أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، الذي يلخص أبرز الأحداث الدولية ويراقب التحركات الإقليمية الدولية، خصوصًا في أوروبا، وبما يشمل أيضًا إفريقيا والشرق الأوسط ووسط وشرق آسيا ومنطقة القوقاز وغيرها من الساحات، تقريره الإستراتيجي السنوي الثامن 2023-2024م.

وناقش التقرير في محور «التطورات في البيئة الدولية» عددًا من الملفات منها «اتجاهات الصراع في أوكرانيا وتداعياته على الغرب وروسيا». وتضمن، خيارات أطراف الصراع بعد إخفاق الهجوم الأوكراني المضاد وتداعيات توسع حلف الناتو على الاستقرار الأوروبي، وعودة ألمانيا.. قراءة في الاستراتيجية الأولى للأمن القومي، مستشرفًا اتجاهات الصراع في أوكرانيا وتأثيراته من حيث تكلفة الحرب، والبعد الجغرافي بخصوص الضمانات الأمنية لأوكرانيا وعضويتها في حلف الناتو وهي المعضلة التي ستدفع نحو سيناريو حرب طويلة الأمد.

ومن الملفات أيضًا «التنافس الأمريكي-الصـيني والـتـوازن الاســـتراتيـجــي في شــرق آســـــيا»، الذي تناول أبـعـــاد السـياسـات الأمـريكـية لتـطويـق الصـيـن، والتـحـركـات الصــينــيـة المنـاهضـة للسـياسـات الأمـريكـية، والـرقـائـق الإلكترونـية.. القـضـيـة الأكـثـر اشـتـعـالًا، وتداعيات الـتنــافـــس الـقـطـبـي على الـتـوازن الاســتراتيـجـي شرقي آسـيا، ثم مــآلات التـنـافـس والتوازن الاستراتيجي في شرق آسيا خـلال 2024م. كما توقع التقرير في هذا المضمار استمرارية اتجاه التأرجح ما بين التصعيد غير المفضي للحرب والتهدئة واستمرارية التصعيد بالنظر إلى مركزية القضايا العالقة، ومزيد من التصعيد بين دول شرق آسيا.

واستعرض المحور ملف «تفاعلات الاقتصاد العالمي واتجاهاته»، متناولًا تشخيص واقع ومسارات الاقتصاد العالمي، والاتجاهات الاقتصادية المتسارعة على الساحة الدولية، واختتم مستشرفًا احتمالية تباطؤ الارتفاع في معدلات التضخم العالمي، تزامنًا مع احتمالات تخفيف أسعار الفائدة في عام 2024م، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وهو السيناريو الأقرب للتصور على المدى القريب، وارتفاع مستويات الديون الحكومية التي ستزيد الاضطرابات المالية، وكذلك انحصار التوترات الجيوسياسية المرتبطة بأسعار الطاقة والمعادن والغذاء، وأسعار الفائدة والديون الحكومية، وأزمة الصين العقارية التي يمكن أن تجلب هدوءًا عام 2024م، والعكس صحيح.

وأخيرًا، تناول هذا المحور بالتحليل ملف «القضايا الأمنية والمنافسة في المجالات غير التقليدية»، الذي تطرق إلى القوى الكبرى ومعضلة الذكاء الاصطناعي، والرقائق المتقدمة وسباق التسلح الجديد، وأثر التكنولوجيا العسكرية على أنماط الحروب الحديثة، وتزايد التسابق لغزو الفضاء، وأبعاد التنافس الدولي على الموارد في القطب الشمالي، وأوروبا وإشكالية الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، ثم مستقبل التنافس الدولي في المجالات غير التقليدية الذي يُبنى على أن من يمتلك القوة التكنولوجية والموارد الحاسمة في المستقبل، سيقبض على دفة القيادة. وتوقع أنه ستزداد المنافسة بين واشنطن وبكين من جهة، وواشنطن وموسكو من جهة ثانية.

كما تناول التقرير السنوي لعام 2023م في محوره الثاني «التحولات الإستراتيجية في السياسة السعودية»، وتشير النظرة الإجمالية إلى أوضاع المملكة العربية السعودية عام 2023م، حسب التقرير، إلى أنها بلغت في هذا العام المستوى الأعلى للتميز في أدائها الداخلي والخارجي.

وجرى تناول التحولات الإستراتيجية في السياسة السعودية لعام 2023م، عبر أربعة محاور، هي: سياسات التحديث والحكم الرشيد في إطار رؤية 2030، تنويع الاقتصاد في مرحلة ما بعد النفط، القوات المسلحة والتحولات الدفاعية والتصنيع العسكري، وأخيرًا السعودية صانع السلام ومحفز الاستقرار الإقليمي.

كذلك ناقش التقرير في سياسات التحديث والحكم الرشيد في إطار رؤية 2030، أهم التحولات السعودية الداخلية ومسارات التحديث في ثمانية أجزاء، تناول أولها سياسات الدولة في تعزيز الهوية الوطنية، وناقش الثاني أوضاع المرأة السعودية وسياسات تمكينها، والثالث للسياسة التعليمية ودعم الابتكار والبحث العلمي، والرابع للهوية العمرانية والمحافظة على التراث الوطني، والخامس للذكاء الاصطناعي وسياسات التحول الرقمي، والسادس دور الرياضة في تعزيز القوة الناعمة للمملكة، والسابع لتحليل دلالات فوز السعودية بتنظيم إكسبو لعام 2030م، والثامن يركز على أبعاد الحراك الثقافي والأدبي في السعودية.

و تناول التقرير تنويع الاقتصاد في مرحلة ما بعد النفط بالمملكة عبر مؤشرات، تمثلت في: التحول نحو مشروعات الطاقة النظيفة، والدبلوماسية الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات، وإستراتيجية الأمن الغذائي، واللوجستيات وتعزيز كفاءة سلاسل الإمداد العالمية، وإستراتيجية التصنيع المحلي وبروز السعودية وجهة سياحية جاذبة.

وفي ما يتعلق بالقوات المسلحة والتصنيع العسكري، فقد أفادت تقارير في أواخر عام 2022م بأن المملكة تستعد لإطلاق إستراتيجية الدفاع الوطني خلال عام 2023م،‏ ووفق خبير عسكري سعودي، فإن المملكة لديها إستراتيجية دفاع وطني وإستراتيجية عسكرية تخضعان للتحديث ضمن خطة تطوير وزارة الدفاع، وتضمن هذا المحور «برامج تطوير القوات المسلحة 2023م، وتوطين الصناعات العسكرية 2023م».

كما أشار التقرير إلى السعودية باعتبارها «صانع سلام ومحفزًا على الاستقرار الإقليمي» عبر الرؤية السعودية للعالم وللشرق الأوسط، ولعب السعودية دور الوسيط على المستوى الدولي، اعتمادًا على مصداقيتها وموثوقيتها عالميًّا، وكذا عبر فرض المملكة نفسها عالميًّا بتحولاتها الداخلية المتسارعة وتوجهاتها الجريئة في سياستها الخارجية، وبقفزاتها في المؤشرات التنموية خلال سنوات معدودة.

يستكمل المحور الثالث (تطورات الحالة الإيرانية) ما بدأ في استشرافه التقرير السنوي لمعهد «رصانة» 2022م. حيث يستعرض تقرير العام 2023من ما آلت إليه الأمور في جميع النواح الداخلية وحتى علاقة إيران بالعالم العربي والقوى الإقليمية والدولية. يبدأ المحور بالتطورات الداخلية في إيران، ويناقش خلال 4 نقاط مختصرة وموجزة التفاعلات الداخلية في إيران وانعكاساتها على النظام الحاكم.

ويستهل المحور بأداء حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومواقف التيارات السياسية قبل الانتخابات ومدى التفاعل معها وكيفية حشد النظام الإيراني للانتخابات التي يعتبرها بمثابة استفتاء على شعبيته. ثم تناقش النقطة الثانية، السياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية التي ينتهجها النظام ومدى تأثيرها على الأوضاع المعيشية وحياة المواطن الإيراني. وفي النقطة الثالثة، يستعرض مواقف القوى الداخلية في إيران من عودة العلاقات مع السعودية بعد اتفاق بكين. وفي النقطة الرابعة، يدرس كيف يتعامل النظام الإيراني مع أزمة الحجاب ورؤيته لشرعيته الحاكمة بعد الاحتجاجات في 2022م ومقتل الفتاة الكردية مهسا أميني.

أما في النقطة الثانية من المحور والخاصة بالسياسة الإيرانية تجاه الدول العربية، فيستهلها المحور بالموقف الإيراني من المبادرة الدولية في اليمن، وكيف يتعامل معها النظام الإيراني، وفي النقطة الثانية، يفند علاقات إيران مع العراق ونظره النظام الإيراني للدولة العراقية، ثم يشرح تحديثات النفوذ الإيراني في سوريا، وفي النقطة الرابعة، يبين العلاقات مع لبنان وما الذي تريده إيران بالتحديد من لبنان خاصة في ظل عملية طوفان الأقصى.

وفي النقطة الثالثة من المحور، والذي يستعرض علاقات إيران مع القوى الإقليمية والدولية، فيبدأ بشرح طبيعة العلاقات بين إيران وأمريكا ومدى التعقيد الذي يكتنف تلك العلاقة، خاصة في ظل التطورات التي تجري في فلسطين بعد عملية طوفان الأقصى. وفي النقطة الثانية، يوضح تداعيات الضغوط الأوروبية على إيران ومدى نجاحها.

ثم يشرح كيف تعاملت إيران مع التغلغل الصيني والروسي والتركي في منطقة القوقاز، وما هي الأساليب التي استخدمتها للعودة مرة أخرى. وفي النقطة الرابعة، يفند التقرير علاقة إيران مع باكستان بعد رحيل عمران خان، وكيف آثر ذلك بالسلب على طبيعة العلاقات بين البلدين. وفي النقطة الخامسة، ناقش التقرير ما اعتبره تأزم للعلاقات بين إيران وطالبان أفغانستان والمشاكل الحدودية التي نشبت فيما بينهما وكيف تعامل معها كل طرف على حدة. وفي النقطة الخامسة والأخيرة، شرح التقرير دوافع وتحرك إيران تجاه قارة أفريقيا وأمريكا الجنوبية، على اعتبار أن في ذلك انتصار سياسي على أمريكا.

وقال رئيس المعهد الدكتور محمد السلمي، إن المعهد يُعدُّ مؤسسة فكرية رائدة في التحليل الإستراتيجي والدراسات وتطوير السياسات حول الشؤون الإيرانية والإقليمية والدولية، كما يعتبر معهدًا أهليًّا غير ربحي مستقلًّا، يساعد في تحسين السياسات واتخاذ القرارات وبناء رأي عام من خلال الدراسات والتحليل بموضوعية وحيادية.

وأبان الدكتور السلمي أن التقرير السنوي يناقش في مجمله ثلاثة محاور رئيسية، الأول التطورات في البيئة الدولية، فيما يتناول المحور الثاني التحوُّلات الإستراتيجية في السياسة السعودية، أما المحور الثالث فيستعرض تطوُّرات الحالة الإيرانية، وأن تقسيم التقرير على هذه المحاور يؤكد حرص المعهد على أن يكون تقريره السنوي رائدًا في مواكبة التطوُّرات الدولية والإقليمية، سواء على الساحة الدولية، التي تتّسع فيها رقعة التنافس بين القُوى الكبرى، أو في البيئات الإقليمية، التي تشهد حراكًا مهمًّا وتطورات في العلاقات بين دولها، سواء كانت علاقات تعاونية أم صراعية.

وذكر الدكتور السلمي أن التقرير أيضًا تناول الملف الاقتصادي ضمن التحوُّلات الإستراتيجية في الساحة الدولية، وجانبًا من القضايا والاتّجاهات المُثارة خلال عام 2030م، وذلك عبر جزأين، الأول يشخِّص واقع الاقتصاد العالمي في عام 2023م، بينما يتناول الجزء الثاني جانبًا من الاتّجاهات الاقتصادية المتصاعدة على الساحة الدولية، كما استعرض التقرير قضايا الأمن غير التقليدي، ومن أبرزها معضلة الذكاء الاصطناعي، والرقائق المتقدِّمة باعتبارها أحد مجالات سباق التسلُّح الجديد، وأثر التكنولوجيا العسكرية في أنماط الحروب، والعودة إلى سباق الفضاء، وأبعاد التنافس الدولي على الموارد في القطب الشمالي، وأخيرًا التعاطي الأوروبي مع الهجرة غير الشرعية عبر المتوسِّط، باعتبارها أبرز قضايا الأمن غير التقليدي على الساحة الدولية خلال عام 2023م.

وأضاف الدكتور السلمي أن التقرير استعرض القضايا الفكرية الأيديولوجية المتعلقة بالإسلام السياسي وصراع الأصوليات، وعودة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مع قيادة السعودية المنطقة من أجل تصفير المشكلات، وسياسة العمل والتحرك الجماعي لمنظومة دول الخليج العربي، والصراع الروسي-الأوكراني.

ونوه الدكتور السلمي بأن التقرير خصَّص محورًا كاملًا للحديث عن تطورات الحالية الإيرانية داخليًّا، خصوصًا تعرُّض حكومة إبراهيم رئيسي لانتقادات شديدة بسبب قمع الحريات وضعف الاقتصاد، وكذلك الانتخابات البرلمانية المقررة في مارس 2024، والأداء الاقتصادي الضعيف للجمهورية الإيرانية، وتزايد معدلات البؤس وتقويض الأمن الصحي والغذائي، وعودة العلاقات الإيرانية-السعودية، وكذلك مستوى السياسة الإيرانية تجاه دول العالم العربي، والعلاقات الإيرانية مع العراق، وميزان النفوذ الإيراني في سوريا، وتمدده على الساحة اللبنانية، وعلاقة إيران بالقوى الدولية والإقليمية، وتأثر العلاقات الإيرانية-الأوروبية في 2023م باحتجاجات الحجاب، وكذلك علاقات إيران بدول آسيا الوسطى والقوقاز وباكستان وأفغانستان، وعلاقات إيران مع بعض دول أمريكا اللاتينية.