الشهيد ديدوش مراد من خلال مذكرات رفاقه

يعد الشهيد البطل ديدوش مراد من أعظم الشخصيات الثورية الجزائرية، بل العربية، و بل العالمية، وتؤكد  3 ثلاثة مصادر أساسية تناولت سيرته، تناولناها بالدراسة على أن الشهيد الشاب القائد ديدوش مراد، كان بالفعل شخصية عبقرية و استثنائية عالمية، و هذه المصادرهي:

بقلم د. أحسن تليلاني

مذكرات المجاهد محمد قديد، منشورات الوطن اليوم 2023.
مذكرات لخضربن طوبال،دحو جربال،دار الشهاب للنشر، 2021
مذكرات الرئيس علي كافي،ط2، دارالقصبة للنشر، الجزائر 2011.
و تشكل هذه المصادر الثلاثة شهادات حية من قبل شخصيات فاعلة في الثورة التحريرية على مستوى الشمال القسنطيني، و هي المنطقة التي كلف الشهيد ديدوش مراد بالإشراف عليها، فكان هؤلاء القادة من نوابه و مساعديه الذين عاشوا معه و عرفوه عن قرب، و عملوا تحت إشرافه و أوامره، و قد توافقت شهاداتهم كلها على عظمة القائد الملهم ديدوش مراد و على عبقريته الاستثنائية.
و قبل البدء في استخلاص ملامح شخصية ديدوش مراد من خلال شهادات رفاقه الذين ذكرناهم سابقا، تجدر الإشارة أيضا إلى أنه لا توجد في الحقيقة مراجع كثيرة تعرف بحياة و كفاح الشهيد البطل ديدوش مراد تعريفا كاملا و شاملا، و ما نجده من كتابات، فهي قليلة جدا بالنظر إلى عظمة هذا القائد الكبير، من ذلك مثلا مقال أكاديمي بقلم المؤرخ عبد الله مقلاتي بعنوان( الشهيد مراد ديدوش و دوره في التحضير للثورة و قيادتها) منشور في العدد الرابع من المجلة التاريخية الجزائرية الصادرة عن جامعة مسيلة، و هو مقال يعتمد بالأساس على ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن زناقي في كتابه( ديدوش مراد الشهيد الصامد) الصادر في طبعتين عن دار بني مزغنة عامي 2005 و 2014، بالإضافة إلى ما نجده هنا و هناك من تعريفات أقل ما يقال عنها أنها بسيطة و أحيانا متناقضة، و هو ما يستوجب علينا جميعا البحث أكثر في تاريخ هذه الشخصية الثورية العظيمة، إذ يكفي ديدوش مراد أنه أصغر القادة الستة الذين فجروا الثورة التحريرية، و أكثرهم علما و ثقافة، و أولهم استشهادا في ساحة الشرف و عمره لا يتجاوز 28 سنة و ذلك في 18 جانفي 1955 بوادي بوكركر شرق بلدية زيغود يوسف اليوم بولاية قسنطينة.
القائد الميداني و أسد الشمال القسنطيني
إن الدارس لشخصية ديدوش مراد من خلال ما أورده محمد قديد في مذكراته المكونة من 480 صفحة ، لابد و أن يلاحظ بأن قديد الذي كان مسؤولا عن قسمة الحروش بسكيكدة قبل الثورة و بعدها حتى دخوله السجن في 26 ديسمبر 1954، يتحدث عن أيام طويلة قضاها في مرافقة القائد ديدوش مراد الذي استدعاه و التقى به لأول مرة كما يقول(ص 88) في إحدى الأماسي نهاية شهر أفريل  1954 بالحروش (مشتة شعاب التوميات) و قد كان مرفوقا بزيغود يوسف و محمد الصالح بلميهوب، و يقول قديد(ص89) إن زيغود هو الذي كلفه في صباح اليوم الموالي بمرافقة ديدوش إلى الحروش ثم إلى سكيكدة للاتصال بالأعضاء القدامى للمنظمة الخاصة، و يضيف قديد بأنه قد رافق ديدوش أيضا عدة مرات إلى كل من قسنطينة و عنابة و باتنة، و على مدى أكثر من مئة 100 صفحة من مذكراته يروي قديد الكثير من تنقلاته رفقة ديدوش مراد الملقب بسي عبد القادر و سي مسعود للاتصال بالمناضلين و العمل على نشر الثورة في مختلف ربوع الشمال القسنطيني خاصة سكيكدة و قسنطينة و قالمة، كما يتحدث عن عدد كبير من الاجتماعات التي حضرها بإشراف قائد منطقة الشمال القسنطيني ديدوش مراد قبل الثورة و بعدها، و يذكر قديد ( ص 197)  أن آخر لقاء له مع ديدوش كان في سكيكدة مساء يوم 26 ديسمبر1954 حيث سلمه ظرفا مغلوقا و كلفه بالسفر إلى البويرة للاتصال كما يقول في (ص201) بقائدي المنطقة الثالثة و الرابعة من أجل أن يعقد اجتماع القيادة الوطنية المحدد بنحو ثلاثة أشهر –جانفي 1955- بعد تفجير الثورة. لكن تشاء الأقدار أن يتم اعتقال محمد قديد في تلك الليلة من قبل السلطات الاستعمارية و هو بسكيكدة.
و الملاحظ أن محمد قديد يروي مرافقته لديدوش مراد بأسلوب كرونولوجي و بعيون الشاهد الأمين، بحيث يذكر التواريخ و الأماكن و الأشخاص و ما تم من نقاش أو أعمال بأمانة تامة متحريا الدقة و الموضوعية و الصدق، لذلك تراه يتجنب أي تعليق جانبي أو ملاحظة شعورية، مما يجعل من تلك الصفحات وثيقة تاريخية مهمة جدا للمؤرخين تسلط الضوء على الجهد الجبار الذي بذله ديدوش مراد في تفجير الثورة و قيادتها بالشمال القسنطيني و الاتصالات و الاجتماعات الكثيرة التي عقدها..

إن ديدوش مراد في مذكرات محمد قديد يبدو شخصية ذات كاريزما قوية و كفاءة عالية في القيادة،  فالجميع يحترمه و يهابه و ينصت إليه و يطبق توجيهاته بكل محبة و احترام، و هذا رغم بساطته و تواضعه و حسن تعامله، فهو يحاور الجميع و ينصت لآرائهم و يناقش مسؤولي النواحي و يستمع لانشغالاتهم، بل و لا يكتفي كما قال قديد ( ص 119 ) بالتقارير و هي شفوية في أغلبها المقدمة له من مسؤولي النواحي بل كان يقوم بزيارات متكررة إلى كل نواحي المنطقة، و يحسن ضبط جدول أعمال الاجتماعات، و يتابع كل عروض مسؤولي النواحي باهتمام بالغ و يستوقف القائم به عند كل أمر يتطلب التوضيح أو التدقيق أو المراجعة، إنه فعلا قائد ميداني يتنقل من مكان إلى مكان راجلا و بواسطة القطار مستعملا ذكاءه الوقاد في التخفي عن عيون الاستعمار دون خوف أو وجل، فمن المواقف التي تبرز شجاعته ما يذكره قديد في ( ص176و 177 ) حيث كان قديد مع ديدوش جالسين في مقهى بقسنطينة يوم 9 ديسمبر 1954، ففاجأهما شرطيان فرنسيان و طلبا من ديدوش بطاقته التعريفية، فأخرج لهما مسدسه و أمرهما برفع أيديهما و التوجه نحو المحسب، و هددهما بالقتل ثم انسحب بسلام، و هو موقف يدل على رباطة جأش ديدوش الذي أحس بمكيدة فأحسن التصرف و النجاة.
إننا نرى ديدوش في مذكرات قديد قائدا عظيما يعمل بإرادة فولاذية على نشر الثورة دون كلل أو ملل فيصارع قوى الاستعمار من جهة و يصارع المتخلفين عنها من بني جلدته و هو على وعي تام بما يمكن أن تواجهه الثورة التحريرية من رهانات و تحديات حيث قال معلقا على سجن عبد السلام هباشي و ضرورة تعيين محام للدفاع عنه ، فقال ديدوش (ص 193) :«سوف لن يكون الأخير ممن يسجن، و سوف تملئ السجون بالكثير من المناضلين ، و سيكون أفضل مدافع عنهم و عن قضيتهم، الكفاح المسلح، فكل رصاصة تطلق ستسقط رقما من أرقام الأحكام التي سلطت على هذا الشعب منذ عشرات السنين ، و ستحقق حرية البلاد و العباد».
لقد آمن ديدوش مراد بالثورة التحريرية سبيلا لخلاص الشعب الجزائري من الاستعمار فكان ملتزما بها مكافحا في سبيلها حتى استشهاده يوم 18 جانفي 1955 حيث  يعلق المؤرخ عبد الله مقلاتي في ختام مقاله المذكور سابقا بقوله:«وهكذا كتب القدر أن يستشهد ديدوش والثورة في بدايتها، كان بحق مناضلا وطنيا صادقا، تربى في مدرسة الوطنية، حزب الشعب والكشافة الإسلامية، وفضل أن يطلق عيشته الرغدة وأن يتجند في سبيل القضية الوطنية، وقد بذل جهودا كبيرة إلى جانب بوضياف في إنشاء المنظمة الخاصة والتحضير للثورة، حيث تولى مسؤولية المنظمة الخاصة بنفس وطنية، وسعى إلى إعادة بعثها من جديد تحضيرا للثورة، ونجح في التحضير للثورة بصفته الساعد الأيمن لبوضياف و مهندس نجاحاته، ونظم و قاد الشمال القسنطيني خلال الأشهر الأولى من بداية الثورة إلى أن سقط شهيدا».
ديدوش قديس الثورة النزيه
يتحدث بن طوبال عن قائده ديدوش مراد في عدة مواقع من مذكراته المتكونة من 400 صفحة، منها خاصة ما ورد تحت عنوان : ( لقاء السمندو، ص203)، و كذلك في عنوان آخر جاء بالصيغة التالية: ( ديدوش أو وفاة مرشد، ص 207)يذكر فيه أنه قد تعرف على ديدوش سنة 1948 عندما كان مسؤولا عليه في المنظمة الخاصة، لكن علاقته به وقتها كانت بسيطة لاتعدو أن تكون علاقة قائد بمناضل، أما العلاقة القوية بينهما فقد تعمقت كثيرا في نهاية عام 1954 أي قبيل الثورة و بعدها حيث أصبح بن طوبال مسؤولا على ناحية ميلة مساعدا لديدوش قائد منطقة الشمال القسنطيني، فكان كثيرا ما يلتقيه و يجتمع معه، و يستفيد من آرائه و أفكاره، و من الواضح أن صداقة قوية تكونت بينهما بحيث إننا نجده عكس محمد قديد الذي يتحدث عن ديدوش بانضباط تام، فإن بن طوبال يتحدث عنه بحميمية كبيرة، فمن المواقف التي ساقها بن طوبال (ص 209 ) أنه في أحد الأيام رأى– أي بن طوبال -  في منامه أن الجندرمة الفرنسيين يطاردونه و يجرون خلفه و يكادون يمسكون به، فقام من نومه خائفا مرعوبا، ثم روى كابوسه لديدوش مراد، فقال له ديدوش أنت من الثوار الأشداء، لذلك يتعين عليك السيطرة على نفسك و التحكم في شعورك و أيضا في لاشعورك، درب نفسك على عدم الخوف من فرنسا، و املأ أعماقك بالثقة في النفس، و يقول بن طوبال إنه منذ سماعه تلك التوجيهات لم يعد يرى كوابيس مخيفة من فرنسا، و يضيف في مذكراته أن ديدوش و على الرغم من صغر سنه بالنسبة له و لزيغود و لكل القادة، إلا أنه كان شابا ذكيا جدا متواضعا بسيطا صارما قائدا يكفي وجوده معهم ليزيل كل المخاوف من الاستعمار، فقد كان قائدا ملهما كما وصفه بن طوبال بقوله: (كان توجه ديدوش مراد الثوري أكبر من بوضياف نفسه .. ما عرفته عن ديدوش هو شجاعته التي وصلت درجة اللامبالاة ..كان تكوينه السياسي عال جدا بحيث كان يملك سعة النظرة الشاملة المتكاملة .. كان القليل من المسؤولين من يملك مواهبه بما فيهم ابن مهيدي و بوضياف ..أستطيع القول أن ديدوش هو قديس الثورة النزيه ، رجل فكرة و ثورة .. إنه مسؤول بأبعاد استثنائية و في ذلك فليس هناك من يصل إلى مقامه هذا.)و مما يذكره بن طوبال أيضا أن ديدوش كانت لديه القدرة على استشراف المستقبل حيث يقول ( ص 208 )إنه سأل يوما ديدوش عن المدة التي يمكن أن تستغرقها الثورة التحريرية، فأخبره ديدوش مراد بلغة الفاهم العارف بالتنظير الثوري، أن الثورة يلزمها عدة مراحل، الأولى هي مرحلة زرع الثورة في الأوساط الشعبية، و المرحلة الثانية هي مرحلة التنظيم ، و الثالثة مرحلة تطوير الآلة العسكرية و الحربية لمواجهة المستعمر، و هناك مراحل أخرى و أن كل ذلك يتطلب أربع سنوات على الأقل حتى تكون الثورة في كامل استعداداتها.
و يؤكد بن طوبال إن مسار الثورة التحريرية قد أثبت بالفعل كل ما تنبأ به ديدوش مراد الذي كان يقول لرفاقه يجب أن نواجه و نستشهد في الميدان حتى يصدقنا الشعب و يتبعنا، و كان يوصيهم :(إذا متنا، حافظوا على ذاكرتنا)
إن مذكرات بن طوبال حافلة بالحديث عن ديدوش مراد و مساره النضالي و أعماله الجليلة و مواقفه و كفاحه المرير في سبيل نشر الثورة و قيادتها و إقناع رفاقه السابقين في المنظمة الخاصة و في حزب الشعبي بخيار الكفاح المسلح مع قدرته الفائقة على التحليل و الاستشراف فهو كما يقول بن طوبال ( ص 208 ) مثل الطبيب الذي يقوم بتشخيص جسم يعرفه جيدا ، و لذلك يضيف بن طوبال ( ص 209 ) لو أن ديدوش و بن بولعيد و معهما بن مهيدي بأقل درجة قد بقوا على قيد الحياة، فإن وجه الثورة سيكون من المؤكد مغايرا عما عرفناه...

و لذلك نجد بن طوبال يتحسر كثيرا على استشهاد ديدوش مراد فيروي قصة استشهاده كما هي معروفة لدى الجميع في معركة بوكركر يوم 18 جانفي 1955 و يقول بن طوبال ( ص 211 ) إنه كان مع ديدوش و زيغود و باقي مجاهدي ناحية السمندو ليلة قبل وقوع معركة بوكركر و استشهاد ديدوش الذي كان قد مر في ذلك اليوم بالحروش و علم أن زيغود قد ازداد له طفل فحمل له البشرى و هنأه أمام جميع المجاهدين، و قد علمنا أن زيغود قرر تسمية مولوده الجديد باسم ( مراد ) على اسم رفيقه و قائده ديدوش مراد الذي استشهد كما نعرف في اليوم الموالي.و يؤكد بن طوبال (ص212) أنه لا أحد كان يعرف الاسم الحقيقي للشهيد ديدوش مراد فالكل يناديه سي عبد القادر، حتى أن سلطات الاحتلال كتبت في التقرير الرسمي عن جثته ما يلي: ( x...عبد القادر، عمره حوالي 35 سنة، طوله 1متر 75 سم شعر أسود شارب على الطريقة الأمريكية من علاماته الخصوصية تاج ذهبي مثبت على الطواحن العلوية اليسرى و كان يلبس قميصا أبيض و سروالا مدنيا أزرق).
القائد القوي و المحاور الصارم
بدوره الرئيس علي كافي يخصص لقائده ديدوش مراد عنوانا كاملا في مذكراته المشكلة من 459 صفحة  جاء بالصيغة التالية ( ص 79 ) : « قصتي مع ديدوش مراد » و فيه تحدث عن الانشقاقات التي شهدها حزب الشعب و تردي الوضع السياسي للأحزاب حيث أصبحت السلطات الفرنسية تتفرج على ما يحدث مرتاحة البال و هي – تشطح بلا محارم – كما قال، و لم تكن تدرك كما يضيف كافي بأن قاعدة حزب الشعب ستمد الثورة بخيرة الإطارات و المجاهدين و تكون أساسا للانطلاقة المسلحة، و يعترف علي كافي في مذكراته أن التحاقه بالثورة قد تحقق بفضل جهود ديدوش مراد الذي كان دائم الاتصال بمناضلي الحروش و سكيكدة الذين يصل عددهم إلى 1700مناضل، و يذكر كافي في ( ص 81 ) أنه رافق ديدوش في شهر ديسمبر 1954 حيث ضرب له موعدا للالتقاء مع رئيس الدائرة الحزبية بسكيكدة المدعو شعبان البري الذي خلف إبراهيم حشاني، و يضيف كافي بأنه بعدما تم اللقاء بينهما لاحظ من بعيد أن ديدوش كان يوجه كلمات صارمة لشعبان الذي راح وجهه يتغير حتى أصبح أصفر مثل الليمونة ، و لم يتجاوز اللقاء نصف ساعة حتى افترقا. يقول كافي ( ص 81 ) :
مشيت مع ديدوش مراد، و همست له:
-كان يظهر على وجهه أنه غير مرتاح بلقائك.
رد ديدوش بحدة
-إذا لم يمش مع الثورة سأطيح برأسه بنفسي.
تقصيت أخبار شعبان فلم أعثر له على أثر ، و قيل إنه فر إلى فرنسا
و كان هذا آخر لقاء لي مع الشهيد ديدوش مراد و مع شعبان البري.
و يضيف علي كافي (ص 86) : « أصبحت مجاهدا، لبست البذلة العسكرية، حملت سلاحا من نوع إنجليزي ذي 10 طلقات، كان ذلك في شتاء 1955 ، أي بعد أشهر من استشهاد ديدوش مراد».
و نستنتج مما تقدم أن الرئيس علي كافي مدين للشهيد ديدوش بالتحاقه بالثورة فهو واحد من المناضلين الذين كانوا مترددين في البداية لعدم وضوح الرؤية كما قال ( ص 80 ) « لكن جهود ديدوش الذي كان دائم الاتصال و الحوار مع مناضلي حزب الشعب كللت بالنجاح، و تبدو صرامة ديدوش و قوة شخصيته واضحة من خلال الموقف الذي ساقه علي كافي في لقاء ديدوش مع رئيس الدائرة الحزبية بسكيكدة الذي يقال إنه فر إلى فرنسا بعد ذلك مباشرة، و نستنتج مما سبق أن ديدوش مراد هو رجل الشمال القسنطيني بامتياز، فهو محاور بارع لديه قدرة فائقة على إقناع المناضلين بخيار الكفاح المسلح و الالتفاف حول الثورة التحريرية
خاتمة
لقد قدمت لنا المذكرات الثلاث صورة ناصعة البياض عن الشهيد القائد ديدوش مراد، و في ختام دراستنا هذه يمكننا استنتاج أهم ملامح تلك الصورة كما يلي:
التزام ديدوش مراد المطلق بالقضية الوطنية منذ تفتق وعيه و انخراطه في الحركة الوطنية و انضمامه لحزب الشعب ثم اختياره من قبل محمد بلوزداد لتنشيط المنظمة الخاصة و نشاطه في قسنطينة إلى جانب محمد بوضياف ثم حضوره اجتماع القادة 22 و اختياره ضمن القادة الستة الذين أشرفوا على تفجير الثورة حيث تم تكليفه بقيادة الشمال القسنطيني إلى غاية استشهاده في 18 جانفي 1955 حيث كان ديدوش هو أصغر القادة الستة و أكثرهم علما و ثقافة و أولهم استشهادا في ميدان الشرف دون أن تعرف سلطات الاحتلال هويته الحقيقية بصفته القائد الحقيقي لمنطقة الشمال القسنطيني.
قوة شخصية ديدوش و صبره و شجاعته الباسلة و ثقافته العالية و قدرته الفائقة على القيادة و لم شمل المناضلين و دفعهم نحو خيار الكفاح المسلح حيث بذل في ذلك جهودا مضنية و تنقلات كثيرة هنا و هناك و اتصالات جمة و حوارات و صراعات خرج منها منتصرا ثابتا مؤمنا بالحرية و الاستقلال، فهو القائد و الملهم و المحرك و المفجر للطاقات الوطنية رغم صغر سنه مقارنة بمساعديه و رفاقه.أمثال زيغود يوسف و بن طوبال و بن عودة و غيرهم.
نشاطه الكبير في التحضير للثورة و في تفجيرها و قيادتها على مستوى منطقة الشمال القسنطيني التي عين على رأسها و هي منطقة واسعة جدا تشكل أكبر عمالة فرنسية في الجزائر حددها المجاهد المؤرخ المعروف عبد العزيز خلف الله في الصفحة 17 من  كتابه ( الولاية التاريخية الثانية –ظل قسنطينة) الصادر عن منشورات الشهاب عام 2021 أنها تمتد من سوق الإثنين(وادي خراطة ببجاية) على امتداد الشاطئ حتى قرية أم الطبول (الحدود التونسية ) ثم تتجه نحو الجنوب الكبير إلى ما بعد واحة وادي سوف وصولا إلى حدود ليبيا و النيجر ثم تصعد نحو تقرت و سطيف لتغلق المجال في سوق الإثنين. و قد كان ديدوش مراد يجوب هذه المنطقة و يستقر كثيرا في قسنطينة و سكيكدة و خاصة دوار الصوادق حيث نائبه زيغود يوسف، فهو مثل الشعلة التي تنير الظلام بل إنه مثل بروميثيوس إله التضحية في الأساطير اليونانية، ينقذ شعبه و يقدم نفسه فداء لذلك.
ختاما نورد هذا المقطع الشعري للشاعر الجزائري أحمد عاشوري الذي يقول في قصيدة له عنوانها: ( ديدوش مراد):
كان ينزل من هضبة العاصمة / اسمه «ديدوش مراد» / أمه فاطمة / إنه سيد الشهداء / و فتى البهجة الباسمة / سالكا دربه / هللت تحته الأرصفة / و انحنى فوقه شاهق / و الطيور التي فوق الشجر عازفة / كلهم واقفون / شاخصون / بالنظر
إنه ديدوش مراد.

تاريخ الخبر: 2024-01-18 00:26:24
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:58
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

الرباط: اختتام فعاليات “ليالي الفيلم السعودي”

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:25:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

أحوال الطقس غدا الأحد.. أمطار مصحوبة برعد في هذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-27 15:26:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية