لماذا يلجأ حزب الأصالة والمعاصرة إلى قيادة ثلاثية؟


الدار/ افتتاحية

نهْج القيادة الجماعية للحزب السياسي ليس ابتكارا بامياً بل هو أسلوب لجأت إليه العديد من الأحزاب السياسية في الديمقراطيات العريقة لإدارة خلافاتها الداخلية والتوافق حول نمط تسيير يحترم إلى حدّ بعيد القواعد الديمقراطية. يمكن أن نقدم في هذا الصدد ثلاثة نماذج شهيرة: حزب الخُضر في ألمانيا الذي يُسيَّر بنظام الرئاسة المشتركة بين زعيمين، والحزب الليبرالي الديمقراطي في المملكة المتحدة الذي يشارك في قيادته مجموعة من قادة الحزب، وحزب اليسار الفرنسي الذي يتناوب على إدارته كل من جان لوك ميلونشون ومارتين بيلارد. ومن المعروف أن أحزاب الخُضر المدافعة عن القضية البيئية كانت هي السباقة إلى ابتكار هذا النمط من الإدارة الجماعية.

جاءت الحاجة إلى هذا النمط من التدبير لتمثيل مختلف التيارات والحساسيات الداخلية في هذه الأحزاب السياسية، وهو نمط حديث للغاية، ظهر في ألمانيا ثم انتقل إلى تجارب أخرى في فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوربية. وهو نوع من تقاسم السلطة داخل الهيئات الحزبية لتجنّب الصراعات التي أفضت على مدار عقود طويلة إلى حدوث انشقاقات في الكثير من الأحزاب الأوربية الكبرى لا سيّما في أوساط اليسار. بعبارة أخرى هذا النوع من القيادة الجماعية جاء جوابا على الأزمة التنظيمية التي تعيشها جل الأحزاب السياسية التي فقدت قوتها ووهجها الإيديولوجي الغابر. هذا الحلّ السحري خفّف إذاً من آثار الخلافات الداخلية وأتاح لهذه الأحزاب فرصة الحفاظ على تماسكها ووحدتها.

لكنّ الأمر يختلف نوعا ما في تجربة حزب الأصالة والمعاصرة. لا يتعلق الأمر هنا بخلافات فكرية أو إيديولوجية بقدر ما يتعلق بخلافات مرتبطة بالأنا الفردي للعديد من أعضاء الحزب الطامحين إلى رسم مسارهم السياسي الشخصي. حزب الأصالة والمعاصرة هو أكثر حزب سياسي تعاقب على قيادته أكبر عدد ممكن من القادة. قد يرى البعض في ذلك نوعا من التمرين الديمقراطي المفيد والذي يلمّع صورة الحزب، لكنّه قد يعكس في الحقيقة المبالغة في الصراعات الشخصية لا أقلّ ولا أكثر. أكثر حزب شهد تقديم عدد قياسي من المرشحين للأمانة العامة للحزب هو حزب الأصالة والمعاصرة. بل يبدو أن كل الملتحقين بهذه التجربة الحزبية فعلوا ذلك بناء على طموح شخصي مع بعض الاستثناءات القليلة التي تخلّى أصحابها عن قيادة الحزب وتواروا إلى الوراء بعيدا عن ضجيج المنافسة.

صحيح أن اختيار ثلاثة أعضاء لقيادة حزب البام بعد إعلان عبد اللطيف وهبي عدم ترشيحه لولاية ثانية يمثل فعلا مستجداً في الحقل السياسي الوطني، لكنّه يعكس في عمقه عجزا عن تمثّل الممارسة الديمقراطية واحتواء الطموحات الفردية بشكل طبيعي على غرار ما يجري في العديد من التجارب الحزبية الأخرى سواء في الداخل أو الخارج. من المؤكد أن جلّ الأحزاب السياسية الوطنية تعاني أزمة الديمقراطية الداخلية لكنّها تدبّر ذلك بأساليب وأنماط مختلفة من الممارسات القانونية أو غير القانونية أحيانا، ولم تلجأ مضطرة أبدا إلى هذا النمط من الإدارة الثلاثية لحزب سياسي لا يحتاج في نهاية المطاف إلى تعدّد القادة والزعماء بقدر ما يحتاج إلى تجديد الطرح السياسي الذي جاء لأجله.

من حقنا أن نتساءل: هل يحتاج حزب الأصالة والمعاصرة فعلا إلى هذه القيادة الثلاثية؟ إذا كنّا نقارب هذا السؤال من زاوية الأنانية الفردية التي تميز بعض أعضائه ومنتخَبيه على الخصوص، فمن الطبيعي أن تكون النتيجة الطبيعية هي هذا القرار الجديد. لكن إذا قاربنا هذا السؤال من زاوية الإضافة النوعية التي يمكن أن يمثلها في الحقل الحزبي والسياسي الوطني، فمن المؤكد أننا سنتوصل إلى نتيجة واحدة ووحيدة: العجز المزمن لأعضاء هذا الحزب عن التمييز بين الغاية النبيلة التي أُنشئ من أجلها وبين اعتبار النضال الحزبي مطيّة للطموحات الفردية والشخصية، حتّى لو كان ذلك يعني الوقوف على شفا الانشقاق والانهيار.

تاريخ الخبر: 2024-02-11 15:26:11
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

تأجيل أولى جلسات محاكمة "مومو" استئنافيا بسبب إضراب كتاب الضبط

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 12:25:50
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

رسميا.. فيفا يعلن استضافة قطر ثلاث نسخ من كأس العرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 12:25:52
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

رسميا.. فيفا يعلن استضافة قطر ثلاث نسخ من كأس العرب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 12:25:56
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية