لم يصدمني المرض ولكن..(6)
لم يصدمني المرض ولكن..(6)
من أقوالنا المأثورة, والتي ترقي إلي مستوي الأمثال الشعبية نقول.. تقدرون وتضحك, أو تسخر الأقدار.. بمعني أن الإنسان يخطط في حياته لمشروعات كثيرة وينظم لها ويخصص لها قدرا من المال والوقت ويحدد ساعة لبدء المشروع, وبعد أن يعد كل شيء لا ينفذ المشروع بل يضيع كل شيء هباء, وكأنك لم تخطط لشيء أو لم تفكر في شيء. كثير من الناس يحدث لهم ذلك ويضيع الوقت والجهد والمال, ويسلمون أمرهم لله فليس في وسعهم عمل شيء, لذلك يفضل أن يبدأ الإنسان أي مشروع جديد بجملة.. إن شاء الله.. هذه العبارة تزيد إيماننا بالخالق العظيم وتزيد ثقتنا في أنفسنا وفي نجاح المشروع الذي نعد له.
حدث لي ذلك بالضبط. ففي الشتاء الماضي فكرنا أنا وزوجتي مني أن نغير حياتنا بعض الشيء, وأن نقضي صيف 2023 في كندا عند ابنتنا نورا وعائلتها, ونخرج عن المألوف والحياة التقليدية في القاهرة, وكانت هذه رغبة نورا وعائلتها, وهي زيارة سنوية لكنها كل ثلاث سنوات تقريبا, فالسفر مكلف جدا, هذه الأيام, وبخاصة تذاكر الطيران, وبجانب ذلك فإن الصحة لا تسمح لنا بالطيران 12 ساعة ذهابا ومثلها إيابا لكندا فالطيران مرهق للصحة. اتفقنا علي أن نقوم بزيارة كندا خلال شهر يونيو وتكون مدة هذه الرحلة شهرا ونصف هذه المرة, أي أطول من الرحلات السابقة بنصف شهر, حتي تزداد المتعة والاستجمام وأقابل أصدقاء العمر هناك المهندس تيدروس ميكائيل وابنه مارك, والأرخن فكري فرنسيس وعائلته والدكتور عادل حبيب وأسرته, وابنتيه الجميلتين, وهو طبيب نفسي معروف هناك, والقمص ميخائيل عطية والأب جبرييل ثروت خادما كنيسة الملاك ميخائيل وأبو سيفين بلافال. كان الحلم جميلا والسفر أمنية عزيزة لتغيير رتابة الحياة وإيقاعها البطيء وأخبارها غير السارة, حروب وقتال هنا وهناك, وأمراض وغلاء أسعار كل شيء حتي لم يصبح رخيصا إلا الإنسان وحجز لنا عادل واصف زوج ابنتي نورا تذاكر السفر علي أن نسافر خلال شهر يونيو, ووضعت نورا برنامج الزيارة, وتسابق أصدقاؤنا في كندا في مساعدة نورا في هذا البرنامج الحافل بالزيارات والحفلات ودعوات الإفطار والغداء والعشاء وزيارة الكنائس والأماكن السياحية. وبينما أعيش أنا ومني في حلم السفر السعيد هذا ونعد العدة والملابس وكل شيء يأتي شهر مايو فأشعر بشيء من التعب في المعدة ثم أصاب بحالة إمساك شديدة, يوما ويومين وأكثر وأشعر أن هناك شيئا غير عادي, وذهبنا للطبيب ثم إلي المستشفي وطلبت من المعالج أن يجد حلا للإمساك الذي استبد بي أكثر من خمسة أيام وسبب لي آلاما صعبة, وتوالي الأطباء للكشف علي وعمل تحليلات مختلفة ومنظار وأشعة مقطعية ورسم قلب, أسبوع كامل في المستشفي بين الإشاعات والمناظير والتحليلات و.. و.. وحالة الإمساك كما هي, لكن الأطباء انتبهوا لشيء جديد, لم يهتموا بحالة الإمساك قدر اهتمامهم بشيء جديد ظهر في الإشاعة, شبه ورم في الحالب أثر علي الكلية اليمني ويجب أن يستأصل الحالب مع الكية اليمني من الجذور..!!
لكن أطباء مستشفي عين شمس التخصصي اكتفوا بذلك, وكتبوا تصريحا بالخروج من المستشفي لكي أستكمل البحث والكشف والتحاليل في مستشفي آخر وأجري العملية الجراحية فيه علي أن العملية كما قالوا خطيرة ليست سهلة! حالة من القلق والوهم والخوف, دخلت المستشفي لكي أعالج من حالة الإمساك الشديدة, وكنت أظن أنها مجرد حالة إمساك وتعالج وتمر, لكن الموضوع اتضح أنه أخطر من ذلك بكثير, وتركت مستشفي عين شمس التخصصي بعد أن دفعت له حوالي خمسين ألف جنيه دون أن أعالج من الإمساك المزمن الذي أصابني, ولأتقبل خبرا آخر خطيرا هو وجود شك في ورم خبيث أصاب الحالب والكلية اليمني ومع أن المستشفي لم يعالجني إلا أنه اكتشف إصابتي بمرض خطير يجب أن أعالج منه بعملية جراحية خطيرة وسريعة هذا في حد ذاته يحسب له.
حيرة وخوف أصابت أفراد أسرتي, وكان علينا أن نبحث عن مستشفي آخر بسرعة لاستكمال العلاج, وبحثت مني عن مستشفي جديد نطمئن إليه وأخيرا اختارت المستشفي العسكري بالقبة فلنا تجارب ناجحة معه, ولأن عملي في الإذاعة يسمح لي بأن تتحمل المصاريف, لأننا لا نستطيع تحمل أكثر مما دفعنا (خمسين ألفا) تحملناها في المستشفي الأول عرفت ابنتنا نورا الخبر فتسرب إليها الخوف هي الأخري علي حياة والدها, وطلبنا منها إلغاء الرحلة التي كنا قد قررنا أن نقوم بها إليها فنحن لا نعرف شيئا, لا متي تجري العملية الجراحية؟ وما هي نتيجتها؟ وبدلا من أن نسافر إلي نورا في كندا حضرت نورا إلي مصر لكي تحضر إجراء العملية وتطمئن علي, وكانت مدة زيارتها إلي القاهرة قصيرة, أسبوعين, لأن عملها لا يسمح لها بأكثر من ذلك, وقضت معنا أسبوعين, ذهبت معي إلي المستشفي مرتين ولكن العملية تأجلت أكثر من مرة, مما جعل نورا مضطرة إلي السفر والعودة إلي بلدها وأسرتها وعملها. الطريف والذي ذكرني بالرحلة التي أعددنا العدة لنقوم بها في الصيف إلي نورا هو أنها أخذت الطائرة عائدة إلي كندا في اليوم الذي كنا أنا ومني زوجتي حددناه للسفر إليها, وبدلا من أن نسافر إليها جاءت هي إلينا وعادت في نفس اليوم الذي كان يجب أن تستقبلنا في مطار كندا.
إنها سخرية القدر, تقدرون وتضحك الأقدار. كل شيء بإرادة الله ومشيئته.
وبدلا من أن نقضي الصيف في رحلة ممتعة منعشة إلي كندا ورؤية أحبابنا هناك, قضيناه في صيف القاهرة الحار بين المستشفيات والأسرة البيضاء, والعمليات الجراحية, وآلام المرض وتعب مني ورحلتها المكوكية اليومية إلي المستشفي والعيادات الخارجية والإذاعة والصيدليات, وواجباتها المنزلية وحاجة بيتها إليها.
لكن العملية الجراحية تمت بعد ذلك بنجاح وعم الفرح أفراد الأسرة والأصدقاء, وشعرت أنني ولدت من جديد بعد إجراء العملية, الحمد لله..
نستكمل في اللقاء القادم