذا الموضوع هو في الحقيقة رسالة بليغة للمجتمع من أجل التفاعل بإيجابية مع الإجراءات والتدابير التي يمكن اتخاذها للحدّ من هذه المعضلة وعلى رأسها ترشيد استهلاك المياه التي ما تزال كمّيات هائلة منها تتعرض للهدر للأسف بسبب سلوكيات غير مقبولة.

من المهمّ إذاً التقاط الرسائل الملكية الواضحة بهذا الخصوص. وفي هذا الإطار لا بدّ من التنويه إلى دعوة جلالة الملك الحكومة إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم تجاه المواطنين حول تطورات الوضعية المائية والتدابير الاستعجالية التي سيتم تفعيلها، مع تعزيز توعية العموم بأهمية الاقتصاد في استهلاك الماء ومحاربة جميع أشكال تبذير هذه المادة الحيوية واستخداماتها غير المسؤولة. ومن المؤكد أن التقييم الملكي للوضعية المائية لبلادنا بحضور مجموعة من المسؤولين الحكوميين والترابيين يمثّل مرحلة مهمة جداً في عملية التواصل هذه، لأنها ستترك أثراً مفيداً جداً لدى غالبية المواطنين وتعزّز الشعور الوطني المطلوب في الوقت الراهن من أجل حماية الموارد المائية المتوفرة من التعرّض للهدر والتبديد. بعبارة أخرى إن الرؤية الاستراتيجية التي يمتلكها جلالته ستتحوّل بناء على نتائج هذه الجلسة إلى إجراءات ميدانية ووعي شعبي نحن في حاجة ماسّة إليه لتجاوز هذه الأزمة غير المسبوقة.

تاريخ الخبر: 2024-01-17 09:27:37
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

تبسة: اتفاقية للتقليل من تأثيرات منجم الفوسفـات ببئر العاتـر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

قالمة: 45 رخصـة استغـلال واستكشـاف للثـروة المنجميـة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية